أبرز الأخبار

تغيير موقع الحفر ببلوك 9: الاصطدام بصخرة أم بإسرائيل

بعد النشر في الجريدة الرسمية، بات موقع الحفر الأول في البلوك رقم 9، خارج الخدمة، ويتعيَّن على شركة توتال الانتقال إلى الموقع الثاني. هذا الحدث يُعتَبَر عادياً بالنسبة لوزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول وللدولة اللبنانية ككل ولشركة توتال. هو تغيير تقني، ربما متوقَّع، وبالتالي، الانتقال إلى الموقع الآخر، مسألة تبديل سريع لا أكثر. لكن في المقلب الآخر، هناك معطيات تأخذ الملف أبعد ممّا يبدو عليه. خصوصاً وأن عملية الاستكشاف والبحث عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية، لم تكن سهلة، وتحديداً في ما يتعلَّق بالآبار المتداخلة مع المياه الفلسطينية.

تغيير تقني
في الجريدة الرسمية، تشهد وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول أن “صعوبات تقنية واجهت المشغِّل خلال عملية الحفر”، فكان الطلب بتغيير موقع الحفر. “ولما كان قد ثبت لوزير الطاقة والمياه ولهيئة إدارة قطاع البترول من مراجعة تقارير الحفر المرسلة بشكل يومي من منصة الحفر Transocean Barents أن المشغّل قد باشر أنشطة الحفر في الرقعة رقم 9 وقد وصل الحفر من سطح البحر إلى عمق 1713 متراً من أصل عمق المياه 1678 متراً، أي أنه اخترق أرض البحر بعمق 35 متراً ولم يستطع مواصلة الحفر وقد تعذّر عليه مواصلة الحفر في موقع الحفر المحدد بموجب قرار رخصة الحفر، نظراً لوجود صخور تمنع القيام بإدخال القميص الحديدي بقطر 36 إنشاً داخل أرض البحر”. فكان لا بد من الاختيار بين احتمالين، إما إنزال رأس حفر بقطر 40 إنشاً لفتح المجال أمام إنزال القميص الحديدي بقدر 36 إنشاً، وإما تغيير مكان البئر إلى مسافة قريبة لتجنّب الصخور”. ولأن الخيار الأول يستغرق وقتاً أطول، اعتُمِدَ الخيار الثاني. ولذلك، ستبتعد شركة توتال “بمسافة إجمالية قوامها 31.7 متراً من الموقع الأول”.
“حجّة الصخور لا تدخل في رأس شخصٍ يعرف تقنيات الحفر”، هذا ما يقوله مهندس النفط والخبير في مجال التنقيب، محمود الجمّال. وبرأيه “لا يوجد صخور لا يمكن اختراقها”. أبعد من ذلك، يستغرب الجمّال في حديث لـ”المدن”، كيف لم تعرف شركة توتال نوع الصخور وسماكتها، عندما قامت بعملية المسح. ويشير إلى أن العمق الذي وصل إليه الحفر “يدل على ان العملية ما زالت في طبقة الصخر المتوسّط الصلابة أو الصعوبة، والحفر في هذه الطبقة ليس مستحيلاً. وفي العادة يكون هناك صخور أصلب وأقوى ويتم الحفر خلالها”.
ولأن المسوحات التي تسبق الحفر، يجب أن تعطي فكرة شبه نهائية عمّا يقبع تحت سطح البحر، ولأن صعوبة الصخور هي في المستوى المتوسّط، يرجّح الجمّال ان يكون هناك خطأ تقني قد حصل، ولا يتم الإفصاح عنه.

مماطلة متوقَّعة
يردّد أغلب اللبنانيين عن ظهر قلب، أن في البرّ والبحر ثروة غازية ونفطية ممنوع على لبنان استخراجها واستغلالها لمصلحته. ليست المسألة نظرية مؤامرة بحتة، إذ فيها جانب كبير من الحقيقة تؤكّده تساهل السلطة السياسية في ضمان حق لبنان بثرواته. فالاكتشافات النفطية في البرّ في مرحلة الستينيات والسبعينيات أكّدت وجود النفط، وطُمِرَت الآبار. وفي البحر، ذهب الملف بعيداً في السياسة، وضاع حقّ لبنان. ولمزيد من التعمية، تُخفى المعلومات الكاملة حول عمليات الاستكشاف والحفر، ومنها ما حصل في البلوك رقم 4، إذ اعتُمِدَ على قرار شركة توتال التي قالت بأن لا كميات تجارية في البئر الذي حُفِر، وأقفِلض الملف على آمال بحفر بئر آخر.

وانتقال الأضواء إلى البلوك رقم 9. حَمَلَ أيضاً مخاوف بمماطلة مماثلة، بل أكبر من تلك التي شهدتها عملية الحفر في البلوك رقم 4، نظراً لحساسية البلوك رقم 9 لجهة تداخل آبار الغاز فيه مع الآبار التي تسيطر عليها إسرائيل.
ومن هنا، يرجّح الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، أن يكون تغيير مكان الحفر في البلوك رقم 9 أتي “بضغط سياسي وليس بسس تقني بحت”. يدعم زعاطيطي خلال حديث لـ”المدن”، رأيه بمعطيات علمية لعمليات الحفر في البر والبحر “لا صخور في المبدأ يصعب اختراقها والتعامل معها. ونادراً ما تُخطىء شركات مثل شركة توتال بتحديد أنواع الصخور قبل حفرها، فلكل نوع تردداته التي تسجّلها أجهزة الاستشعار خلال عمليات المسح”.

وبسبب دقّة الآلات المستعملة “لا يمكن أن يكون هناك صخرة أعاقت الحفر”. ولتدعيم رأيه، يستند زعاطيطي إلى مكان الحفر الجديد، وهو على بُعد أقل من 32 متراً من الموقع الأول “أي أن هناك احتمالاً كبيراً بأن تكون الصخور المانعة للحفر في الموقع الأول، ممتدة إلى الموقع الثاني. فصخور بهذا الوصف، تمتد لمسافات بعيدة”.
الرأي العلمي لا يرجِّح الخطأ التقني. في حين أن مسار ترسيم الحدود البحرية وما رافقها من اتفاق ثنائي بين اسرائيل وتوتال، بعيداً من العين اللبنانية. يدعم ترجيح الضغط الاسرائيلي. بل أكثر من ذلك، لا ينفي زعاطيط احتمال أن تكون عملية الحفر في الموقع الأول “قد أصابت شرياناً من الآبار الاسرائيلية، وسارعت اسرائيل إلى تنبيه توتال لوقف الحفر والانتقال إلى موقع آخر”.

تكثر الاحتمالات التي تفسِّر تغيير موقع الحفر، لكنّها تجتمع في نقطة “المماطلة المتوقَّعة”. وكما أقفِلَ ملف الحفر في البلوك رقم 4، من غير المستبعد اقفال الملف في البلوك رقم 9 على وعود وتسويف، خلاصتها عدم استخراج الغاز من لبنان إلا بعد إنهاء الملفات السياسية العالقة في المنطقة والعالم. أما الثمن، فالاتفاقات بين اسرائيل وتوتال غير محصورة، وكذلك الاستثمارات والعلاقات التجارية. على أن القرارات السياسية تبقى الأقوى والأقدر على تسديد الأثمان.

خضر حسان- المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى