أخبار محلية

لا إمكانية لتحرير سعر الصرف قبل هذا الأمر!

د. سهام رزق الله – “الجمهورية”

منذ انفجار الأزمة المالية-النقدية-المصرفية المتعدّدة الوجوه عام 2019 والتي لا سابقة تشبهها في التاريخ الحديث بين الدول، ولا تشبه تراكم عناصرها منذ حدوث انقلاب المؤشرات الاقتصادية منذ عام 2011 تزامناً مع تبدّل المناخ السياسي داخلياً وخارجياً، والجميع ينتظر لحظة إعادة النهوض.. صحيح أنّ الانهيار يحصل سريعاً والنهوض يحتاج الى جهد ووقت وتضحيات، ولكن الأهم فيه هو استعادة الثقة بإمكانية النهوض ووجود عين ساهرة على الإصلاحات التي تسمح بتحقيقه، وهنا صلب أهمية مذكرة التفاهم المرجوة مع صندوق النقد الدولي، بعد الإطلاع الأولي على مسودّة المذكرة التي تتضمّن الإجراءات الموعودة من الحكومة اللبنانية للتفاهم مع الصندوق. أسئلة هادفة تتطلّب التوقّف عندها في مختلف المحاور.. وأبرز ما يجمع بينها أبعد من التقنيات المتعلّقة بكل منها هو، أين الطبقة الوسطى من كل المقترحات؟
من أبرز ما أشارت اليه خطة الحكومة المسرّبة هو احتياجات إعادة رسملة النظام المصرفي التي تزيد عن 72 مليار دولار اميركي (أي ما يزيد عن 300 % من تقديرات الناتج المحلي الاجمالي لعام 2021).. وهنا السؤال: على أي أساس يتمّ احتساب الناتج المحلي؟ وإذا كان على أساس سعر صيرفة، بل لمجرّد أن يكون أي مؤشر على أساس سعر صيرفة، يصبح من الضروري اعتماد كل بقية الأرقام على هذا الأساس للتمكّن من احتساب المؤشرات بنحو متناسق ومنطقي وقابل للمقارنة.. فلا يعود جائزاً مثلاً التغاضي عن تحديد سعر الصرف للجزء الأعلى من الودائع التي تفوق الـ100 ألف دولار أميركي، والذي يُرتَقَب تحويله من الدولار الى الليرة، وتركه مفتوحاً على مختلف الاحتمالات… وهنا التساؤل الأول في شأن الطبقة الوسطى التي جمعت مبالغ متوسّطة تفوق بقليل الـ100 ألف دولار، بعد سنوات عمل وجهد وتعويض نهاية خدمة تعتمد عليه، في ظل غياب أي ضمان شيخوخة وأي رواتب تقاعدية، خصوصاً بالنسبة إلى العاملين في القطاع الخاص في مجالات لا يوجد لها صناديق معاشات تقاعدية…

 

نظرياً، تحرير سعر الصرف ثم توحيده هما مطلب اقتصادي لإنهاء حالة الفوضى وتعدّد معدلات الصرف في سوق القطع. ولكن في الاقتصاديات المدولرة جزئياً وبنحو غير رسمي كما هي الحال في لبنان، فإنّ مسألة تحرير نظام سعر الصرف وتعويمه دون قيود ليست بالأمر السهل الخالي من التداعيات السلبية على الاقتصاد.

 

على خطٍ موازٍ، يحتاج تحرير سعر الصرف إلى استقرار سياسي وقرار بوقف عملية المضاربة، وذلك منذ ما قبل انفجار الأزمة في خريف 2019، حيث كان بدأ مناخ الاستقرار السياسي يتدهور منذ العام 2011 وتفاقم منذ العام 2018. وقد ذكرت وكالات «فيتش، موديز وستاندرد أند بورز»، في تقاريرها، عن تدهور تصنيف لبنان السيادي وتراجع تقييم سنداته (الأوروبوند) منذ مطلع عام 2019، الى ارتباط ذلك التدهور بعامل المخاطرة المرتبط بالوضع السياسي، الى جانب طبعاً تدهور ميزان المدفوعات، الذي انقلبت حاله من فائض يتخطّى 7 مليارات دولار قبل العام 2011 الى تراكم عجوزات منذ العام 2012 بنحو متواصل، مما يعني خروجاً صافياً للعملات الأجنبية سنوياً أكثر من دخولها الى البلد، ما عدا عامي 2016 و2017، حيث ساهمت الهندسات المالية في استقطاب بعض الدولارات من الخارج…

 

من هنا، لا يمكن تحرير سعر الصرف قبل تحديد الخسائر المالية وآليات توزيعها القابلة للتطبيق، لأنّ تعويم سعر الصرف سيظّهر كتلة ضخمة من الخسائر المتراكمة داخل مصرف لبنان والمصارف، بعد أن يتمّ تقويم الالتزامات الضخمة للمودعين بحسب قيمة الدولار الجديد في مقابل الموجودات الضئيلة بالعملة الصعبة. من هنا، يعود السؤال عن مصير الطبقة الوسطى، علماً أنّ بين العام 1975 و1992 كان نمو الودائع بالعملات الأجنبية مساوياً تماماً نمو الأصول الصافية بالعملات الأجنبية للجهاز المصرفي، أما بعد عام 1992 فأصبحت الودائع بالعملات الأجنبية تتنامى أكثر وأسرع، ليستمر نموها بنحو متوازٍ مع نمو الأصول الصافية بالعملات الأجنبية للمصارف بدءاً من عام 1997، تاريخ بدء تطبيق نظام ربط سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي على أساس 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، وحتى العام 2011، ما يعني المحافظة على إمكانية تغطيتها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى