أبرز الأخبار

بكركي وعهد عون: بارك يا سيّد!

كتب نادر حجاز في موقع mtv:

“بكركي من عركة لعركة لا زيتها ولا نورا شح، كلّن عم يحكو تركي إلا بكركي عم تحكي صح”.. هذا القدر الذي يرافق بكركي وموقعها في السياسة اللبنانية، وهي الملتصقة بالكيان والوجود ولكلمتها غالباً القول الفصل عند المفارق التاريخية والمصيرية.

تحرص بكركي على عدم الخوض في الأسماء. لا ترشّح ولا تتبنى، في رئاسة الجمهورية كما في غيرها من الاستحقاقات. لكنها غالباً ما تبعث بالرسائل وإن كانت قاسية، مع كل التلميحات الكافية لمعرفة المقصود وما عليه أن يفعل.
لا يمكن القول ان بكركي شهدت على فترات توتر مع قصر بعبدا، لكن السنوات الست لم تخلُ من رسائل العظات العالية النبرة والحادة أحياناً.
وربما تصريح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في التاسع من تشرين الأول يشكل مختصراً لما تريد بكركي ولواقع الحال كما تراه، مؤكداً أنّ “لبنان لم يعد يتحمل أنصاف الحلول وأنصاف الصداقات وأنصاف الرؤساء وأنصاف الحكومات ولا أنصاف الولاءات”.

وفي استعراض لمواقف بكركي وعلاقتها بعهد الرئيس ميشال عون لا بد من التوقف عند سلسلة مواقف لافتة وعالية النبرة للبطريرك الراعي، والتي كان يطلقها في لحظات حساسة من تاريخ البلد. ولا بد بالبدء من صرخة الراعي الداعية لحياد لبنان، والتي حمل رايتها لا سيما منذ وقوع لبنان بفكّي الازمة الاقتصادية والانهيار وبعد انفجار مرفأ بيروت.

دعوة الراعي للحياد فُهمت انها موجهة بشكل مباشر ضد حزب الله وحلفائه، وبالتالي العهد والتيار الوطني الحر، وقد جاءت مواقفه صريحة رفضاً للحملات ضد دول عربية، معتبراً أنها “منطلقة من مصالح دول أجنبية”، منتقداً سلاح الحزب ومؤكداً أن الإصلاح يترافق مع توحيد السلاح والقرار.
مواقف الراعي هذه لاقت حملات واسعة استهدفت البطريرك الراعي وانتقادات سياسية نتيجة لهذه المواقف. رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يطلق فيها تصريحات مشابهة. ففي عظة ألقاها في 5 تموز 2020 شنّ هجوماً لاذعاً على السياسيين، وبشكل مضمر رئيس الجمهورية وحزب الله. وقال: “المرحلة التي بلغناها تحملنا إلى توجيه هذا النداء: نناشد فخامة رئيس الجمهورية العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ، ونطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان، كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر، ونتوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده”، مضيفاً “حيادُ لبنان هو ضمانُ وِحدته وتموضعه التاريخيّ في هذه المرحلةِ المليئةِ بالتغييراتِ الجغرافيّةِ والدستوريّة. حيادُ لبنان هو قوّته وضمانة دوره في استقرار المنطقة والدفاع عن حقوق ​الدول العربية وقضية السلام، وفي العلاقة السليمة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا​ بحكم موقعه على شاطئ المتوسّط”.

وقد بلغت مشهدية بكركي أوجها في شباط 2021 مع المسيرة الشعبية التي اتجهت الى بكركي تأييداً لدعوة البطريرك الى عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان. وكانت الرسالة السياسية واضحة من الحشد الشعبي حول البطريرك يومها.
لم يكتف البطريرك الراعي برسائل على خط الضاحية، وعلى مسمع بعبدا، لا بل سُجلت مواقف عدة منتقدة لتأخير تشكيل الحكومات. وفي خطوة مستغربة غاب الرئيس عون عن قداس عيد الميلاد في العام 2020، ليحمّل البعض الامر رسالة سياسية بأن غياب الرئيس كان رسالة سياسية من الرئاسة، إثر تحميل الراعي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة. لكن المكتب الاعلامي في بكركي نفى هذه النظرية مبررا الغياب بالاسباب الصحية.

تعرضت بكركي لمضايقات عدة، وكان أبرزها توقيف المطران موسى الحاج في الناقورة أثناء دخوله الى لبنان من الأراضي المحتلة. الأمر الذي وُضع في خانة الرسالة السياسية أيضاً لبكركي، لا سيما في توقيتها.
ولكن رغم الرسائل والضغوطات التي تعرض لها الصرح البطريركي، غالباً من حلفاء العهد، لم يغب البطريرك عن القصر الجمهوري وواظب على زيارة الرئيس عون في أكثر من مناسبة، لا سيما على اثر تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة مطلع العام 2021، واطلاق مبادرة بكركي لتذليل العقبات والتي لم يُكتب لها النجاح، واعتذار الحريري لاحقاً.

ورغم الموقف الواضح في بكركي في مقاربة الملفات الأساسية، وتعارضها مع توجهات الكثير من القوى السياسية لا سيما في السيادة والاستقلال وحياد لبنان، بقيت قبلة القوى السياسية ومن ضمنهم التيار الوطني الحر، الذي بقي يدق أبواب الصرح عند كل استحقاق تجنباً لأي مواجهة مع البطريرك: “بارك يا سيّد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى