أبرز الأخبار

قوة كوموندوس ونشاط استخباري محموم في الضاحية

في موازاة المعارك والمواجهات العسكرية التي يشهدها لبنان في الجنوب، والتي تتوسع بين فترة وأخرى إلى مناطق في العمق اللبناني، تبرز معركة أمنية واستخبارية يكاد لبنان يشهدها للمرة الأولى، على هذا النحو النوعي والمعقّد. فيها الكثير من الغموض والتعقيدات والأسرار التكنولوجية.

بعض المعلومات أو الأخبار التي تم التداول بها في الأيام القليلة الماضية، تعيد لبنان إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات، أي جعل أراضيه ساحة مفتوحة لأجهزة مخابرات متنافسة، بعضها يجمع معلومات وبعضها الآخر ربما يخطط لتنفيذ عمليات. واللافت أن غالبية هؤلاء يحملون جوازات سفر ديبلوماسية.
عملياً، أصبح لبنان ساحة مفتوحة لاحتراب لا ينتهي.

قوة كوموندوس؟
لم تقتصر المعركة الاستخبارية مع الهولنديين الذين اعتقلوا قبل أيام قليلة قبل الإفراج عنهم أو “الديبلوماسي” الإسباني الذي جرى توقيفه ومن ثم إطلاق سراحه. بل وحسب ما تكشف مصادر أمنية وعسكرية، يتم بشكل شبه يومي توقيف أحد الأشخاص المشتبه بقيامهم بأي عمل من نوع أمني، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو خارجها. بعض هؤلاء أجانب ويحملون جوازات سفر ديبلوماسية، وبعضهم الآخر لبنانيون. لكن ما كان بارزاً هو قضية الهولنديين ودخولهم إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحديداً إلى منطقة حارة الحريك، مجهزين بعتاد عسكري متطور، وكأنهم قوة كوموندوس أو قوة خاصة تستعد لتنفيذ عملية نوعية. تمكن حزب الله من إلقاء القبض عليهم. فحصلت تدخلات كبيرة لعدم تركهم لدى الحزب وإجباره على تسليمهم لمخابرات الجيش. وحسب ما يتبين، هم أيضاً من حملة جوازات السفر الديبلوماسية.

حتى الآن لا معطيات واضحة في التحقيق حول أهداف وخلفيات هذا النشاط المشبوه، على الرغم من أن ما جرى تسويقه يتعلق بإجراء مناورة حية لإجلاء الرعايا الهولنديين. لكن طبعاً الرواية غير مقنعة بالنسبة إلى الكثيرين في لبنان. ففي سبعينيات القرن الفائت، وفي ظل نشاط منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة اللبنانية، حصلت عمليات كوموندوس إسرائيلية مشابهة في لبنان، بينها إحدى العمليات في طرابلس عام 1973 لاغتيال قيادي فلسطيني هو سعيد السبع، وكان المنفذون يحملون جوازات سفر ألمانية. وهنا تتحدث بعض المعلومات عن أن الجنسية الحقيقية لهؤلاء هي اسرائيلية. في العام 1973 أيضاً، شهدت بيروت عملية كوموندوس نفذها اسرائيليون، وكان بينهم إيهود باراك، والذي أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد، وحكومته هي التي اتخذت قرار الانسحاب من لبنان عام 2000. باراك تنكر يومها بزي امرأة وقد ارتدى “ملاية” أو عباءة لتنفيذ عملية اغتيال كمال عدوان، وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.

جنسيات متعددة
استذكار مثل هذه العمليات يرفع منسوب المخاوف من حقيقة الاختراقات التي تتعرض لها الساحة اللبنانية، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تتحدث عن أن القيادي في حزب الله يوسف الطويل قد اغتيل بعبوة ناسفة في سيارة مفخخة، ولم يتم اغتياله بصاروخ أو بمسيرة اسرائيلية. هنا أيضاً لا بد من العودة إلى اغتيال القيادي البارز في حزب الله، حسان اللقيس، الذي اغتيل بإطلاق النار بشكل مباشر على رأسه في العام 2013 في الضاحية الجنوبية لبيروت.

بالنسبة إلى الشخص الإسباني الذي تم توقيفه في الضاحية أيضاً، تشير المعلومات إلى أنه كان يقوم بعمليات تصوير في أماكن متعددة من الضاحية بينها محيط مكان اغتيال صالح العاروري. سلّم حزب الله الرجل إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، فأبرز بطاقته الديبلوماسية كمعتمد في السفارة الإسبانية في بيروت، وجواز سفره الديبلوماسي أيضاً، رافضاً التحقيق معه لأنه يمتلك حصانة ديبلوماسية. حصلت اتصالات كثيفة من قبل السفارة في سبيل اطلاق سراحه. وهو ما حصل.

تشير مصادر متابعة إلى أن هناك شخصيات من جنسيات متعددة تم توقيفها أيضاً، وهي تقوم بأنشطة تصوير أو مراقبة. ولدى سؤال الأجهزة إذا كان هناك حاجة اسرائيلية مثلاً لمثل هذه العمليات على الأرض، فتجيب المصادر بأن الأمن هو “كلّ في كلّ”، ولا يمكن فقط الإكتفاء بمسألة الرصد البعيد أو التنصت أو الاعتماد فقط على الطائرات المسيرة وعمليات التصوير. جزء من الحروب الأمنية أيضاً تتعلق بما يرد من اتصالات من أرقام خارجية بلبنانيين وتقديم عروض عمل، أو بإجراء اتصالات باسم شركات أجنبية، يتبين أن مصدر الاتصال هو في اسرائيل، على الرغم من أن الأرقام الظاهرة تعود لدول أوروبية.

هذه الحرب الأمنية تمتد لتصل إلى الهواتف الخلوية، والتي حذر منها حزب الله وأمينه العام بشكل واضح، بالإضافة إلى التحذير من استخدام كاميرات المراقبة في المنازل لقدرة الإسرائيليين على اختراقها. جزء من الحرب هو تسريب أسماء قادة وكوادر في حزب الله باعتبار أنه تم استهدافهم، فتنهال الاتصالات عليهم للاطمئنان، وحينها يمكن للإسرائيليين رصد شبكة الاتصال بهم، فيتم تحديد أمكنتهم وتنفيذ عملية الاغتيال.

إنها حرب بشكل مختلف وتقنيات مختلفة.. لكنها أشد رعباً.

منير الربيع – المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى