أخبار محلية

ابرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم ٢٦ / ٩ / ٢٠٢٣

كتبت النهار

يدرك “الثنائي الشيعي” تماماً أن المبادرة القطرية تعنيهما أكثر من سواهما من القوى والمكوّنات السياسية، بل إن ثمة اعتقاداً أرسخ لديهما بأنها موجّهة إليهما حصراً. لذا، فإن أوساط كل من “حزب الله” و”حركة أمل” قرّرت ضمناً التفاعل مع جوهر هذه المبادرة وفق آلية تعتمد التدرّج الآتي:

– إنها “هجمة أخرى” تستهدفهما حصراً تأتي استتباعاً للهجمات السابقة المتكررة التي باتت عبارة عن “إغارات” دائمة تهدف في خاتمة المطاف إلى استكمال حصارهما بتهمة التعطيل وإعاقة انتخاب رئيس عتيد يعمل على إضاءة الأنوار المطفأة في قصر بعبدا منذ 11 شهراً، واستطراداً تحميلهما تبعات إطالة أمد الفراغ والشغور.

– إن الثنائي يرى مسبقاً وبفعل تجارب عدة، أن قطر طامحة إلى أداء أدوار متميزة وفاعلة في الساحة اللبنانية باسم الخماسية لتتولّى العناية بالشأن اللبناني وإنهاء أزمته.

وبمعنى آخر، تسعى قطر إلى وراثة سلسة للمبادرة الفرنسية بعدما اتضح عملياً أنها آيلة إلى إخفاق وانطواء ولا سيما بعد اجتماع نيويورك وقبله اجتماع الدوحة وجولة الموفد الفرنسي الخاص لودريان في بيروت أخيراً، التي رأى البعض أنها جولة وداعيّة.

لذا لم يكن مفاجئاً للثنائي أن تزخم قطر “نواة” مبادرتها السابقة الخجولة وأن تبادر إلى طرحها على المعنيين في محافل بيروت السياسية هذه المرة بأريحية أكبر وبأضواء أكثر.

– بناءً على ذلك، فإن ردة فعل الثنائي كانت تقضي باستيعاب هذه المبادرة المزخمة بوعود وباحتواء مفاعيلها وليس معاداتها والتصادم المبكر معها.

وبناءً على كل هذه الاعتبارات، لم يكن غريباً رد رئيس مجلس النواب نبيه بري على سؤال لإعلامي عما إن التقى الموفد القطري الموجود في بيروت، بأنه لم يقابله بعد ولا يعرف ماهية مبادرته تلك، لكن لا شيء يمنع اجتماعه به. واللافت في هذا السياق أن إعلام عين التينة لم يؤكد لاحقاً اجتماع بري بالموفد القطري (أبو فهد) ولم ينفه أيضاً. ولذا، فإن ثمة من رأى أن عين التينة لم تشأ إبداء الحفاوة بالزيارة والمبادرة، بل بدا أنها تجنح إلى سياسة “التعتيم”على الزيارة.

وفي المقابل، فإن “حزب الله” بدا أكثر حرصاً على سلوك أكثر إيجابية مع المبادرة القطرية وحاملها، إذ سرّب إعلام الحزب أن المعاون السياسي لأمينه العام حسين الخليل هو من اجتمع بالوفد القطري وليس كما العادة، حيث كان رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد هو المكلف الاتصال بهذا الموفد، وهو ما فُسّر على أنه رسالة إيجابية من لدن الحزب. وبمعنى آخر، تقول مصادر عليمة في هذا الثنائي إن بري تعامل ببرودة أكبر مع المبادرة بناءً على اعتبارات عدة أبرزها:

– إن في محيط عين التينة من يفصح في مجالسه الخاصة عن اعتقاد بأن الدوحة تصدّت منذ زمن لمهمة “الدوبلة” على المبادرة الفرنسية توطئة ليوم تطوي نفسها.

– إن إشارات الدوحة هي التي شجّعت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على التراجع عن إيجابية أبداها سريعاً حيال مبادرة الرئيس بري الحوارية وجعلها لاحقاً موافقة مشروطة بشروط تعجيزية أقرب ما تكون إلى الرفض.

– كما أن إيحاءات الدوحة الخفيّة هي التي جعلت باسيل يتراجع عن موافقة كان قد أبداها بالذهاب إلى خيار “حزب الله” الرئاسي، أي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وهي الإيحاءات نفسها التي صعّبت من المسار الحواري الذي انطلق قبل فترة بين الحزب والتيار وانطوى في استهلاله على وعود وإيجابيات.

وبناءً على ذلك، فإن المصادر عينها لا تكتم شعوراً فحواه أنه إذا كان البعض أخذ على المبادرة الفرنسية “محاباتها” للثنائي وطروحاته، فإن الواضح أن المبادرة الفرنسية تسلك بنظرها مسلك محاباة باسيل أو مسلك تشجيع باسيل على خياراته اللاتوافقية، ولا سيما بعدما بدا كأنه جعل من الدوحة مرجعية له ووضع كل أوراقه في سلة حساباتها بناءً على وعود.

أما “حزب الله” في نظر تلك المصادر، فيبدو أنه مضطر ليكون أكثر مرونة مع المبادرة القطرية وأكثر انفتاحاً عليها. وثمة من يذكر أن الموفدين القطريين كانوا يجدون أبواب الحزب مفتوحة ليلاً ونهاراً. ولهذا التعاطي المفرط بالإيجابية عند الحزب مسوّغات ومبرّرات أبرزها:

– إن الحزب لم ينسَ جميل قطر عام 2006 وحجم المساعدة المالية السخيّة لإعادة إعمار المناطق التي دُمّرت بفعل الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف ذاك العام.

– والمفارقة أن الحزب ظلّ محافظاً على خيوط العلاقة مع الدوحة رغم موقفها المؤيّد لمعارضي النظام في دمشق ودعمها لهم.

– إن الحزب الرافع لشعار الحوار بدون شروط مدخلاً لانتخاب الرئيس العتيد، لا يمكنه والحال هذه أن يتعامل بسلبية مع مبادرات ذات طبيعة حوارية تأتي من الدوحة أو سواها بصرف النظر عن طبيعتها ومآلاتها.

– يحصل هذا والحزب يدرك في دواخله أن واشنطن هي التي تشجع قطر على المضي بتلك المبادرة لتكون عوضاً وبديلاً من المبادرة الفرنسية التي ترى واشنطن أن صلاحيتها قد أوشكت على الانتهاء. لذا، فإن المبادرة بالنسبة إلى الحزب إن لم تكن تلقى رفداً ودعماً من واشنطن فهي عبارة عن عملية “جس نبض” أميركي أو طليعة استكشاف يُبنى عليها لاحقاً.

وبالإجمال، فإن الحزب يعلم كما سواه أن مزية المبادرة القطرية بنسختها الحالية أسقطت حصرية ترشيح قائد الجيش وأن جديدها هذه المرة سلة أسماء صارت معروفة لكن في تقديره الضمني إن هذا الفعل ليس سوى جزء ممّا يُسمّى في السياسة عملية “إغراق الطرف الآخر في اللحظات الأخيرة” بعروض شتّى وخيارات متنوّعة، ولكن يستحيل على هذا الطرف أخذ راحته في دراسة هذه العروض واختيار أحدها عن سابق وعي وتعمق، أي إنها بمعنى آخر تتعمّد في جوهرها إرباك الطرف الثاني وسد منافذ الاختيارات الواعية أمامه.

وبذا، تستقر الأوساط المعنيّة في الحزب ضمناً على استنتاج بأن المبادرة القطرية وإن حوت جديداً يبدو مغرياً وإن أسقطت قديماً يبدو مرفوضاً سلفاً إلا أنها دليل رغبة “على تقطيع الوقت”، لأن الدوحة كما سواها تعلم أن أمر اختيار اسم مرشح للرئاسة عند الحزب مخاض صعب يحتاج إلى شروط ومواصفات خاصة تتجاوز مسألة أن يُقال لنا وسعنا أمامك فرصة الاختيار والمفاضلة فأقدم ولا مجال أمامك للتردد. فضلاً عن ذلك كله فإن الثنائي يحتاج إلى وقت لاستبيان موقف الرياض من هذه المبادرة، فالثنائي يضع في حساباته أنه لا يمكن أن يسير في مبادرة لا ترضى عنها الرياض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى