أبرز الأخبار

جبران يوحّد البندقية: من التيار العوني إلى التيار الباسيلي

حتى الساعة تخلّى رئيس التيار الوطني الحرّ عن خدمات العديد من الصقور والنواب، الذين شكّلوا رأس حربة في المعارك التي خاضها تكتل “لبنان القوي”، وقبله تكتل “الإصلاح والتغيير” على مدى أكثر من عقد ونصف العقد. توالت الأسماء التي يخرجها رئيس التيار، صهر رئيس الجمهوري، الوزير السابق، النائب جبران باسيل، من القوائم الانتخابية العونية. وعُرف منهم إلى الآن كلاً من النائبين ماريو عون وروجيه عازار، إضافةً إلى النائب حكمت ديب الذي تقدّم باستقالته من التيار. ولائحة المستثنين أو الذين سيتمّ إقصاءهم قد تطول، خصوصاً أنّ بعض الوجوه والمسؤولين سيتمّ ترشيحهم مع علم مسبق بأنّ لا قدرة على تأمين الحواصل الانتخابية لهم، فيكون هذا الإقصاء قد حدث بطريقة غير مباشرة. وللتدقيق أكثر يمكن البحث في الأرقام الخاصة بدوائر المتن وكسروان وجبيل.

توحيد البندقية
لا يخفي نواب ومسؤولون في التيار الوطني الحرّ استياءهم من الخيارات السياسية والانتخابية التي أقدم ويقدم عليها باسيل. عدد من هؤلاء، يؤكدون لـ”المدن”، على أنّ الأخير يعمل بشكل مباشر على إقصاء كل الشخصيات التي يمكن أن تمتلك الحيثية والشعبية داخل التيار، في امتداد لموجات الطرد و”التطهير” السابقة، والتي شملت العديد من الناشطين والمسؤولين العونيين طوال العقد الأخير. فالمطلوب، حسب هؤلاء، الإطاحة بكل الشخصيات التي يمكن أن تشكّل خطراً سياسياً أو تنظيمياً على باسيل، أو حتى مواجهته والنقاش في قراراته. وعلى ما يقول هؤلاء، “كأن جبران باسيل يخوض معركة توحيد البندقية داخل التيار الوطني الحرّ”. وهو من خلال هذه الحرب، يعزّز حضوره ويحسمه كقائد أوحد. دليل قوّة لا ضعف في مواجهة الأزمات التي تعصف بالجميع سياسياً وتنظيمياً واقتصادياً.

معركة إلغاء
في الوجدان المسيحي، طبعاً تحمل عبارة “توحيد البندقية” الكثير من المعاني والأضداد. تعني العبارة أنّ ثمة حرباً وجبهات وبنادق يجب وضعها كلها في الخندق نفسه. أنّ ثمة “تصفية” ستقع، سياسياً أو عسكرياً أو أمنياً. أنّ المجزرة التي على وشك الوقوع هدفها “الصالح العام” لتوحيد قراره وتحصين جبهاته ومركزية القرارات فيه. انتقل بشير الجميّل مع “توحيد البندقية” في تموز 1980، من حالة تشرذم الميليشيات المسيحية وتباين آرائها وقياداتها وقراراتها، إلى “القوات اللبنانية” التي أمسكت بـ”الشرقية” أو “المناطق المحرّرة” وباتت اليد العسكرية والوحيدة لـ”الجبهة اللبنانية” حينها. فتنقسم الحالة العونية فعلياً اليوم، حول معركة “توحيد البندقية” التي يقوم بها باسيل داخل التيار بين من يراها حركة لتمتين حضور التيار ووحدته ومركزيته، ومن يعتبرها حرب إلغاء وإبادة سياسية تنظيمية ضد معارضيه.

الوجدان العوني
وفي الوجدان العوني، لعبارة “حرب الإلغاء” أيضاً الكثير من المعاني، خصوصاً في الشقّ الأخير من المعارك المسيحية -المسيحية نهاية الحرب الأهلية، والمعارك التي خاضها الرئيس ميشال عون حينها، كقائد للجيش وكرئيس للحكومة العسكرية الانتقالية، ضد القوات اللبنانية لبسط “الشرعية” اللبنانية تزامناً مع “حرب التحرير” ضد الجيش السوري. بالنسبة لكثيرين من المسؤولين العونيين، نواب وأعضاء في المكتب السياسي ومسؤولي قطاعات وفي المناطق، يعيد أداء جبران باسيل كل هذا التاريخ الحافل بالمعارك والتصفيات السياسية إلى الواجهة. وهدف كل هذا، مركزية القرار داخل التيار من خلال الإطاحة بأي تهديد قد ينجم عن نائب أو وزير أو وجه “عوني” في التنظيم. خصوصاً أنّ هؤلاء جميعاً يجمعون على خلاصة أنّ “كل الخارجين من صفوف التيار، بفعل معارك خاضوها بوجه باسيل على مدة أكثر من عقد، يرمى عليهم نوع من أنواع الحرم فور خروجهم من التنظيم”. فلم يستطع هؤلاء حتى الساعة من تشكيل حالة سياسية وتنظيمية وانتخابية فعلية، للدخول إلى الحلبة الانتخابية والمشاركة في المصارعة السياسية الحاصلة على المستوى المسيحي والوطني.

وفي السياق، يضع هؤلاء المعركة التي يخوضها باسيل اليوم داخل التيار الوطني الحرّ في إطار “بسط يد جبران المطلقة على التيار”. وهو امتداد طبيعي لما حصل خلال انتفاضة 17 تشرين من حركة داخل التيار كادت تطيح بباسيل، ونجم عنها انشقاق عدد من النواب والمسؤولين عن القيادة الحزبية.

منذ وصول الرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية عام 2016، وتخلّيه عن رئاسة التيار الوطني الحرّ لصالح باسيل، تمدّد الأخير أكثر في اتجاه حسم الأمور التنظيمية والسياسية وتركيزها في يده. فعلياً، لا يرى جبران باسيل نفسه بشكل مختلف عن سائر رؤساء الأحزاب العائلية وغير العائلية الأخرى. آل فرنجية في تيار المردة، آل جنبلاط في الحزب الاشتراكي، آل الجميّل في حزب الكتائب، آل جعجع في القوات اللبنانية، وسواهم. فالزمن، بحسب العونيين المعارضين لباسيل من داخل التيار ومن خارجه، هو زمن التحوّل من التيار العوني إلى التيار الباسيلي. ولذلك قد لا تبدو استعادة تعابير “حرب الإلغاء” و”توحيد البندقية” وما تحمله من مآسٍ لدى عموم المسيحيين، غريبة في زمن معركة مماثلة.

المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى