أبرز الأخبار

القنوات اللبنانية… إجر بالضاحية وإجر بتلّ أبيب!

يتواصل «تخبيص» القنوات اللبنانية، ولا سيّما المهيمنة منها، في ما يخصّ العدوان الإسرائيلي على غزّة وجنوب لبنان، إلى درجة أنّها تصبغ نفسها كلّ يوم بلون مختلف، فيبدو لوهلة كأنّها تحاول اللعب على الحبلَين: الأوّل هو الجمهور الغاضب على الكيان الصهيوني وجرائمه وأربابه، والثاني رعاة هذه القنوات، وبعضهم من أرباب الكيان العدواني. هذا «التقاطع الجهنّمي» يؤدّي إلى حفلة الجنون التي يشهدها اللبنانيّون على إعلامهم، فيختلط الحابل بالنابل. النتيجة: ترويج للسردية الصهيونية تارةً، وتأييد المقاومة طوراً بطريقة مبتذلة لم تعد تنطلي على أحد، إذ إنّ هذه القنوات كانت قد ابتدأت حفلة التطبيع العلني (بعدما كان مبطّناً) مع العدوّ منذ العام الماضي.انعكس هذا التخبّط بشكل رئيسي بعد تفاعل قضية الظهور لرئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل في مقابلة على قناة BFMTV الفرنسية (الأخبار 20/1/2024)، إلى جانب الصحافية الإسرائيلية تمار سيبوك (مراسلة صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في فرنسا) التي توجّه إليها بالكلام أيضاً. المقابلة كانت قد جرت قبل أسبوعَين من تفاعلها على مواقع التواصل، لكنّها برزت إلى الواجهة بعد تصريحات الجميّل الذي هاجم المقاومة في لبنان وحمّلها وحدها مسؤولية العدوان الصهيوني على الجنوب، وهو ما قام به أيضاً في المقابلة مع القناة الفرنسية إذ ظهر كأنّه يزايد على الضيفة الإسرائيلية في هجومه على المقاومة.

هنا، ارتأت «الجديد» التي ترفع لواء المقاومة وتأييدها منذ ثلاثة أشهر، أن تعود إلى ما كانت عليه قبل «طوفان الأقصى»، رغم حرصها في هذه الأشهر على إظهار أنّها لم تنحَ عن خطّها ذي الهوى الغربي. هكذا، تصدّر تقرير عن الجميّل نشرة أخبارها مساء الخميس الماضي، هدف إلى الدفاع عنه وتخوين كلّ مَن اعترض على تطبيعه المعلن الذي يحظّره القانون اللبناني ويعاقب عليه! بكلّ تبسيط وسخافة، اعتبرت القناة أنّ الجميّل «يتعرّض لحملة على مواقع التواصل» من قِبل «طرف» واحد وحيد، وهي الطريقة الصهيونية ذاتها في صبغ الأعداء بلون معيّن لنزع الإنسانية والشرعية عنهم! تناست القناة الغضب الشعبي المعتاد الذي يسفر عنه كلّ تصرّف مماثل، وتناست كلّ تقاريرها السابقة عن التطبيع ورفضه، وهي نفسها كانت قد تعاطت مع قضية الإعلامية المطبّعة ليال الاختيار (الأخبار 24/11/2023) بموضوعية. لكنّ تعاطيها مع قضية الجميّل، أعاد التذكير بدفاعها العام الماضي عن الصحافية الكويتية المطبّعة فجر السعيد. ولم تحترم «الجديد» الأصول المهنية، فاستضافت في تقريرها مسؤول الإعلام في «الكتائب» باتريك ريشا للدفاع عن وجهة نظر حزبه والادّعاء بأنّ الجميّل لم يكن يعلم مَن هي الصحافية، من دون الاستماع إلى الرأي المقابل كما تقتضي معالجة الخبر بموضوعية. والسبب على الأرجح أنّ الاستماع إلى الرأي المقابل قد يعني نسف ادّعاءات «الكتائب»، إذ ما الذي يمكن أن يبرّر التطبيع غير صبغ الغاضبين عليه بلون واحد وتخوينهم؟ وما الحاجة من التقرير عندها إن لم يخدم هدف تلميع صورة «الكتائب»؟ يمكن اختصار تذبذب «الجديد» بتعاطيها المضحك مع تصريح رئيس حزب «القوّات» سمير جعجع الذي انتقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فـ«ضاعت طاسة» القناة بين هذا وذاك، ولم تعد تعرف أين تريد أن تقف!

على ضفّة mtv، يظهر «الخلط» والتذبذب أيضاً. ليس مفهوماً ما الذي تحاول القناة القيام به تحديداً، لكن يبدو أنّها تحاول أن تكون «موضوعية» من دون أن تنجح، فتقفز يميناً ويساراً مثل النبض الكهربائي. تصف العدوان على الجنوب بأنّه «حرب» لم يعد لها «قواعد اشتباك»، ثمّ تعدّد الخروقات الإسرائيلية، ولكنّها تعود وتقول إنّ كيان العدوّ «يردّ» على المقاومة، قبل أن تستخدم صفة «الشهادة» في إشارة إلى شهداء المقاومة، ثمّ تهوّل بأنّ «إسرائيل» قد تردّ بطريقة قاسية، قبل أن تستنتج ألّا أحد يريد التصعيد. ثمّ تعود وتُردف نتائج عمليّات المقاومة بعبارة «بحسب الحزب» فيما تعتبر أنّ عدد شهداء المقاومة يرتفع من دون نسب ذلك إلى مصدر ومع تكتّم حول أعداد القتلى في صفوف جيش العدوّ، وهكذا دواليك. النتيجة ترويج لأجزاء من السردية الصهيونية مع ما يكفي من عبارات «رفع عتب» لادّعاء الموضوعية. السردية هذه تبدو أيضاً واضحة المعالم على الأسئلة التي يتوجّه بها محاورو mtv إلى ضيوفهم، وغالباً ما يكون الأخيرون من مؤيّدي الهيمنة الغربية، وقد انتشرت بعض المقاطع من هذه المقابلات على مواقع التواصل.
بثّت «الجديد» تقريراً يدافع عن سامي الجميّل ويخوّن كلّ مَن اعترض على تطبيعه المعلن

وكانت mtv قد نشرت بداية الأسبوع الماضي ـــ إلى جانب LBCI ووسائل إعلام أخرى ـــ خبراً كاذباً منقولاً عن جيش العدوّ، مفاده أنّ «قوّات خاصّة تابعة للجيش الإسرائيلي تسلّلت إلى داخل الجنوب اللبناني وأزالت ألغاماً في قرية عيتا الشعب»، قبل أن يتبيّن أنّ ما جرى كان قصفاً مثل أيّ قصف يقوم به العدوّ، وأنّ الخبر كان نتيجة وقوع بعض وسائل الإعلام في خطأ ترجمة مصطلح «قوّات خاصّة»، وهو لا يعني التسلّل بطبيعة الحال. بالإشارة إلى LBCI، فقد انتشر على مواقع التواصل مقطع من آخر حلقات برنامجها «حوار المرحلة»، إذ استضافت الإعلامية رولا حدّاد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب. في المقطع، تسأل حدّاد ضيفها عن قرار الأمم المتّحدة رقم 1701 مدّعيةً أنّ لبنان يخرقه، قبل أن يصحّح لها الوزير بأنّ «إسرائيل» هي التي تخرقه برّاً وجوّاً وبحراً. لا تلبث الإعلامية أن تقاطع ضيفها لتقول إنّ الطرفَين لم يلتزما، فيشرح لها الوزير أنّه لا يمكن جلد الذات وحتّى الدول المطبّعة مع العدوّ تقع ضحيةً لغطرسته. عندها تُبدي حدّاد جهلاً واضحاً بالموضوع الذي تتناوله، فتقول بالفم الملآن بأنّ القرار 1701 لا ينصّ على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني قبل أن توافق ضيفها على أنّه ينصّ على الانسحاب خلف «الخطّ الأزرق»، وتُصدم عندما يقول لها إنّه شمل البحث وضع مزارع شبعا!
لكن بغضّ النظر عن المقطع هذا، فإنّ نشرات LBCI ما زالت مستمرّة في نهجها الحديث نسبيّاً في بثّ تقارير تدين العدوّ في فلسطين ولبنان على حدّ سواء. لكنّها بعكس mtv، تتفادى صفة «الشهادة» قدر الإمكان وتحاول التحايل عليه والتغطية من دون أن تستخدم عبارات فجّة. وآخر الأمثال خبر استهداف العدوّ السبت سيّارة في البازورية موقعاً شهيدَين للمقاومة، فصاغت القناة الخبر على الطريقة التالية: «غارة إسرائيلية على البازورية واستهداف سيّارة وسقوط عنصرَين لحزب الله»، فيما عادت واعتبرت أنّ استهداف قضاء صور تصعيد خطير لم يحدث منذ عدوان 2006.
في المحصّلة، وفيما ينقسم المشهد الإعلامي اللبناني بين قسم ثابت على تأييد المقاومة في ظلّ الظروف الحالية، وآخر «طاسته ضائعة» يتخبّط ويتذبذب، لا يخطر في البال مثَلٌ يصف القسم الآخر، أي القنوات المهيمنة، أفضل من «إجر بالبور وإجر بالفلاحة»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى