أسرارٌ مُهمّة كثيراً.. هكذا نشأت “حماس” و “كتائب القسّام”!
ووصل البنا والحكيم إلى القدس حيث التقيا بالحاج أمين الحسيني وشرعا في الدعوة لتنظيمهم، ورغم عدم وجود إشارات تدل على تأسيس كيان تنظيمي للإخوان في تلك الفترة، فإنهم شاركوا بصورة لافتة في الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامي (1936-1939)، ثم فُتح الباب واسعا أمام مجلتهم “النذير” التي كانت تهاجم الاحتلال البريطاني هجوماً شديداً في فلسطين، الأمر الذي لفت أنظار أهل فلسطين في الضفة الغربية خاصة إلى هذه الجماعة.
ولذلك، نرى أن سنوات 1939-1945 كانت البداية الحقيقية لانضمام أعداد من الفلسطينيين لجماعة الإخوان المسلمين وفتحهم مراكز ومجلات خاصة بهم.
وفي السنوات الثلاث بين عامي 1945-1948 كان الإخوان المسلمون في فلسطين يزدادون قوة وانتشاراً في القدس ويافا وحيفا وقلقيلية واللد وطولكرم والمجدل وسلواد والخليل وغزة وبئر السبع والناصرة وعكا، وقد ذكر الشيخ حسن البنا في إحدى رسائله أن “للإخوان في فلسطين أكثر من عشرين شُعبة في الشمال والوسط والجنوب”.
الإخوان المسلمون في حرب 1948
وكان إعلان هيئة الأمم المتحدة قرار التقسيم في تشرين الثاني 1948 صادماً للعرب جميعاً وللفلسطينيين خاصة، حيث أعلنت الهيئة العربية العليا التي كانت برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، وشُكِّلت لقيادة ثورة 1936 ضد البريطانيين واليهود، عن تأسيس “جيش الجهاد المقدس” بقيادة عبد القادر الحسيني الذي تناولنا دوره الفذ في حرب 1948 واستشهاده في معركة القسطل. وبجوار جيش الجهاد بزعامة الحسيني انضمت جماعة الإخوان المسلمين للقتال بأفرعها المختلفة داخل فلسطين وخارجها قبل وبعد اشتعال حرب 1948.
حتى ذلك الحين، كانت جماعة الإخوان في فلسطين لا تزال قليلة العدد والعتاد مقارنة بأقرانها في مصر وسوريا والأردن والعراق. وعملياً، فقد تم تشكيل قوات غير نظامية منذ بداية الحرب من قبل هؤلاء، وعملوا في أماكن وجودهم في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك، التي كانت منخرطة تحت قيادة “جيش الجهاد المقدس” بزعامة عبد القادر الحسيني. أما في المناطق الجنوبية في غزة وبئر السبع، فقد انضم العديد من الإخوان إلى المتطوعين من الإخوان القادمين من مصر بقيادة كامل الشريف، الذي يذكر أن قوات الإخوان الفلسطينيين كانت تُقدَّر بنحو 800 شخص.
وقد أسفرت معارك 1948 في النهاية عن تمكين الإسرائيليين من السيطرة على فلسطين، وإعلان دولتهم، وتهجير أعداد كبيرة من سكان فلسطين في الشمال والوسط إلى مناطق الضفة الشرقية والغربية، ومناطق الجنوب التي لم يتبقَّ منها إلا قطاع غزة.
وإثر ذلك، أصبح قطاع غزة خاضعاً للحكم المصري منذ عام 1948 وحتى العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، حين احتلت إسرائيل هذا القطاع لمدة أربعة أشهر، قبل أن يعود المصريون لحكمه مرة أخرى سنة 1957، ويبقى على هذه الحال عشر سنوات حتى هزيمة 1967 التي احتلت إسرائيل على إثرها قطاع غزة والضفة الغربية والجولان وسيناء.
ظهور حماس بقيادة الشيخ أحمد ياسين
ومنذ ذلك التاريخ وحتى استشهاده عام 2004، برز اسم الشيخ أحمد ياسين في قطاع غزة، فقد اشتهر بخطبه ونشاطه الدعوي وكونه أحد أبرز عناصر الإخوان المسلمين في غزة.
وكان الشيخ ياسين قد أُصيب بالشلل الرباعي قبل ذلك، فلما عاد إلى غزة مُدرسا للغة العربية والعلوم الإسلامية أصبح له نشاط كبير في الدعوة والتربية وتنشئة الأطفال والمراهقين، وبحلول عام 1973 أنشأ الإخوان المسلمون في غزة “المجمّع الإسلامي” ثم أسسوا “الجمعية الإسلامية” عام 1976، كما يمكن اعتبار “الجامعة الإسلامية” التي أُنشئت سنة 1978 واحدة من المؤسسات التي وقف خلفها الإخوان في هذه المرحلة.
ويعتبر بعض الباحثين أن ظهور حركة حماس أثناء الانتفاضة الفلسطينية سنة 1987 سبقته مرحلة جرى خلالها “بناء النفوذ السياسي واستكمال الأجهزة واختبار القوة” داخل جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين بين عامي 1982-1987. ففي هذه المرحلة ترسخت العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وشرعت الجماعة في جمع السلاح وإجراء التدريبات، ما أدى إلى اعتقال الشيخ أحمد ياسين عام 1984 ومعه جماعة من قيادات الحركة، وضُبط معهم أكثر من أربعين قطعة سلاح، واكتشف الإسرائيليون تأسيسهم جهازاً عسكرياً اسمه “المجاهدون الفلسطينيون”، وجهازاً أمنيا آخر اسمه “مجد”.
واستمرت هذه الانتفاضة طوال ست سنوات حتى الإعلان عن اتفاقية أوسلو سنة 1993، التي لم تعترف بها العديد من الحركات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما.
في غضون ذلك، كان الجهاز العسكري لحماس والمسمى “المجاهدون الفلسطينيون” بقيادة الشيخ صلاح شحادة قد بدأ في عملياته العسكرية ضد إسرائيل، حيث تمكن من خطف وقتل الرقيب الإسرائيلي آفي ساسبورتس في شباط 1989، والجندي إيلان سعدون في يار من العام نفسه. وسرعان ما ضُرب هذا الجناح العسكري في الشهر نفسه إثر الحملة القوية التي قادتها إسرائيل ضده. وفي العام التالي في أيار 1990 شكلت حماس جناحها العسكري الحالي المسمى “كتائب عز الدين القسام” الذي حل محل كتائب “المجاهدون الفلسطينيون”.
استمرت العمليات العسكرية لحماس في السنوات اللاحقة، فبحسب دراسة كتبها غسان دوعر، نفذت حماس 138 عملية عام 1993 خسر الكيان الإسرائيلي فيها حسبما أعلن بنفسه 79 قتيلا و220 جريحا. ورغم دخول منظمة التحرير الفلسطينية في تسوية مع إسرائيل، وإعلان اتفاقية أوسلو بين الجانبين في العام ذاته، وتوليها إدارة الضفة وقطاع غزة، ما أدى إلى انخفاض حاد في وتيرة الأعمال العسكرية لحماس؛ فإن ذلك لم يمنع ظهور “العمليات الاستشهادية” فيما بعد، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية، ثم استقلال حماس بحكم قطاع غزة في السنوات الستة عشرة الأخيرة وحتى اللحظة الحالية التي تتعرض فيها غزة لإبادة متكاملة الأركان من جانب إسرائيل.
تلك هي قصة ظهور حركة حماس من رحم جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قد دخلت فلسطين منذ ثلاثينيات القرن العشرين في الضفة وغزة، وشاركت في حرب 1948، قبل أن تسهم فيما بعد في ظهور حماس وجناحها العسكري “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الذي يُعد الأبرز ضمن الفصائل التي تقود المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى اليوم. (الجزيرة نت)