أبرز الأخبار

“حزب الله” يتحضّر لـ”معركة أيام طويلة”

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

خريطة القتال عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة توحي بخط بياني متصاعد وبعمليات عسكرية مدروسة ومتقطعة لن تكون محصورة بزمان أو مكان. حجم ما يجري لا يمكن أن يوحي فقط بعمليات تأتي رداً على اعتداءات إسرائيلية أو من منطلق دعم ومؤازرة المقاومة الفلسطينية فقط.

من يعلم طريقة عمل وتفكير عقل “حزب الله”، يدرك أن الحزب أخذ ينتقل تدريجياً من نظريات الدفاع في مواجهة العدو الإسرائيلي إلى قواعد الهجوم. مثل ذلك أن يُرتّب إجراءات عملانية على الأرض. لذا كان ينتظر توفر ظروف أو تطورات ما، لتدشين الإنتقال والتعبير عنه، والبدء في مشوار تغيير المعادلات وقواعد الإشتباك التي لم تعد صالحة الآن طالما أن التطور يفعل فعله.

هنا، من الأخطاء الشائعة، وسم ما يجري على جبهة جنوب لبنان بأنه يندرج ضمن قواعد الإشتباك التي أرسيت عام 2006. وللعلم، إن قواعد الإشتباك تلك تطوّرت أكثر من مرة وتغيّرت مضامينها وواكبت تطور الحزب لتبلغ ما بلغته الآن. وفي مراقبة دقيقة، لم تبقِ عملية “طوفان الأقصى” وتداعياتها من تلك القواعد سوى مسألة “الرد على الإعتداء بنفس الوزن”، أي جندي مقابل جندي، مدني مقابل مدني، موقع مقابل موقع…، والمتغير الواضح أن بيئة الرد لم تعد محصورة ضمن نطاق معين كمزارع شبعا اللبنانية المحتلة.

إذاً نحن أمام قرار من جانب “حزب الله”، بتنفيذ استهدافات يومية للعدو وإبقائه مشغولاً على طول الحدود. وهذه المعادلة ربما تصبح مفتوحة ربطاً بالنتائج المتوقعة في غزّة. وفي طور إرساء هذه المعادلة بالنار قد نصبح أمام واقع جديد في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وربما الجزء اللبناني من بلدة الغجر، نعود خلالها إلى ما قبل عام 2006، وتصبح عمليات المقاومة هناك طبيعية ومفتوحة.

يقودنا ذلك إلى فكرة “تثبيت الحدود البرية” التي أخذت جدلاً واسعاً خلال الفترة الماضية. ومن الواضح أن القرار بالنسبة إلى المقاومة هو “تسخين” النقاط كافةً على طول الحدود. ويتبيّن من خلال التدقيق أن النقاط “المتحفّظ عليها” وفق التفسير اللبناني، هي أكثر النقاط إشتعالاً الآن على الجبهة، من علما الشعب إلى البستان مروراً برميش ويارون وصولاً إلى بليدا والعديسة وكفركلا. إذاً نحن أمام عملية تحديد حدود بالنار.

من ناحية أخرى تحمل المعركة الجارية عند الجبهة الجنوبية روح الحرب الإستباقية. فكما استبقت “حماس” بهجومها يوم 7 أكتوبر على مواقع العدو في مستعمرات غلاف غزّة، أي غزّوة إسرائيلية محتملة (ثمةَ تقديرات أنها كانت مسألة أسابيع)، تستبق المقاومة اليوم عند الحدود الجنوبية، وتختبر قدرات العدو، وتمارس نوعاً من المناورات الحيّة، إلى جانب كونها تثبّت نظرية وحدة الساحات، وتشغل العدو عن التفرّغ إلى غزّة وتقسم قواه العسكرية من الجيش وما يسمّى “الجبهة الداخلية” نصفين، وتمهّد لفصل الجبهة تلك من حيث التعامل: جبهة الشمال للحزب وجبهة الجنوب لحركة “حماس” فيما يبقى الوسط من حصّة الضفة الغربية المرتقب أن تُقبل على وضعية عمل جديدة عند تطور المعركة.

هذا بمجمله يقود إلى احتمال حصول “معركة” لأيام طويلة، تبقى على المقلب اللبناني محصورةً في الجنوب. وفي مقدور المعادلات التي أرساها الحزب، أن تُبقي الضاحية الجنوبية وبيروت بشكل عام بمنأى عن أي استهداف. وفي حال تجاوز القواعد، قد يتطور رد فعل المقاومة نحو تطبيق ضربات وفق بنك أهداف معدّ سلفاً، يتنوع بين منشآت مدنية وعسكرية ومعامل ومؤسسات ومواقع وحساسة وحقول ومنصات، والأهمّ مطارات عسكرية ومدنية، وبالتالي يصبح قدوم حاملات الطائرات الأميركية، ذو مهمة واضحة هي التحول إلى مطارات بديلة.

وفي وضعٍ كالمُقبلين عليه افتراضاً أن يواكب بتجهيزات عملانية على الأرض.

في الشقّ العسكري، نفذت المقاومة أجندة محددة مسبقاً وجرى التدرب عليها وشكلت مقدمةً لتأمين أي عمل عسكري أو أنها رمت لإفقاد العدو بعض القدرات التجسسية التي أعطته أسبقية ولتوسيع حرية حركتها أيضاً، تمثلت بتعمية العدو عند الحدود من خلال استهداف أبراج وكاميرات المراقبة والحسّاسّات ونقاط التجسس والمراقبة والتشويش. وقد بدا أن العملية نُفذت بسياقٍ متزامن، بدأ باستهداف وتدمير مواقع التجسس والمراقبة في أعالي التلال، واستئناف من خلال “رمي” نقاط المراقبة على طول الخط الحدودي. وبحسب البيانات الأمنية، إن القطاعين الأوسط والشرقي، نالا القسط الأكبر، وباتا خارج منظومة الرقابة الإسرائيلية لاسيّما خطّ قرى قضاء مرجعيون، فيما التعامل جارٍ مع النقاط الأخرى في القطاع الغربي، ما يفسّر لجوء العدو بشكل رئيسي خلال الليل إلى استعمال سلاحي القنابل المضيئة والفسفورية.

في الشقّ الإنساني باتت قرى الجنوب لاسيّما الموجودة في القطاع الغربي حيث العمليات الأبرز، شبه خالية من السكان بعدما لجأ كثيرون إلى مدارس في منطقة صور والبرج الشمالي. وقد وفّر خروج معظم الأهالي من المناطق الحدودية بشكل عام، عاملاً مريحاً للمقاومة ووسّع من حرية حركتها. ومع التركيز على تطورات الميدان، إنصرفت المقاومة للإعداد اللوجستي والعملاني. على المستوى الغذائي، أمّنت المقاومة إمدادات غذائية إستثنائية لمخازن “النور” المنتشرة ضمن مناطق الجنوب والمستخدمة فيها “بطاقات السجاد”. وعلى المستوى الإستشفائي، تجري استعدادات لإنشاء مستشفيات ميدانية لمواكبة أي تطور. أحد أضخم المستشفيات الميدانية، يُبنى حالياً في باحة مستشفى الشيخ راغب حرب في تول، والذي جرى تزويده بكافة المعدات الإسعافية والإستشفائية الأساسية وخُصّص له مدخل طوارئ إستثنائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى