أبرز الأخبار

قيادة الجيش اللبناني بين “انتقام” ميشال عون وحسابات “حزب الله”

طوني بولس \ independentarabia

شبح شغور المواقع الاستراتيجية يتمدد في المؤسسات الرسمية اللبنانية التي تشهد تفككاً مستمراً، ويطرق باب المؤسسة العسكرية هذه المرة التي لا تزال صامدة بوجه الانهيارات والأزمات المتلاحقة التي تشهدها البلاد، إذ يحال قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي تصدر اسمه المشهد في الأشهر الماضية كمرشح لرئاسة الجمهورية إلى التقاعد في 10 يناير (كانون الثاني) 2024 وسط شغور في المجلس العسكري.

ولطالما شكلت المؤسسة العسكرية مخرجاً لتسوية الشغور الرئاسي، وهو ما حدث للمرة الأولى عام 1958 عند انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وصولاً إلى انتخاب العماد ميشال سليمان عام 2008، إلا أن هذه المرة في ظل الانقسام الكبير في البلاد، تبدو حسابات “التيار الوطني الحر” مختلفة، حيث يشن عليه معركة سياسية لإطاحة إمكانية وصوله إلى رئاسة الجمهورية كمرشح توافقي. في حين يعتبر “حزب الله” هذا الملف فرصة لترجمة مشاركته في حرب غزة عبر شن عمليات عبر الحدود في جنوب لبنان، للاستفادة منها داخلياً لمسايرة “التيار الوطني الحر” ومقايضته في الملف الرئاسي المجمد حالياً بسبب التحولات الإقليمية المرتبطة بحرب غزة.

“فيتو انتقامي”

وتنقل مصادر مقربة من “التيار الوطني الحر” عن وجود “فيتو انتقامي” لدى الرئيس السابق ميشال عون يعود إلى مرحلة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حين رفض قائد الجيش الانصياع إلى “الأوامر” حينها بفتح الطرقات وقمع الاحتجاجات الشعبية حينها، الأمر الذي اعتبره عون “تمرداً” على الجهة التي عينته قائداً للجيش. في حين تشير مصادر المعارضة إلى أن سبب “الحرب” التي يخوضها التيار بوجه قائد الجيش تعود لسببين، الأول رفض عون تمرير مصالح النائب جبران باسيل عبر مؤسسة الجيش، إضافة إلى المسار الذي انتهجه باسيل بمحاربة جميع المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية إفساحاً في المجال لرفع حظوظه مباشرة أو انتداب رئيس من قبله إلى قصر بعبدا.

رفض مسيحي

ومع إصرار “التيار الوطني الحر” على تعيين قائد جديد للجيش برز موقف مؤيد من قبل “حزب الله” الذي وفق المعلومات نقل موافقته السير إلى جانب باسيل بتعيين مدير الاستخبارات في الجيش طوني قهوجي كقائد للجيش، إلا أنه اشترط توقف وزراء التيار عن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء وعدم اعتماد صيغة المرسوم الجوال على 24 وزيراً في تعيين قائد الجيش. إلا أنه في المقابل تتسع جبهة القوى المسيحية الرافضة لتعيين قائد الجيش قبل انتخاب رئيس للبلاد، حيث برز موقف واضح للبطريرك الماروني بشارة الراعي في هذا السياق، والذي ربط تعيين قائد جديد بالتجاوز على صلاحيات رئاسة الجمهورية وتوجيه ضربة في الصميم لدور المسيحيين بالنظام السياسي اللبناني.

وإلى جانب البطريرك يقف كل من حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وشخصيات مستقلة، متفقة معه على ضرورة التمديد الاستثنائية لقائد الجيش لاعتبارات طائفية ووطنية وأمنية. وبحسب المعلومات فإن معظم الكتل السياسية ترفض تعيين قائد جديد وتفضل قيام مجلس الوزراء بتأجيل تسريح العماد جوزيف عون لمدة ستة أشهر في الأقل، أو التوجه إلى المجلس النيابي ورفع سن التقاعد لرتبة عماد سنة على الأقل.

قانون الدفاع

وبحسب قانون الدفاع الوطني الصادر سنة 1983 يتم تعيين قائد الجيش من بين الضباط العامين المجازين بالأركان بمرسوم مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني.

ويوضح المتخصص في الشأن الدستوري المحامي بول مرقص أن مرسومي القانون حول السن القانونية للتسريح، لم يشملا أحكاماً تتعلق بتمديد سن التقاعد، مما يستوجب ضرورة صدور تشريع يسمح بالتمديد، وسبق أن حصل ذلك في عهد رئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي. كما يعدل وفقه، ولمرة واحدة فقط، سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد، ليصبح 63 بدلاً من 60 سنة. ويقول مرقص إنه بعهد الرئيس ميشال عون سنة 2021، صدر قانون أرجأ فيه تسريح عقداء بالجيش لحين بلوغهم سن الـ58.

ومن الخيارات المتاحة دستورياً في حال عدم التوافق على اسم قائد جيش جديد أن ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش عند غيابه ويمارس مهامه وصلاحياته طيلة فترة غيابه، وهناك سابقة لذلك سنة 1970، وتنص المادة 55 من قانون الدفاع الوطني على إمكانية الذهاب إلى تأجيل التسريح بناءً على قرار وزير الدفاع المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ، وعند عمليات حفظ الأمن، ويشير مرقص إلى أن البلاد على مشارف أخطار الحرب وتداعيات حرب غزة، فيمكن تفعيل هذه المادة.

تأجيل التسريح

ويشير نائب كتلة حزب “الكتائب” إلياس حنكش إلى أن المخرج الأفضل لتلافي الشغور هو تأجيل تسريح قائد الجيش جوزيف عون، لافتاً إلى أنه في حال امتنع وزير الدفاع عن تمديد تسريح القائد، فإن الحكومة مجتمعة تستطيع اتخاذ القرار وحسم تأجيل التسريح.

ويؤكد رفض “الكتائب” تعيين قائد جديد للجيش، كذلك رفض أي تشريع في مجلس النواب في ظل غياب رئيس الجمهورية، كاشفاً عن أنه في حال لم تنجح الحكومة في تأجيل تسريح القائد، فإن الذهاب لإقرار قانون في مجلس النواب بهذا الشأن سيكون مطروحاً للنقاش في المكتب السياسي للحزب. وأوضح، “نحن لا نمدد، إنما نسعى إلى تأجيل تسريح قائد الجيش، وهناك فارق في هذه المقاربة، والتنسيق قائم مع الحزب الاشتراكي، كما أن التنسيق مع قوى المعارضة قائم والاتصالات مفتوحة مع كل الفرقاء في هذا الموضوع الذي يجب أن يكون مدروساً ومنسقاً لما فيه مصلحة المؤسسة العسكرية”. وقال إنه يمكن اختصار الطريق عبر فتح أبواب مجلس النواب لانتخاب رئيس للبلاد، “كوننا في أمس الحاجة إلى أن يكون لدينا رئيس للجمهورية يثق به اللبنانيون، ويتخلى عندئذٍ الفريق الآخر عن مرشحه ونذهب نحو انتخاب شخصية مقبولة من الجميع وتكون قادرة على الجمع بين كل الفرقاء، ويكون ضابط إيقاع السلم والحرب الذي يطمئن اللبنانيين”.

وقوع المحظور

من ناحيته، أشار عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن إلى أن الحزب الاشتراكي كان يدعو دائماً إلى تلافي الشغور في أي موقع، واليوم يدور النقاش حول المراكز الأمنية في البلاد، وقال “وصلنا إلى المحظور وموقفنا واضح، يجب تمكين كل مؤسسات الدولة وأولها المؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي”، مضيفاً “طالبنا بتلافي الشغور من خلال انتخاب الرئيس، ويبدو أن الفراغ سيطول، لذا طلبنا التمديد للعماد جوزيف عون”، مطالباً بترك الحسابات الشخصية وتمرير هذه المرحلة من دون تعريض المؤسسة العسكرية لأي اهتزاز.

وتحدث عن محاولات لتعيين قائد جيش جديد، مشيراً إلى أن “حزب الله” يريد التوافق على مبدأ ما ويراعي “التيار الوطني الحر”، موضحاً أنه “في حال تعذر حل ملف قائد الجيش، هناك اقتراحات قوانين و”عندها نناقش ونفضل الذهاب إلى التمديد من خلال مجلس النواب”.

تمديد لمدة سنة

وفي رأي عضو كتلة الجمهورية القوية النائب غسان حاصباني، فإن المخرج الأفضل يبقى عبر التصويت على اقتراح القانون الذي تقدمت به كتلة “القوات اللبنانية”، للتمديد لرتبة عماد لمدة سنة، كاشفاً عن جولة على القوى السياسية لبحث إمكانية عقد جلسة تشريعية على جدول أعمالها بند وحيد لهذا الموضوع. وأضاف “لن نوفر أي جهد للحفاظ على المؤسسة العسكرية واستقرارها، بخاصة أن لبنان اليوم في دائرة الخطر العسكري، وهناك حرب دائرة في الجنوب، نتمنى ألا تتوسع في حال حصول أي طارئ، مع حالة عدم الاستقرار العسكرية المسيطرة على مؤسسة الجيش، التي وجب أقله أن تحظى بالاستقرار والاستمرارية وألا تكن هناك أي علامة استفهام أو تساؤلات حول قيادتها في الوقت الحاضر، في ظل الوضع القائم الاستثنائي ولبنان في حاجة إلى أن تبقى هذه المؤسسة مستقرة من دون أي خلل للاستمرار بالدفاع عن الأراضي اللبنانية وتأمين الأمن على الحدود وعدم اهتزاز قراراتها ومواقفها، وإذا لم يستطع مجلس الوزراء التمديد لقائد الجيش، نذهب إلى التشريع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى