أبرز الأخبار

ضغوط فرنسية ومصرية وسنّية لتغطية فراغ الحريري: ميقاتي مرشحاً في انتخابات أيار؟

المُقال في موقف الرئيس نجيب ميقاتي ان الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها. اما غير المُقال فهو موقفه من نفسه: مرشح لها أم عازف كالرئيس سعد الحريري، لكن بلا حجة مقنعة ولا ارادة ملزمة؟

لأنه لم يقل، حتى الآن على الاقل، أي خيار اتخذه، يقع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند تقاطع مربك: رئيس حكومة الانتخابات في الغالب مرشح لها ورئيس لائحة مكلف اجراءها ناهيك بالاصلاحات الاقتصادية والنقدية، وفي الوقت نفسه عضو نادي الرؤساء السابقين للحكومة الذين اختار اثنان من اربعة منهم علناً العزوف: الرئيس تمام سلام اولهم، ثم الرئيس سعد الحريري. اما رابعهم الرئيس فؤاد السنيورة، فيُفترض ان يسري حكماً عليه قياس النائبة بهية الحريري، نائبة صيدا، غير المرشحة وهي رئيسة الكتلة النيابية لتيار المستقبل.

ثلاثة من اربعة في نادي رؤساء الحكومات السابقين، الموصد الابواب في وجه عضو خامس، يدورون في فلك واحد هو تيار المستقبل، بينهم رئيسه. إما اعضاء اصيلون او اعضاء حلفاء. وحده ميقاتي من خارجه وخارجهم. تجربته مختلفة عن اسلافه الثلاثة، وهو اقدمهم في السرايا. القاسم المشترك بينه وبينهم، في ناديهم، المحافظة على الصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء، ومنع الاعتداء عليها، والتمسك بها الى حد الاجتهاد في تفسيرها، ومطّ هذا التفسير اكثر مما يحتمل احياناً، كما لو ان النظام المنبثق من اتفاق الطائف يدور من حول رئيس مجلس الوزراء وحده. اما ما يتعدى الالتقاء على الصلاحيات، فيمكن العثور على حجج وأسباب للافصاح عن عدم الود:

أولها، تقليدي تاريخي. وهو ان زعماء المدن السنّية الثلاث، بيروت وطرابلس وصيدا، لا يهضم احدهم الآخر وهم في تنافس دائم. عندما يكون احدهم في الموالاة، فالآخر في المعارضة الى ان يصبح في السرايا، فتنقلب الآية. اعتادوا قديماً التناوب بلا استئثار.

ثانيها، تجارب معبّرة في مراحل شتى، في ما بعد عام 2005، دلت على وطأة التناقضات. لعل اكثرها وقْعاً ما حدث في كانون الثاني 2011، بعد اسقاط الثلث+1 حكومة الحريري، فترشح وميقاتي لترؤس الحكومة التالية. اذا الحريري يسجّل السابقة الاولى منذ ما بعد اتفاق الطائف، وهي خسارته التكليف والغالبية النيابية قبالة منافسه بفارق ثمانية اصوات. لم يكن سهلاً تقبّل هزيمة كهذه يحصدها الحريري رئيس الغالبية النيابية وقتذاك، المنبثقة من انتخابات نيابية تعود الى ما قبل اقل من سنتين. آل ذلك الى محاولة تيار المستقبل احراق طرابلس وبث الفوضى فيها احتجاجاً على خسارة الحريري، من دون ان يكون ميقاتي هو المسؤول عن تقويض غالبية قوى 14 آذار، بل النائب حينذاك وليد جنبلاط وكتلته.

ثالثها، ان ميقاتي كالحريري، وكالسنيورة لاحقاً، احد اكبر الاثرياء السنّة المقتدرين، القادرين على تمويل انتخابات نيابية عامة والفوز فيها، ما احاله مرجعية رئيسية في طرابلس، تحتاج قوى المدينة – كما من خارجها – الى التحالف معه او تُرغم على منافسة غير مستغنٍ عنها واياه.

عندما كُلف ميقاتي ترؤس الحكومة الحالية، كان محرّراً من اية قيود. في ما مضى، قبل ترؤسه اولى حكوماته عام 2005، كان شرط وصوله الى السرايا التعهد بعدم الترشح للانتخابات النيابية. وهو ما فعل. بيد ان الحكومة التي ألّف يومذاك، تحت وطأة صدمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جنحت بكليتها الى قوى 14 آذار، وهو الفريق المناوىء لميقاتي المعروف منذ اول توزير له عام 1998 انه صديق شخصي للرئيس السوري بشار الاسد. اما عند تكليفه ثالثة حكوماته في تموز المنصرم، فلم يكن ثمة شرط مماثل، بل مهمة مزدوجة منوطة به هي الاصلاحات والانتخابات. لذا بدا من الطبيعي، حتى 24 كانون الثاني الفائت، ان يتحضّر الافرقاء جميعاً – بمن فيهم رئيس الحكومة – لخوض انتخابات ايار، الى ان فاجأهم الحريري – بعدما فوجىء هو بنفسه – بما يتجاوز الخروج من الانتخابات، وهو اعتزال الحياة السياسية بعنوان تعليقها.

للتو فُهِمَ من خيار كهذا، من باب الاستنتاج والاستطراد المنطقي، ان زعيماً سياسياً وقائد طائفة لا يمكن ارغامه على قرار في وطأة ذاك، الا اذا صدر عن مرجعية من القوة والنفوذ والتغلغل في الطائفة يسعها ان تفرض على زعيمها هذا الرضوخ لارادتها. بَانَ اول تفسير للصدمة كأن الطائفة السنّية برمّتها مدعوة الى الخروج من الانتخابات النيابية ومقاطعتها، وليس زعيمها المُعاقَب ربما. لاحقاً سارع قادتها الى بث ارادة معاكسة للمقاطعة التي اوحى بها قرار الحريري، بتأكيد مشاركة السنّة وانخراطهم في الانتخابات. القصاص هو لتيار المستقبل ورئيسه وعائلته ليس الا. فُهم السبب، فبطُل العجب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى