أخبار محلية

منحُ الأوسمة ظاهرة نهاية العهود الرئاسية: مخالفة أم تكريم وطني أم تكريم شخصي؟

 

منال شعيا – النهار

استرعى انتباه اللبننانيين في الايام الاخيرة كثرة الاخبار عن اوسمة قلدها رئيس الجمهورية لاناس في مختلف القطاعات، واذا كان اكثرهم يستأهل التكريم، فان التوزيع بهذه الوتيرة السريعة يفقد العملية قيمتها الحقيقية كوسيلة شكر وتكريم على خدمات يمكن ان يكون اداها هؤلاء. ويفقد العمل معناه اكثر اذا لم يجد اللبنانيون تبريرا كافيا لبعض الحائزين على الوسام. وغالبا ما يطرح السؤال عن اهلية المكرم وعن خدماته الوطنية ام علاقاته الشخصية. منحُ الاوسمة ليس المسألة الوحيدة التي لا تُحترم أصولها في الدولة اللبنانية. وبالطبع، هي ليست حكراً على رئيس جمهورية من دون آخر، انما جرت العادة ان يختم معظم رؤساء الجمهورية عهودهم بمنح عدد من الاوسمة. فهل من آلية متبعة لهذا الامر، او ما هي المعايير والتدابير التي تسبق منح الاوسمة؟ كثر لا يعرفون ان ثمة مجلسا يسمى “مجلس الاوسمة” في الجمهورية اللبنانية. هو عبارة عن لجنة يُفترض ان تجتمع وتقرر وتمنح الوسام، فهل جرى احترام هذا المجلس؟ بموجب المرسوم الاشتراعي الصادر في 31-7-1959 تعطى إدارة الاوسمة لما يسمّى “مجلس الاوسمة”. وقد تحدث المرسوم بالتفصيل عن أصول منح الاوسمة واوصافها، لا بل حدد شروط منح الوسام، وفق آلية واضحة تُتخذ بمرسوم في مجلس الوزراء، وبناء على اقتراح مجلس الاوسمة. هذا في النص، اما في الشق العملي فالامر مختلف. اذ غالبا ما نشاهد كيف يمنح رئيس جمهورية وساما، كما لو ان القرار ذاتي وفردي، ونادرا ما سمعنا ان الامر اتخذ داخل مجلس الوزراء، والاهم انه اتى بناء على اقتراح ما سُمي “مجلس الاوسمة”. بين الصلاحية والتقرير يعلّق الخبير الدستوري عصام إسماعيل: “اذا كان الدستور قد ناط برئيس الجمهورية صلاحية منح الاوسمة بموجب مرسوم، فان تقرير منح هذه الاوسمة يخضع لأصول خاصة وملزمة، حفاظا على القيمة المعنوية لهذه الاوسمة ولئلا تكون لقمة سهلة تُمنح لغير أصحاب الجدارة”. اذاً ثمة فرق بين منح الوسام، أي اعطائه، وتقرير منحه. وهذا ما لا يُحترم. يشرح إسماعيل لـ”النهار”: “وُضع نظام الاوسمة بموجب المرسوم الرقم 122 عام 1959، وحدد شروطا عدة لمنح الاوسمة، حيث اوجب بداية في المادة الثانية منه ان يمنح الوسام بناء على اقتراح الوزير المختص، ثم فرض ان تُذكر في المرسوم المبررات والأسباب التي استدعت منح الوسام. وألزمت المادة السادسة ان تُمنح الاوسمة بناء على رأي الزامي لمجلس الاوسمة، تماما كما رتّبت المادة السابعة بطلان أي وسام يصار الى منحه، من دون موافقة مجلس الاوسمة، باستثناء الاوسمة التي يعود حق منحها الى نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع او وزير الدفاع او وزير الداخلية، وهي: ميدالية الجدارة، وسام التقدير العسكري، الوسام الحربي، وسام الجرحى”. بوضوح، ثمة آلية اكثر من جازمة، وثمة رأي الزامي لمجلس الاوسمة. يلفت إسماعيل الى ان “هذه الأصول الجوهرية في منح الاوسمة هي أصول ملزمة لا يمكن تجاوزها او مخالفتها، وهي تعرّض مرسوم منح الوسام للبطلان، ولهذا فان كل وسام يصار الى منحه من دون التقيد بهذه الأصول هو باطل بقوة القانون”. المخالفة الاخطر في الواقع، غالبا ما يخيّل للمواطن اللبناني ان تقرير منح الوسام (وليس فقط صلاحية منحه) هو قرار يعود حصرا الى رئيس الجمهورية، كما لو ان القرار اتى “بنت ساعته”، وبالتالي لا اجتماع لمجلس الاوسمة، ولا قرار للوزير المختص، ولا مرسوم اتخذ في مجلس الوزراء، ومعنى ذلك ان الآلية غير محترمة، اذ نادرا ما سمعنا باجتماع واحد لمجلس الاوسمة!؟ يجيب إسماعيل: “كل شيء يسير في الدولة خلافا للأصول. “هي وقفت على هذا الموضوع”. ايهما اصعب ان يفاوض مثلا نائب عن الدولة، على رغم ان هذه المهمة تنفيذية وتدخل في صلاحية السلطة التنفيذية، ام منح وسام لهذا الشخص او ذاك؟ بالطبع، المخالفة الأولى هي اصعب بكثير واخطر. كما لو اننا نضرب فصل السلطات وننهي أي تباعد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكما لو ان التمادي في مخالفة الأصول يجرّ الواحدة تلو الأخرى”. لا بل اكثر، فان لمجلس الاوسمة هيكلية داخلية واضحة جدا، اذ نص مرسوم انشائه، في المادة الرابعة منه، على ان يتألف المجلس من “عميد رئيسا، نائب عميد نائبا للرئيس، وستة أعضاء وامين سر”، فيما حددت المادة 5 ان “العميد ونائب العميد وأعضاء المجلس يعيّنون لمدة ثلاث سنوات وبمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وبناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء، ويمكن إبطال تعيينهم بالطريقة نفسها (…)، ويشترط في كل من العميد ونائب العميد ان يكون حاملا وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الاولى ووسام الأرز من رتبة كومندور على الأقل، وان يكون قد مارس وظيفة عامة مدة 20 عاما، منها 5 سنوات على الأقل في الفئة الأولى او في فئة معادلة لها”. ولهذا المجلس أيضا صلاحيات ومهمة محددة في المادة السادسة من المرسوم. وابرز هذه المهمات: “السهر على حسن تطبيق القوانين والانظمة المتعلقة بالاوسمة وابداء الرأي بالاقتراحات المتعلقة بمنح الاوسمة اللبنانية او الترفيع من درجة الى أخرى، الى جانب تحديد التدابير التأديبية تجاه حاملي الاوسمة”. يبقى السؤال: لماذا يلجأ كل رئيس في نهاية عهده الى هذه الخطوة؟ يقول إسماعيل: “للأسف هي سياسة متبعة حتى في الوزارات، عندما يكون الامر محرجا يُترك للحظة الأخيرة، ويفرغ المسؤول كل ما في جعبته من موضوعات اهملت سابقا او تراخى العمل فيها في وقتها، او انها تُترك عمداً للحظة الأخيرة لعلمه بنتائجها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى