بأقلامهم

لماذا قرر بوتين دخول أوكرانيا بحزم وماذا بعد؟/ سامي شريف

سامي شريف - Al Morakeb Group

 

كاتب المقال: سامي شريف

خبير أكتواري والرئيس التنفيذي لشركة الكويت للتأمين

بين مشكك في التدخل العسكري الروسي إلى أوكرانيا ومتيقن من هذه الهجمة العسكرية، شهد العالم الهجوم الروسي على أوكرانيا وهو أخطر تطور عسكري تشهده أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ودخل العالم في تحليل جملة واسعة من السيناريوهات والتساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الحملة العسكرية وإلى أين ستصل.
لا شك أن الضبابية هي سيدة الموقف اليوم إلا أن هناك العديد من الأسئلة الجوهرية التي يمكن الإجابة عليها لتسليط الضوء على الظروف السياسية التي أدت إلى هذا الحدث الكبير والمقلق ولتوقع ما قد يحدث. علما أن تطورات الأحداث في الفترات القادمة قد تعاكس التوقعات، فالمعارك تبدأ عادة من مكان يصعب بعدها على صناع المعركة السيطرة على مجراها.
لقد شجبت معظم دول العالم الهجمة العسكرية الروسية على أوكرانيا. فما هو هدف بوتين الرئيسي في أوكرانيا ولماذا استقر على الخيار العسكري لحسم خلافاته مع الغرب حول القضية الأوكرانية؟
ببساطة شديدة، إن هدف روسيا الأساسي ألا تتحول أوكرانيا إلى قاعدة غربية على الحدود الروسية لا بل أن تخضع أوكرانيا بالكامل للنفوذ الروسي. وقد شعر بوتين أنه لم يعد لديه أي خيار لتحقيق هدف روسيا في أوكرانيا سوى الخيار العسكري. كيف؟
لقد حاول الروس تحقيق هدفهم منذ العام 2013 حيث سعوا لإنشاء حكومة في العاصمة الأوكرانية تراعي المصالح الروسية. إلا أن هذا الخيار انهار مع قيام مظاهرات في كييف أدت أخيرا إلى الإطاحة بحكومة فيكتور يانكوفيتش الموالي للروس. واعتبرت روسيا أن ما حصل هو بمثابة انقلاب غربي على مصالح روسيا ومحاولة اختطاف أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. وبالفعل، بدأت روسيا تعمل جديا على عدة محاور تصب في خانة الحفاظ على سيطرتها على أوكرانيا.
ومن تلك المحاور انتزاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. ففي الجزيرة يقع ميناء سيفاستوبول وهو مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود والذي يمكن الروس من االنفاذ الى البحر الأبيض المتوسط عبر تركيا. ولقد تواجد الروس في هذا الميناء باستئجاره من أوكرانيا، إلا أن الروس شعروا بخطر فقدانهم لهذا الميناء المهم مع تعاظم الحكومات الأوكرانية الموالية للغرب. لذلك قام الروس باحتلال جزيرة القرم بعد الإطاحة بالرئيس فيكتور يانكوفيتش بحيث لو سيطر الغرب على أوكرانيا فستبقى شبه جزيرة القرم بميناء سيفاستوبول تحت السيطرة الروسية.
وعلى محور آخر، دعم بوتين الروس الموالين لروسيا في مناطق شرق أوكرانيا ليساعدونه على الحفاظ على تواجده في أوكرانيا وخاصة في منطقة الدونباس الشرقية. ومنذ العام 2014 قامت حرب أهلية في الدونباس بين الموالين لروسيا (الإنفصاليين) وبين الجيش الأوكراني راح ضحينها حوالي 14 ألف قتيلا وقام الإنفصاليون بإعلان جمهوريتين مستقلتين في الدونباس هما جمهوريتي لوغانسك و دونتسك. ولم يعترف بهما أي دولة في العالم ولا بشرعية انفصالهما عن أوكرانيا، وحتى روسيا نفسها لم تعترف بهاتين الجمهوريتين المواليتين لها لأسباب استراتيجية رغم أن بوتين عبر عن احترامه لقرار سكان المقاطعة. ويعود سبب عدم اعتراف روسيا بالجمهوريتين أنذاك لكون سعي روسيا لتشكيل حكومة فيدرالية داخل أوكرانيا يكون لهاتين المقاطعتين صوتا مؤثرا يخدم مصالح روسيا. وقتها رفضت حكومة كييف الإنفصال وبعد هزيمة الجيش الأوكراني اضطرت الحكومة للجلوس مع الإنفصاليين ما شكل اتفاقات مينسك الأول والثاني. الأول هدف إلى وقف إطلاق النار والذي دام أياما فقط فاضطرت دول أوروبا للتدخل ووضعت مع الإنفصاليين اتفاق مينسك الثاني والذي طلب من كييف الموافقة على الحكم الذاتي للإقليمين. إلا أن كييف لم تنفذ الإتفاق لأن تنفيذه قد يؤدي إلى وأد حلم كييف أن تصبح جزءا من الاتحاد الأوروبي وحلف ناتو. فوافقت للتهدئة فقط. ومع وصول الرئيس بايدن للبيت الأبيض تجدد أمل كييف بتحقيق أهدافها لأن الرئيس ترامب كان يميل في مواقفه لصالح بوتين. فعادت الأزمة من جديد وبدأت حكومة كييف حملاتها لاسترداد السيطرة على الإقليمين.
هنا أدرك بوتين أن خطته بتشكيل حكومة فيدرالية في كييف يكون للدنسباك وغيره أصواتا ترجح مصالح روسيا ستفشل، فاتجه نحو الاعتراف بالجمهوريتين المنفصلتين وذلك للحصول على شرعية التدخل العسكري في أوكرانيا، علما أن الدول الغربية لا تعترف بشرعية الانفصال أصلا. والخيار الآخر أن يطلب الإقليمين الانضمام لروسيا الإتحادية.
أما عن أهداف الحملة العسكرية التي أعلنها بوتين فهي ثلاثة أهداف:
1) حماية الأشخاص الذين تعرضوا في الإقليمين على مدى 8 سنوات لسوء المعاملة وللإبادة الجماعية من نظام كييف وتقديمهم للمحاكمات
2) نزع السلاح وتحييده وليس احتلال أوكرانيا
3) تهديد من سيحاول الحيلولة دون العملية الروسية في أوكرانيا برد لم يواجهوه في تاريخهم
وحذر بوتين أن روسيا مستعدة لكل الاحتمالات.
في المقابل فإن موقف الغرب بناء على تصريحات ناتو تتلخص بعبارة: لا مفاوضات مع الروس ولا حرب معهم. لقد طلبت روسيا تعهدا مكتوبا من ناتو يضمن عدم قبول اوكرانيا في الحلف وهو طلب يرفضه الناتو من حيث المبدأ لذلك اتبع الغرب سياسة اللاتفاوض مع روسيا. أما سياسة عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا فلكون أن أوكرانيا ليست بالأهمية الكافية لأوروبا لتحمل تبعيات الحرب من أجلها. والسياستان تشجعان روسيا على تبني الحل العسكري. وتبنت الدول الغربية سياسة العقوبات الاقتصادية والتي يشك في فعاليتها ولنا بفنزويلا وكوريا الشمالية وإيران أمثلة حية عن فعالية هذه العقوبات. كما تبنت الدول الغربية سياسة دعم أوكرانيا عسكريا مما ساهم في قرار التدخل الروسي السريع قبل اكتمال الإمدادات العسكرية.
قد يبدو واضحا للمتابع للأحداث عزم الروس الدخول لأوكرانيا مقابل التردد الأوروبي. ويعود العزم الروسي لأهمية أوكرانيا لمصالحه بينما يعود التردد الأوروبي لعدم أهمية أوكرانيا بشكل كاف لمصالح أوروبا، هذا بالإضافة لعدم الشهية لأميركية للدخول في أي حرب في العالم لأسباب عديدة خاصة بأميركا.
وبناء عليه فإن احتمال اندلاع حرب عالمية مستبعد جدا اليوم طالما أن الطرف الغربي لا رغبة لديه في الدخول في مواجهة عسكرية. ولكن كيف تتغير المواقف في الفترة القادمة وكيف تتطور وبأي اتجاه؟ يبقى السؤال مفتوحا.
يبقى السؤال حول النيات الخفية للمعركة. فلقد سمعنا عبر وسائل الإعلام عن نية بوتين لإعادة أمجاد العهد القيصري أو العهد السوفييتي. وسمعنا أن بوتين سيبدأ بأوكرانيا ولن ينتهي توسعه عندها. لا أدري مدى دقة هذه التحليلات ولكن أستذكر هنا مقالة كتبها الصحفي اللامع راجح خوري في العام 2003 في جريدة النهار والتي أثبتت لي الأحداث في العقدين الماضيين مدى صحة ما نشره. قال راجح خوري وقتها ما معناه أن روسيا، وبعد حوالي 10 سنوات من سقوط الإتحاد السوفييتي تشعر بكره تجاه الولايات المتحدة وأنها تسعى لاستعادة مكانتها في العالم من خلال دعم كل الأنظمة والحركات التي تعادي أميركا ومساندة هؤلاء الصقور في محاربة أصدقاء أميركا أو الحمائم مع أميركا. ولمن يتابع الأحداث في السنوات العشرين الأخيرة، يلمس مدى صحة تحليل السيد راجح خوري. ففي منطقة الشرق الأوسط مثلا، لا يخفى على أحد الدعم الروسي لإيران وسوريا ومنهما لكل الحركات التابعة مثل حزب الله وحماس والحوثيين والحراك العراقي والحرب من هؤلاء الأحلاف ضد “أصدقاء أميركا” مثل دول الخليج. فهل ما نشاهده اليوم في أوكرانيا هو جزء من المشوار الروسي الذي بدأ منذ عقدين وأين سينتهي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى