أبرز الأخبار

“تعو ننزل ليرجع”… هل يمهّد “المستقبل” لعودة “دائمة” للحريري؟!

كما في كلّ عام، يبدأ الحديث مع مطلع شهر شباط عن فعاليّات إحياء الذكرى السنوية لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والتي تدرّجت أشكالها على مرّ السنوات، من تظاهرات جماهيريّة واسعة في وسط العاصمة، إلى احتفال مركزي يقيمه تيار “المستقبل” بالمناسبة، قبل أن تقتصر على “وقفة رمزية” أمام الضريح، وإن بقي ثابتًا أن يكون تاريخ الرابع عشر من شباط هو يوم حداد وتعطيل على مدى 19 عامًا.

لكنّ “معاني” الذكرى لم تعد منحصرة بالحريري الأب، فقد تحوّلت الأنظار في المناسبة منذ سنتين إلى الحريري الابن، وتحديدًا رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري، بعد قراره المثير للجدل بتعليق عمله السياسي بالمُطلَق، حتى تحوّل 14 شباط إلى “اليوم الوحيد” في السنة، الذي يُرصَد فيه “الشيخ سعد” في بيروت، ولو أنّه يتعمّد عدم الخروج عن “الضوابط” التي حدّدها لنفسه، كما فعل العام الماضي مثلاً.

إلا أنّ هناك من يعتقد أنّ شيئًا ما قد يكون مختلفًا هذا العام، ليس فقط بسبب الأوضاع الاستثنائية في لبنان والمنطقة، في ظلّ الحرب الإسرائيلية على غزة، والتهديدات المتصاعدة ضد لبنان، فضلاً عن الفراغ الرئاسي المستمرّ منذ ما بعد تعليق الحريري لعمله السياسي، ولكن أيضًا بسبب الشعار الذي أطلِق على إحياء المناسبة، والذي يخفي بين طيّاته الكثير من الرسائل والعِبَر وكذلك الدلالات، تحت عنوان “تعو ننزل ليرجع”.

وإذا كان متعارَفًا عليه أنّ شعار المناسبة تختاره قيادة تيار “المستقبل”، يصبح الحديث عن “عودة الحريري” أبعد من مجرّد “أمنيات” لجمهور وفيّ متعطّش لعودة “الشيخ سعد” كما يحاول بعض مناصريه لتصوير الأمر، فهل يمهّد “المستقبل” فعلاً لعودة محتملة للحريري بصورة أو بأخرى، وهل يوجّه في طريقه “رسائل” بهذا المعنى إلى الأقربين والأبعدين، أم أنّ الأمر مجرّد “ضجة إعلامية” قد تكون “مفتعلة” لتسليط الضوء على “الزيارة”؟.

يقول العارفون إنّ كلّ ما يُحكى عن “برنامج” الزيارة المرتقبة للحريري، يبقى في خانة التكهّنات، لأنّ لا شيء يوحي حتى الآن بأنّ الرجل في صدد العودة إلى السياسة بمعناها الثابت والتقليدي، أو أنّه بالحدّ الأدنى قد “علّق” قراره بتعليق عمله السياسي، ما يمكن أن يبرّر ما يُحكى عن لقاءات سياسية واسعة، كما يروّج البعض، وإن كان هناك من يرجّح حصول بعض النشاطات السياسية، التي يمكن أن توضَع في إطار “وطنيّ عام”.

بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ قرار الحريري بتعليق عمله السياسي لا يزال “ساري المفعول” حتى إثبات العكس، ولو أنّ هناك في “تيار المستقبل” وحتى في صفوف بعض الصحفيين المقرّبين منه، من يحاول أن ينقل “نبضًا مغايرًا”، تحضيرًا للحظة العودة التي يريدونها “مفصليّة”، ولا سيما أنّ هؤلاء مقتنعون بأنّ الحريري “راجع” عاجلاً أم آجلاً، وأنّ حفاظه على تقليد “الزيارة السنوية” يأتي في إطار التحضير لهذه العودة بشكل أو بآخر.

بهذا المعنى، لا يستبعد العارفون أن تكون “الضجّة” المواكبة لزيارة الحريري، والتي شهد اللبنانيون شبيهًا لها في العام الماضي أيضًا، مقصودة ومتعمّدة، ولو أنّها تأخذ هذا العام أبعادًا أكبر، من خلال الشعار “الواضح” للمناسبة، والذي ترجم عبر منصّات التواصل الاجتماعي من خلال حملات “افتراضية” واسعة، فضلاً عن دعوات لافتة إلى مواكبة الحريري بحشودٍ جماهيرية توصل “الرسالة” على طريقتها.

صحيح أنّ المحسوبين على تيار “المستقبل” يقولون إنّ الشعار “اختاره الناس”، وإنّ الحريري “لا علاقة له به”، إلا أنّ العارفين يتحدّثون عن “جملة من الرسائل” التي يرغب المقرّبون من “الشيخ سعد” استغلال هذه المناسبة لإيصالها، لعلّ أولها أنّه لا يزال “الرقم واحد” على الساحة رغم غياب السنتين، وبالتوازي، أنّ انسحابه من المشهد ترك “خللاً بنيويًا” قد لا يكون أحد سواه على ملئه، وفق رأي “الحريريّين” إن جاز التعبير.

يشير هؤلاء إلى “الفوضى” التي تشهدها الساحة “السنّية” على سبيل المثال، على كلّ المستويات، على الرغم من كل المحاولات التي بُذلت لملء الفراغ، سواء عبر المستقلّين أو التغييريّين، الذين استفادوا من قرار الحريري، فدخلوا مجلس النواب، لكنّهم فشلوا في إثبات أيّ حيثيّة، أو عبر من طرحوا أنفسهم كـ”بدائل”، أو حاول البعض طرحهم، وبعضهم من الدائرة “اللصيقة” بالحريري، لكنّهم اضطروا إلى “الانكفاء” في نهاية المطاف.

وإلى كل ما سبق، وربما ربطًا به، يضيف العارفون سببًا أساسيًا يجعل مطلب “عودة الحريري” بالنسبة إلى “المستقبليّين” أكثر من مشروع، وهو إعادة الاعتبار للدور السنّي الوازن، الغائب أو ربما المغيّب حتى عن استحقاق بحجم رئاسة الجمهورية، حيث لا يُسأَل ممثّلو السنّة “المشتّتون” عن موقفهم أصلاً، وكأنّ المطلوب منهم أن “يصادقوا” على ما يتّفق عليه الآخرون، خلافًا للدور الفاعل والمؤثّر الذي لطالما لعبوه، والذي يشهد عليه التاريخ القريب.

وإذا كان ابتعاد الحريري عن المشهد قد رُبِط في مكانٍ ما بقرار إقليمي، قيل إنّه سعوديّ، بـ”معاقبته” إن جاز التعبير، ولو أنّ رئيس تيار “المستقبل” لم يُدلِ بأيّ موقف بهذا الخصوص، ولو لوّح مرارًا وتكرارًا بـ”بقّ البحصة” التي بقيت في حلقه، فإنّ ضمن “الرسائل” وفق العارفين، “رسالة” إلى المملكة تحديدًا، وسط حديث عن مرونة طرأت على موقفها، ولا سيما بعدما طبّقت نظرية “فضّ الاشتباك” مع إيران، التي كان من دعاتها ومناصريها.

في النتيجة، قد تكون زيارة الحريري المُنتظَرة إلى لبنان “مؤقتة”، رغم أنّ عبارة “زيارة” بحدّ ذاتها قد تكون نافرة لمسؤول لبناني، وقد لا يكون الرجل في صدد “العودة” فعلاً. لكنّ الأكيد أنّ محطة 14 شباط هذا العام قد تكون “مفصليّة” على خطّ العودة، ولو وُضِعت في خانة “جسّ النبض” ليس إلا، بانتظار أن تحين “اللحظة المناسبة” التي لا يخفى على أحد أنّ “المستقبليين” يريدونها اليوم قبل الغد، ولو كان لزعيمهم رأي آخر!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى