أخبار محلية

بين بِرّي والثَّورة… جعجع لن يثُور

كتب قزحيا ساسين في “السياسة”

يُلام النوّاب التغييريّون كلّما انقسموا عند أيّ استحقاق، ويُلامون أيضا إن اجتمعوا، ولَو على حقّ واضح. وهم لن ينجوا من الحملات الإلغائيّة، ذات البذاءة الكلاميّة والتحقير غير المبرّر إلّا إذا كانوا تحت جناح حزب، يدّعي طول الباع والتاريخ المجيد في الوطنيّة والسياسة والسيادة وصناعة التاريخ.

لا يمكن أن ينفي أيّ متابِع للسياسة عندنا أنّ نوّاب السابع عشر من تشرين قد أخفقوا في أكثر من موقع، وعجزوا عن الدخول إلى المجلس جماعةً موحَّدة على طريقة الأحزاب، وذلك لأسباب كثيرة، وأهمّها أنّهم ديمقراطيّون، يتناقشون، ويتحاورون، ويلتزم كلّ منهم بما يقنعه.

لكنّ ما يواجهونه من إعلام تحريضيّ، وجيوش إلكترونيّة، هي في معظمها تنتمي إلى أحزاب معيّنة، يُوحي أنّ المطلوب رأس الثورة، وليس رؤوس نوّابها فقط. فالإلغائيّون واضحون: إنّ اللبنانيّين أخطأوا في انتخاب التغييريّين، ويجب أن يندموا ويثوروا على نوّابهم ويلتحقوا بالأحزاب “السياديّة”، والمسألة لا تقتصر على أنّ نوّاب الثورة سيّئون ويجب على القاعدة الثوريّة أن تحاسبهم، وتأتي بغيرهم في الانتخابات المقبلة، إنّما المشكلة في الثورة بحدّ ذاتها.

قرّر نوّاب التغيير الاعتصام ليل نهار في المجلس النيابيّ، بهدف الضغط للتسريع في إجراء الانتخابات الرئاسيّة. فماذا حصل؟ اختار وليد جنبلاط النأي بالنفس، فلا هاجم المعتصمين، ولا شارَك. وارتأى الدكتور سمير جعجع التأييد على طريقة الشِّيك بلا رصيد، فلا يعتصم نوّاب القوّات مع الثوّار، ولا يتجاهلون، إنّما يزورون المجلس ويؤيّدون النّيّة الطيّبة التي تقف وراء هذا النشاط الديمقراطيّ. أمّا حجّة عدم المشاركة، فهي على طريقة التهرّب من التصويت للقاضي نواف سلام كرئيس للحكومة، بحجّة عدم التواصل من قِبَله مع القوّات اللبنانيّة، فنوّاب التغيير أيضا لم يناقشوا الأمر مع القوّات قبل التحرّك. بينما الحقيقة هي في مكان آخر. فبالنسبة لجنبلاط إنّ مواجهة الرئيس برّي وحزب الله ممنوعة، ويجب تدوير الزوايا إلى أن يأتي وقت الحلّ والضوء الأخضر من الخارج. وبالنسبة لجعجع، إنّه لا يجازف في علاقته ببرّي لإرضاء أحد، وبالتالي هو أيضا لا يريد مواجهة قد تُستَكمَل بعودة الناس إلى الشارع. وفي ما خصّ النائب سامي الجميّل فليس عنده الحرج الكبير، ويستطيع أن يجاري نوّاب التغيير أكثر من “السياديّين” الآخرين.

يُستَنتَج من هذه القراءة للواقع النيابيّ الحاليّ أنّ الأحزاب تتحاشى النزول إلى الشارع، وتخشى أن تستعيد الثورة ألقها الجماهيريّ، كما أنّها تأخذ شبه هدنة قبل أن تعاود الانقضاض على الشارع الثوريّ، من خلال انقضاضها على من يمثّله في الشرعيّة.

ليس صحيحا أنّ ترشيح قسم من النوّاب الثوّار للدكتور عصام خليفه خطأ استراتيجيّ في السياسة، إنّما هو إحراج للجميع لما في قامته وتاريخه الوطنيّ والفكريّ ما لا يقبل النقد، وبالتالي ما لا يقبل المنافسة. وعلى الذين يريدون وضع نوّاب تشرين في الجيب، ويكتبون لهم اسم المرشّح المطلوب على أوراقهم أن يملكوا الشجاعة والوضوح الكافيَين في انتزاع تأييد ثابت وصلب من الزعيم الدرزيّ وليد جنبلاط أوّلا. إنّ جنبلاط هو بيضة القبّان في الاستحقاق الرئاسيّ من البداية حتّى النهاية، بسبب التزامه بمحور الممانعة بقدر التزامه بزملائه “السياديّين”.

وتبقى أسئلة كثيرة: هل ينجح نوّاب السابع عشر من تشرين في الخروج من خيمة المجلس النيابيّ موحَّدين؟ وهل يستطيعون التفاوض مع الجميع بثِقل وتأثير أكثر من السابق؟ وهل صحيح ما يشاع عن أجواء تهديد بهدف الإقناع بالدّم؟

أسئلة كثيرة، والأيّام الآتية كفيلة بالإجابة الصحيحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى