أبرز الأخبار

عندما تتبنّى السعودية ترشيح فرنجية… لنرى من يعترض

لم يعتد اللبنانيون على انتخاب رئيس جمهوريتهم من دون تدخّل دولي أو إقليمي، أو إشارات على الأقل، خارجية. ليست سوريا وحدها التي تحكّمت باللعبة السياسية اللبنانية، ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية تحديداً، منذ ما بعد اتفاق الطائف لغاية عام 2005، بل إنّ التدخلات والتوصيات العربية والاقليمية والدولية كانت حاضرة عند كل إستحقاق رئاسي.

من هنا، لا يصحّ الإستغراب بشأن عدم الإتفاق السياسي الداخلي حالياً: متى كان اللبنانيون يتفقون وحدهم من دون دفع خارجي؟ هل حصل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون من دون موافقات خارجية؟ كان “حزب الله” يصرّ على خيار عون، رغم معارضة الآخرين، وحينما أُنهكت الكتل السياسية المعارضة لوصوله، نالت موافقات خارجية من حلفائها-رُعاتها، وكّرت عمليات التبني من معراب الى بيت الوسط. فسارع كل فريق منهما يحيك تحالفاً مع التيار “الوطني الحر”، للحصول على نفوذ في السلطة. لم يكن ليُقدم رئيس حزب “القوات” سمير جعجع على عقد تفاهم معراب، ولا رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري على عقد اتفاق مع النائب جبران باسيل، لو كانت استمرت الفيتوات الخارجية.

سبق ذلك محطة انتخاب رئيس الجمهورية الاسبق ميشال سليمان بعد مؤتمر الدوحة في قطر عام ٢٠٠٨. لم يكن التيار “الوطني الحر” في وارد انتخاب سليمان نهائياً، لكنه رضخ للاجواء العربية-الاقليمية-الدولية التي سوّقت اسم قائد الجيش آنذاك حلاً رئاسياً. فكان سليمان رئيساً.

حالياً، يُمكن إستحضار التجارب الماضية لقراءة الواقع السياسي الداخلي المتعلق بشكل اساسي بملف انتخاب رئيس الجمهورية. لا يزال داعمو ترشيح رئيس تيار “المردة” ​سليمان فرنجية​ يتمسكون به. قد يكون هؤلاء يكررون تجربة “حزب الله” مع عون سابقاً: انهاك القوى السياسية المعارضة. لكن ثمة اجواء خارجية ايضاً مؤثرة تبدأ من عدم معارضة الاميركيين ولا الاوروبيين ترشيح فرنجية، ليبقى موقف المملكة العربية السعودية هو الحاسم، لكن توجّه الرياض ينطلق من الاجابة على اسئلة:

اولاً-هل المملكة العربية السعودية تضع “فيتو” نهائي على فرنجية؟ لماذا؟ وفي حال قدّم الايرانيون مؤازرة للسعوديين في اليمن، هل سيكون الفيتو السعودي موجوداً؟.

يوحي تاريخ وحاضر فرنجية انه لم يكن في عداء ولا خصومة مع السعوديين، ولا مع اي دولة عربية. وفي حال وضعنا العلاقات التاريخية التي كانت قائمة بين عائلة فرنجية وملوك وامراء السعودية وتحديداً الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، فإن كل المجريات السياسية لم تضع فرنجية في خانة الخصم للمملكة وكل الدول الخليجية.

ان عدم موافقة الرياض حالياً على تبني ترشيح فرنجية ناجم عن ان رئيس “المردة” هو حليف “حزب الله” ودمشق. فإذا كانت الخلافات بين السعودية وسوريا تُطوى صفحتها نهائياً، وتبدأ الرياض ايضا بفتح صفحة علاقات جديدة مع طهران ناتجة عن مصالحة موسّعة عميقة الابعاد، تتجاوز حدودها ازمة اليمن، الى ما يتعلق بكل ازمات الاقليم، ولبنان سيكون في جوهرها، وتحديداً دور “حزب الله” في اليمن، فهل ستبقى السعودية بعيدة عن تبني فرنجية؟.

يبدو الموقف السعودي الحالي طبيعي، من دون لا تسمية ولا تبني ولا فيتو، وبحسب المعلومات الفرنسية بأن الرئيس ايمانويل ماكرون طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ان يلتقيا في الرياض، في طريق ماكرون الى الصين، لمناقشة ازمة لبنان، جاءه الجواب من ولي العهد السعودي: لا زلنا في مرحلة تقييم، وسفيرنا في بيروت يتولّى دراسة الملف جيداً. مما يعني ان السعودية ليست مستعجلة لإعطاء أي موافقة على طلب فرنسا بت ملف الرئاسة اللبنانية لصالح فرنجية. لا يمكن اساساً ان تحسم موقفها بشأن لبنان قبل تسوية الخلافات مع الايرانيين، ووضع خطة مشتركة ستبدأ عناوينها بالظهور في الايام القليلة المقبلة، بدءاً من الاجتماع المرتقب بين وزيري خارجية البلدين في الساعات المقبلة.

ثانياً-هل يمكن للسعودية ان تتبنى خيار فرنجية في حال بقي الاعتراض السياسي للكتلتين المسيحيتين في لبنان: القوات والتيار الوطني الحر؟.

يتحدث عارفو بن سلمان انه لا يعطي الحسابات الطائفية والمذهبية اي اهمية. هو سبق واجاب محدّثيه عن وجوب مراعاة السنّة في لبنان، بقوله: الدولة هي ضمانتهم. لا يمكن قياس دور اي طائفة الا وفق معيار الدولة. مما يعني وجوب عدم الرهان على تلك الحسابات.

ثالثاً-في حال تبنّت السعودية خيار فرنجية، هل يعترض حلفاؤها في لبنان، تحديداً حزب “القوات”؟.

لا يمكن منطقياً ان يشاكس جعجع الرياض. رغم انه رفع سقف مواقفه الى حد يصعب الرجوع عنها. لكنه يعلم ان التوافق الاقليمي، وبالتالي تبني الرياض، في حال جرى، بشأن فرنجية، لا يستطيع معارضته. على الأقل تؤمن كتلته “الجمهورية القوية” النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس، من دون التصويت لفرنجية ولا لغيره، والاكتفاء بالورقة البيضاء.

لا يزال اللبنانيون ينتظرون الاقليم. وحده سيبت بمسارات سياساتهم، وبالتالي اقتصاد بلدهم. عندما تتبنّى السعودية ترشيح فرنجية .. من يعترض؟

 

عباس ضاهر

النشرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى