أبرز الأخبار

الضربة الإسرائيليّة “على الطريق”

“أميركا تستطيع أن تؤخّر الحرب الإسرائيلية على لبنان، لكن لن تستطيع منعها”. هذا ما نقله مطّلعون عن لسان الموفد الأميركي الخاص آموس هوكستين، خلال اجتماعه الأخير مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

هذا ونُقل عن أوساط حكومية أنّ الرئيس نجيب ميقاتي أجرى اتصالات دولية في الأيام الأخيرة للعمل على منع حصول أيّ حرب على لبنان، وسط تهديدات إسرائيلية جدّية وصلت إلى المسؤولين. وقد نجحت الاتصالات حتى الساعة، على ما تقول هذه الأوساط.

 

بطبيعة الحال، تصل الرسائل تباعاً إلى الحزب الذي سبق أن تجهّز للأسوأ. والأسوأ يعني إمّا حرباً جوّية إسرائيلية تستهدف مواقع محدّدة للحزب، وإمّا اجتياحاً برّياً للقرى الحدودية. إلا أنّ الحديث عن حرب يقابله كلام آخر، كلام يقول إنّ طبول الحرب تُقرع لمنع حصولها وليس العكس. فكلّما اشتدّت المفاوضات حول الحلول السياسية، ارتفعت أصوات طبول الحرب مع الاقتراب من الشوط الأخير.

مرّت أشهر أربعة طويلة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023) وما زال لبنان ضائعاً بين هذين المسارين.

الحرب الحتميّة: شاهدوا إعلام إسرائيل

من يشاهد القنوات الإسرائيلية ويتابع صحف تل أبيب يستطيع أن يرى بوضوح كيف تحوّل الكلام السياسي من غزة إلى لبنان. القناة 13 ناقشت هدف المناورات الإسرائيلية الأخيرة في شمال البلاد، ووضعتها في خانة التحضيرات لدخول برّي إلى القرى الحدودية، تحديداً إلى ميس الجبل وحولا وعيتا الشعب. وبعض المحلّلين الإسرائيليين يتحدّثون عن دخول برّي من ناحية الجولان أيضاً.

ينطلق كلّ هذا الكلام من تهديدات إسرائيلية جدّية وصلت إلى لبنان، وإلى حارة حريك تحديداً، تتحدّث عن اجتياح برّي من جهة، وقصف جوّي على مراكز محدّدة للحزب من جهة ثانية.

تعلّق مصادر سياسية على هذا السيناريو الذي يعتبر أنّ الحرب حتمية مع الحزب، معتبرة أنّ الهاجس الإسرائيلي تحوّل إلى هاجس وجود. لم يعد الكلام فقط عن حماية المستوطنين في شمال فلسطين المحتلّة من أيّ عملية يقوم بها الحزب على غرار ما قامت به حماس في 7 أكتوبر الماضي، ولم يعد الكلام عن بعض الكيلومترات التي تفصل شمال الليطاني عن جنوبه، بل أصبحت معركة أمن قومي تستوجب تدمير القدرة الصاروخية للحزب تحديداً، منذ اليوم الذي خطب فيه الأمين العامّ للحزب عن امتلاكه صواريخ ذكيّة.

عليه، سيطال القصف الإسرائيلي في سيناريو الحرب المقبلة عمق الأراضي اللبنانية، بعدما سبق أن وصل إلى كفرحونة وإقليم التفاح وأطراف صور وصيدا.

الخاصرة الرخوة: الداخل اللبنانيّ

في المقابل، تتحدّث مصادر مطّلعة على جوّ الحزب أنّه يعدّ العدّة للحرب وإن كان لا يريدها. وخرج مقرّبون منه وتحدّثوا عن استعداده الكامل للردّ من دون أن يكون مقيّداً بأيّ قواعد اشتباك. وذلك في رسالة يريدها الحزب أن تصل ومفادها أنّ أيّ تطوّر إسرائيلي في الحرب سيُقابَل بالمثل، وذلك كي لا يُمسَك الحزب من خاصرته الرخوة في الداخل اللبناني، الذي يرفض حتماً الحرب ويدعو إلى وقف كلّ أشكالها على الحدود. وخرجت آخر الدعوات من بكركي في قول البطريرك مار بشارة بطرس الراعي: “نرفض أن نكون وعائلاتنا كبش محرقة لثقافة الموت التي لم تجرّ إلا انتصارات وهمية”.

بينما تحوّلت المعركة إلى معركة وجود بالنسبة إلى كلّ أطرافها، تبدو الدولة اللبنانية أضعف من تحمّل أيّ تحدّيات أمنيّة مقبلة عليها. ففي حال حصول الحرب، يبدو أنّ قدرة الدولة اللبنانية على استيعاب النازحين شبه معدومة، خصوصاً أنّ خطة الطوارئ التي وضعتها في الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، لحظت مدى زمنياً لا يتجاوز شهرين، فيما العدوان بات على مشارف شهره الخامس، ولم تمدّد الحكومة خطة الطوارئ. كما أنّ الصدامات الأخيرة في مركز إيواء النازحين في مدينة صور تلخّص مدى نقص المساعدات الممنوحة لـ30 ألف نازح مسجّلين هناك، وهناك كلام عن اقتراب العدد من 100 ألف نازح من القرى الحدودية…. فكيف في حال نزوح مئات الآلاف؟

بالإضافة إلى العجز الرسمي الواضح في تجهيز البنى التحتية لأيّ حرب مقبلة، فإنّ وقوع الحرب يعني أيضاً تحوُّل مناطق جنوبية إلى بلدات ومدن غير قابلة للسكن، مشابهة لقطاع غزة. وبالتالي فإنّ حالة اللااستقرار السياسية يمكن أن تجعل من النزوح مشروع نزاعات سياسية وطائفية واجتماعية لا يمكن معالجتها بسهولة.

تهويل ولا حرب؟

أصبح من المعلوم أنّ واحداً من الخطوط الحمر التي لا تزال إسرائيل مقيّدة فيها من الولايات المتحدة، أن لا حرب مع لبنان. مصادر دبلوماسية تعيد في كلامها لـ”أساس” كلّ الكلام عن تصاعد وتيرة التهديدات بحرب حتمية إلى جملة اعتبارات لا تزال تحكم واقع المشهد الإقليمي:

– أوّلاً: لا قرار دوليّاً بضرب لبنان على الرغم من استمرار الضربات الموجّهة حصراً إلى الحزب.

– ثانياً: لا قدرة للحزب على الردّ خارج قواعد الاشتباك المحدودة لأنّ ذلك قرار إقليمي وليس لبنانياً.

– ثالثاً: ما يحصل في البحر الأحمر أشدّ خطورة ممّا يحصل على الحدود اللبنانية، ولا إرادة لتوسّعه من كلا الجانبين.

– رابعاً: سارعت إيران إلى نفي أيّ علاقة لها أو مسؤولية بضرب القاعدة الأميركية في الأردن حيث سقط قتلى وجرحى أميركيون. فإيران التي يتورّط حلفاؤها في العراق وسورية واليمن ولبنان في حرب غزة، لم تعبّر عن استعدادها للتدخّل مباشرة، كما فعلت سابقاً، لمساندة الحزب. ففي بيان لوزارة الخارجية الايرانية نفت طهران ضلوعها في هجوم بطائرة مسيّرة أودى بحياة 3 جنود أميركيين في الأردن، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (إرنا). وقال المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني إنّ “هذه الاتهامات غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق بالمنطقة” وذلك تعقيباً على بيان لوزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون دعا طهران إلى “وقف التصعيد”. كما أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً وصفت اتهام طهران بالوقوف وراء الهجوم بأنه “باطل” مؤكدة أن “الاتهامات لا أساس لها، وهي مؤامرة لمن مصلحتهم جرّ أميركا إلى معركة بالمنطقة”.

– خامساً: إنّ نفي إيران ليس كافياً للولايات المتحدة الأميركية التي سارعت إلى التأكيد أّنها سترد على هذه الضربة. لكنّ حتمية الردّ تبقى ضمن الاشتباك الأميركي الإيراني المباشر وليس عبر لبنان.

الرئاسة “مفاجئة” في لبنان؟

عليه تتحدّث هذه المصادر الدبلوماسية الغربية عن تأكيدات أنّ المفاوضات على طريقها الصحيح، سواء المتعلّقة بوقف إطلاق النار في غزة وفتح باب الحلّ السياسي، أو تلك المرتبطة بلبنان، التي أصبحت عناوينها معروفة بانتظار ساعة إعلانها.

المفارقة في هذا الكلام الغربي هي تقاطعه مع كلام لبناني فحواه أنّ الرئاسة يمكن أن تحصل “أن تقطَف بشكل مفاجئ”.

على الرغم من يقين القوى السياسية مجتمعة بأنّ الرئاسة ليست مادّة للمقايضة، وهو ما أكّده الحزب علناً بالمناسبة، إلّا أنّها استحقاق لن يكون يتيماً، بل سابق لاستحقاق أمنيّ أكبر.

لبنان أقرب إلى أيّ من هذين المسارين؟

لا جواب حتى الآن وسط تعويل جدّي على التقاط الفرص الموضوعة على الطاولة، والبدء بالاعتراف أنّ ثمّة ما تغيّر كثيراً في المنطقة بين ما قبل 7 أكتوبر الماضي وما بعده، وأنّ المتغيّر سيكون له أثره الواضح في الجغرافيا والسياسة وخريطة موازين القوى المقبلة.

جوزفين ديب – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى