أبرز الأخبار

سياسيون ومصرفيون ومقاولون نقلوا ثرواتٍ إلى قبرص لقاء جنسيتها

ترشح الداتا القبرصية بأسماء ارتبطت بالانهيار المالي مثل آل ميقاتي، وآل صحناوي وآل العرب، وأبناء وزوجات مسؤولين مثل مالك جميل السيد وسعاد طه ميقاتي، لكن أكثر ما يلفت متصفح اللائحة هو تصدر النساء من زوجات وشقيقات الشخصيات المعنية جدول من منحوا الـ”غولدن فيزا”.

وفّر لنا زملاؤنا في “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” (occrp.org) فرصة للدخول إلى داتا الـ”غولدن فيزا” القبرصية والابحار في أسماء اللبنانيين بمن فيهم الأوليغارش ممن حصلوا على هذه الفيزا ومزاياها مقابل استثمار أموال في هذه الجزيرة الآمنة القريبة من بلدنا.

أظهرت الداتا أن لبنان يأتي في المرتبة الرابعة عالمياً في عدد الذين حصلوا على “الفيزا الذهبية” القبرصية، وهي عبارة عن إقامة دائمة في قبرص أو جنسية قبرصية، بحسب قيمة العقار الذي اشتراه المتقدم بطلب الحصول عليها في تلك الجزيرة المنضمة إلى الاتحاد الأوروبي.

فمن حيث المبدأ، لا شبهة فساد وراء من يسعى للحصول على تلك الإقامة، وعشرات ممن وردت أسماؤهم في اللائحة لم يسبق أن ارتبطوا بقصص فساد في “جمهورية الموز” اللبنانية، في حين تأخذنا أسماء أخرى إلى الشكوك.

تغطّي الداتا السنوات بين 2010 و2020، ومن ضمنها السنوات التي بدأت فيها الهندسات المالية التي توّجت الانهيار اللبناني. من 2016 إلى 2019 أقدم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على ضخ ودائع اللبنانيين في خزينة الدولة، وراح أركان النظام ينهبون منها ويحوّلون أرصدتهم إلى الخارج. وفي هذا الوقت أقدم كثيرون من أصحاب النفوذ على تهريب ثرواتهم إلى الخارج، والاستثمار في العقارات القبرصية التي لم تكن بمنأى عن طموحات هؤلاء.

ترشح الداتا القبرصية بأسماء ارتبطت بالانهيار المالي مثل آل ميقاتي (عائلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي)، وآل صحناوي (عائلة صاحب بنك سوسيتيه جنرال أنطون صحناوي) وآل العرب (عائلة المقاول جهاد العرب المقرّب من سعد الحريري)، وأبناء وزوجات مسؤولين مثل مالك جميل السيد وسعاد طه ميقاتي، لكن أكثر ما يلفت متصفح اللائحة هو تصدر النساء من زوجات وشقيقات الشخصيات المعنية جدول من منحوا الـ”غولدن فيزا”. ويمكننا أن نعتمد تصنيفاً آخر يتمثل بمصرفيين كانطون صحناوي، رئيس مجلس إدارة مصرف “سوسيتيه جنرال”، وفادي عسلي، رئيس مجلس إدارة بنك “سيدروس” المقرب من ابنة رئيس الجمهورية ميراي عون، والذي حصل على ترخيص تجاري في أعقاب التجديد لحاكم مصرف لبنان.

كما تكشف اللائحة عن أسماء لمتعهدين لبنانيين لطالما فازوا بمناقصات لمشاريع شابتها تساؤلات وشكوك بسبب قربهم من مسؤولين مثل محمد دنش وقاسم حمود القريبين من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحسين مشموشي الذي ظهر اسمه في قضية تخزين الأدوية. هؤلاء وجدوا أيضاً في قبرص ملاذاً قريباً وسهلاً.

تقدم قبرص نوعين من التأشيرات الذهبية بحسب مبلغ الاستثمار، أحدهما يعطي الجنسية والثاني الإقامة الدائمة والتنقل في دول أوروبية من دون تأشيرة شينغن. للحصول على الجنسية القبرصية من طريق الاستثمار، على مقدم الطلب شراء عقارات بقيمة مليوني يورو على الأقل. بالنسبة إلى الإقامة الدائمة، تكون فيها قيمة الاستثمار أقل، إذ تبلغ 300 ألف يورو.

برنامج التأشيرة الذهبية القبرصية هو أسرع طريق للحصول على جنسية جميع الدول الأوروبية – يمكنك أن تصبح مواطناً قبرصياً (وبالتالي تصبح مواطناً في الاتحاد الأوروبي) في غضون ستة أشهر.

للحصول على الجنسية من طريق الاستثمار في قبرص، عليك:

– شراء عقارات بقيمة مليوني يورو على الأقل (باستثناء ضريبة القيمة المضافة). يمكن أن يكون عقاراً منفرداً أو أكثر، على أن تصل قيمتها المشتركة إلى مليونَي يورو.

إذا كنت ترغب في ضم والديك أو والدي زوجتك، يجب أن تستثمر 500 ألف يورو إضافية في شراء ممتلكات خاصة بك.

– التبرع بمبلغ 100000 يورو إلى صندوق البحث والتطوير التابع للحكومة القبرصية إلى تبرع آخر بمبلغ 100000 يورو لمنظمة تنمية الأراضي القبرصية. في المجموع، يجب أن يكون الاستثمار بأكمله 2.2 مليون يورو.

– يجب أن تمتلك سجلات جنائية واضحة.

– الالتزام بالاستثمار قبل التقدم للحصول على التأشيرة الذهبية.

– تحويل الأموال للاستثمار من الخارج.

– لديك المستندات اللازمة للتطبيق (مثل مستندات شراء العقارات، وإثبات الأموال المتاحة والقانونية، وسجلات الشرطة، وما إلى ذلك).

علماً أنه لا توجد التزامات للعيش في قبرص قبل التقدم بالطلب ولا يحتاج المتقدم به إلى إتقان اللغة القبرصية، وستكون مواطناً قبرصياً في غضون ستة أشهر. وهذا البرنامج توقف بعد عام 2020 بضغط من الاتحاد الأوروبي. فقبل أربع سنوات أجرى مشروع occrp.org تحقيقات صحافية استقصائية حول برامج “الفيزا الذهبية”في سبع دول أوروبية هي النمسا وقبرص وهنغاريا ولاتفيا وليتوانيا ومالطا والبرتغال، ومشاريع مقترحة في دول مجاورة مثل أرمينيا وجمهورية الجبل الأسود، والتحقيقات أجّجت جدلاً داخل الاتحاد الأوروبي. وكشفت سلسلة التحقيقات نقاط الضعف التي تشوب برامج “الفيزا الذهبية” لناحية الإقامة والجنسية، ما يسمح بإساءة استخدامها وتقويض الحرب على الفساد في دول الاتحاد الأوروبي وبلدان الجوار. أظهرت التحقيقات قيام هذه الدول ببيع حق النفاذ الى فضاءات الاتحاد الأوروبي التي لا تحتاج الى “فيزا شنغن” والجنسية إلى مستثمرين أجانب بحد أدنى من التدقيق والشفافية ومطابقة إجراءات إرضاء المتطلبات.

لا تكشف الداتا التي بين أيدينا وقائع المنهبة اللبنانية وعلاقتها بظاهرة “شراء الجنسية القبرصية”، إلا أنها تثير شكوكا كثيرة، ناهيك عن مؤشرات تصدّر لبنان ظواهر الفساد في كل العالم. فبلدنا ومثلما حلّ الأول عالمياً في عدد شركات الـ”أوف شور” من مكتب محاماة “ترايدنت ترست”، وهو المكتب الذي صدرت منه العدد الأكبر من التسريبات في سياق وثائق “باندورا”، ها هو يحلّ في المركز الرابع عالمياً من حيث عدد مواطنيه الذين حصلوا على الـ”غولدن فيزا” القبرصية، في وقت تكشف الدول التي سبقته، وهي روسيا والصين وأوكرانيا، عن طبيعة ووظيفة الهروب إلى الجزيرة الأوروبية. روسيا صاحبة أكبر منظومة أوليغارشية فاسدة ووارثة للإمبراطورية السوفياتية، ارتأى أوليغارشيونا أن يمضوا فصول الصيف على شواطئ لارنكا إلى جانب تايكوناتها. لكن المذهل أكثر هو أن بلدنا الذي لا يتجاوز عدد سكانه خمسة ملايين نسمة، ينافس الصين في عدد مواطنيها الحاصلين على الإقامة القبرصية، وهي التي يتجاوز عدد سكانها ملياراً وثلاثمائة مليون نسمة. أما أن تسبقنا أوكرانيا بمرتبة واحدة في الـ”غولدن فيزا” القبرصية، فهذا لا ينفي أننا حققنا سبقاً آخر يتمثل في أننا تقدمنا على إسرائيل بأربع نقاط في هذا السباق.

لكن وبما أننا أمام فرصة نحاول فيها إشغال أنفسنا عما نحن فيه من مآسٍ أحدثها بعض من هؤلاء الهاربين إلى الجنة القبرصية، فلا بأس من أن نشارك اللبنانيين ببعض الأنس، وأن نساعدهم على تخصيب خيالهم حيال مواطنيهم الذين حملوا ثرواتهم وتوجهوا بها إلى جزر “العذراء” وإلى المصارف السويسرية، وبعضهم حط الرحال في قبرص.

التدقيق بـ259 اسماً لبنانياً تكشف هويتهم الداتا في زمن الانهيار اللبناني وعلى أبواب الانتخابات، ليس بعيداً زمنياً من واقعة غرق زورق الهاربين من الجوع في طرابلس، أثناء توجههم إلى قبرص أيضاً، عبر البحر.

هذه المفارقة تضع المرء أمام الفارق بين “الناجين” عبر الـ”غولدن فيزا”، والغرقى الفقراء ممن لم تتح لهم سوى التأشيرة السوداء، “بلاك فيزا”.

المصدر: درج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى