أبرز الأخبار

ألرجل ” اللغز ” الذي حيّر علماء السياسة والإقتصاد والمال!

 

بقلم المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

كان والدي إيلي عون رحمه الله مديراً في بنك إنترا قبل النكسة التي اصيب بها المصرف عام ١٩٦٦، حينها كان صاحب المصرف يوسف بيدس الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية، صاحب الامبراطورية التي امتد نفوذها في الولايات المتحدة، وكان للمصرف عقارات واستثمارات عالمية بينها ملكيته لناطحات سحاب في نيويورك بينها ” الامباير ستايت ” ،لكن ثمة فجوة في إدارة المصرف دفعت والدي لتقديم استقالته من بيدس الذي كان يكن له فائق الاحترام. والدي كان الوحيد الذي تقاضى تعويض نهاية خدمته قبل وقوع افلاس المصرف نتيجة مؤامرة سياسية حيكت بإتقان داخلياً حسب ما كان يروي لي، فانفجرت بساعات ولم يتمكن المصرف من تلبية كم هاذل من طلبات المودعين بسحب ودائعهم ، ولربما غلطة الشاطر كانت بألف غلطة، وهو قد يكون السبب عينه الذي وقعت فيه ادارات المصارف اللبنانية التي كبّرت حجرها كثيراَ بحيث بات لكل مصرف فروع يفصل بين الفرع والآخر بضع مئات من الأمتار لا اكثر ودفعتها الأطماع لجني الفوائد الطائلة من القروض الميسرة الممنوحة لافراد ( غير ميسورين) اضافة لاقراض دولة مفلسة يعتريها الفساد والهدر وتباطؤ النمو والعجز بما يقارب الخمسة والثمانين مليار دولار، الى تبديد اموال المودعين وعدم احتساب العودة الى الوراء مما تسبب بإغراق الجميع دفعة واحدة.
وبين النكسة والنكسة ،ثمة من لم يتعظ من الماضي ،فكان ” الرجل اللغز” المحيّر الحاكم بأمره سنداَ لقوانين المال اللبنانية التي منحته هذا السلطان الواسع النطاق، يتولى إدارة الهندسة المالية التي اطاحت بإنجازات العقود الماضية ،
لقد بقي على رأس امبراطورية تتحكم بخزينة الدولة جنباً الى جنب مع المجلس النيابي، يدير العمليات المصرفية منفرداَ فبقي كذلك حتى ساعة اعداد هذا المقال،
ومن الاعوام الثلاثين التي انعم الله عليه بها على رأس هذه الامبراطورية براتب هو الاعلى في الجمهورية اللبنانية ،كان له خمسة عشر عاماً من الازمات المالية المقنعة والصامتة ،يوحي خلالها باستقرار نقدي وازدهار اقتصادي وصمود مزيف، كان يعمد خلالها الى إحراق ملايين الدولارات يومياً بهدف اثبات سعر صرف قدره ١٥٠٧ ليرات للدولار فيما استنزاف المال من الخزينة ومن اموال المودعين كان يجري على قدم وساق خدمة لعهود، اتقاء من اهتزازها سياسياَ ومالياً واقتصادياً وبهدف دعمها خشية سقوطها ،ولخدعة المغتربين والرأسماليين والمستثمرين بدعم بتصاريح مدروسة توحي بالثقة والاطمئنان ،الى درجة التنمر على الاعلاميين والصحافيين لدى الاستفسار عن الوضع النقدي والليرة ان كانت بخير، فيواجهون بضحكة صفراوية تحدّ من محاولاتهم طرح الاسئلة من جديد…..
يوم ١٧ تشرين ٢٠١٩، كانت ساعة الصفر لإعلان اقفال المصارف واستغلال فرصة سانحة ،ومحاولة تحميل من اشعل الدواليب وقطع بعض الطرق تبديد الودائع التي كانت يومها تبلغ بين الليرة اللبنانية والدولار ١٩٠ مليار دولار اميريكي موزعة بين مليونين وسبعمائة الف حساب!!
محاولة لتلويث سمعة الثورة وتحميلها مسؤولية سرقة الأموال العامة والخاصة وجنى العمر،
وإن لم يجدر تحميل الرجل اللغز مسؤولية الانهيار بمفرده، وهذه المسؤولية تتوزع بين رؤساء مجالس ادارة المصارف واعضاء المجلس النيابي التشريعي الذي كان يشرع الهدر والانفاق وافراد الطبقة السياسية ، فإن جريمة كتم المعلومات من قبل اعلى سلطة حاكمة مالية في لبنان تبقى راسخة وثابتة بحقه ناهيك عن تمنعه حتى الساعة عن البوح بأكبر خزان من الأسرار التي ان تم الكشف عنها سوف تقلب الوضع السياسي رأساً على عقب، كيف لا والمصرف المركزي بادارته الموسعة التي تضم ١٧٠٠ موظف تعلم من هرّب الاموال ومن حوّل للخارج ،ومن عقد الصفقات ومن أثرى على حساب المال العام، واليس هو من كان يشرف على سير العمليات المصرفية، فتتطلب ابسط عملية اجرائية في اي مصرف موافقة البنك المركزي المسبقة كشرط لاجرائها ؟!
اوليس وزارة المال كانت تتلقى بيانات شهرية دورية من المصارف بقيمة الودائع المدورة لتحديد تسديد الاخيرة للخزينة ما نسبته ٥٪ من قيمة تلك الحسابات للمودعين كضريبة دخل عليها ،وبذلك كانت الرقابة شديدة بهذا الخصوص وكانت الادارة تعرف بكل دقة وشفافية كم كانت الودائع قبل الثورة ويومها وبعدها ومن اقدم على تحويل الاموال وتهريبها للخارج لو لم يكن الجميع في الادارة والسياسة والمناصب متواطئين لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي الذي اجهز على وطن وحوّله الى هيكل عظمي؟!
مهما قيل وكتب، يبقى للتاريخ ان يروي للاجيال الطالعة عن ” الرجل اللغز” في حقبة من مسيرة وطن ،لم تكتمل فصوله بعد، وهو من حيّر علماء السياسة والاقتصاد والمال ، رجل متوارٍ عن العدالة وموجود…
رجل يدير الدولة المالية في كل مفاصلها
يعقد يومياً الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية
رجل يداوم في البنك المركزي وسط بيروت
رجل يشكل خطاً احمر دولي
رجل عجز عن ملاحقته ومعاقبته كل من القضاءين المحلي والدولي
رجل كسر سائر قواعد القوانين المحلية والدولية
رجل ساحر يسيّر البلاد ويحكمها يومياَ بشحطة قلم، بتعميم، بمذكرة ،بقرار وفق ما يراه مناسباً،
وفق سلطة تقدير مطلقة،
وباستنسابية لا حدود لها….
إنه عهد رياض سلامة الممتد من العام ١٩٩٢ حتى يومنا هذا….
عهد عصيت عنه النيابات العامة التمييزية والاستئنافية وقضاة التحقيق ،
عهد اشترط ملكه الحضور الى قصر العدل مكرماً مع حق شرب السيغار خلال اخذ افادته مع طرد وسائل الاعلام والصخافيين، وتعهد باعادته الى منزله كشرط لحضوره ،
عهد تحميه فرقة من الجيش اللبناني ٢٤ /٢٤ ساعة ،مع خط دفاع امامي تديره السفارات الاميريكية والفرنسية……
فالى متى يبقى دور الرجل ” اللغز” المحير ضمن مسلسل ” نكبة لبنان”، وهل من نهاية ل ” بطل” هذا المسلسل الذي دامت حلقاته ثلاثين عاماً بلا انقطاع…..
فهل الى نهاية سعيدة ام دراماتيكية
ويكشف هذا ” اللغز” الذي حيّر العلماء
ام يبقى اللغز سراً فيطوي نهباً وسرقة لشعب باكمله؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى