أبرز الأخبار

الأسباب التي تدفع باسيل نحو تموضع أكثر بُعداً عن “الحزب”!

بدا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في إطلالتين إعلاميتين أخيرتين كأنه غادر أيّ التقاء ثابت مع حليفه السابق “حزب الله” وأنه ماضٍ بخطى ثابتة الى تموضع جديد يتيح له “التحرر” نهائياً من مُرّ آثار وتداعيات مرحلة “تفاهم مار مخايل”. وتجلّى هذا الانتقال من خلال مطالعتين دفاعيتين أظهر فيهما تمايزات سياسية بالعمق والشكل بينه وبين الحزب، وهي لا تقتصر على ملفات ذات طبيعة خلافية داخلية، بل امتدت هذه المرة لتظهر تعارضات في الرؤى حيال المسائل الاستراتيجية العزيزة على قلب الحزب، خصوصا عندما أكد باسيل اختلافه التام معه على مسألة المضي قدماً في المواجهات التي أطلقها الحزب لإظهار وقوفه الجليّ مسانداً لغزة وفصائلها المقاومة، أو في مسألة التأكيد على الترجمة العملانية لشعار “وحدة الساحات” الذي هو بالنسبة الى مكونات “محور المقاومة والممانعة” “الصخرة” التي بنى على اساسها تطلعاته وحساباته الاستراتيجية.

وحيال هذا التطور المفاجىء، فان السؤال المطروح هو: ما الذي حدا بباسيل لأن يختار هذا التوقيت لإبلاغ من يعنيهم الامر انه قد طلَّق تماما مناخات التفاهم السابقة مع الحزب، وانه لم يعد في صدد العودة الى تفاهمات تمتّ بصلة الى “تفاهم مار مخايل”، وانه استطرادا في وارد المضي الى تموضع سياسي جديد، وان الجسر المُفضي الى هذا التموضع هو تسليط الاضواء الساطعة على وجوه التمايز مع الحزب حول قضايا الداخل، وعلى تعارضه مع “مغامرات” الحزب الحالية على طول الحدود الجنوبية؟

يتحدث ناشطون سياسيون قُدّر لهم ان يلتقوا باسيل انه قد نضجت لديه رؤية سياسية متكاملة قرر اعتمادها خياراً لا رجعة عنه تنطوي على ما يحدد علاقته المستقبلية بالحزب من جهة وتضمن له العبور الى تموضع سياسي أكثر مرونة وبراغماتية في التعاطي مع المكونات السياسية في البلاد.

تنطلق رؤية باسيل تلك والتي وُلدت بعد طول نقاش للواقع الداخلي والاقليمي حاضراً ومستقبلاً من نقطة مبدئية هي انه لا يمكن لـ”التيار الوطني الحر” ان يسير في ركاب خيار يؤدي الى ترئيس زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي ما زال الحزب يعلن تمسّكه بترشيحه حصراً، أو التفكير جدياً بخيار بديل هو ايصال قائد الجيش العماد جوزف عون الى سدة الرئاسة الاولى.

واكثر من ذلك، فان باسيل لم يجد من الحزب ما ينفي نهائياً ان يكون في يوم من الايام في وارد السير بصفقة سياسية يذكر أنها من إعداد الجانب الاميركي، يكون أحد شروطها تأمين انتقال عون من مقره الحالي في اليرزة الى قصر بعبدا، خصوصا انه سرى في الآونة الاخيرة ما يشير الى ان واشنطن تتحدث عن عروض سخيّة تقدَّم بالجملة الى الحزب لكي يرعوي عن المضي في المواجهات على الحدود الجنوبية ويفكّ ارتباطه مع الجانب الفلسطيني.

وفي السياق عينه، لا يكتم باسيل ان اعتراضه على ترئيس كلا الشخصين يتأتى من خلفية سياسية أساسها اعتقاده ان عهد أيّ منهما في الرئاسة سيكون امتداداً لعهد الإخفاق، وهو (باسيل) ليس مستعداً لأن يُحسب على خيار آخر من هذا النوع أو يمشي به لأنه سيكون معرّضاً ولاريب للخسارة.

الى ذلك، يستشعر باسيل ان ثمة تطوراً جديداً طرأ أخيراً أفقد “تفاهم مار مخايل” سبباً أساسياً من أسباب وجوده أصلاً، فضلاً عن ديمومته. ففي السابق، وتحديداً أيام ولادته، كانت ثمة حاجة ضمنية لدى طرفَي ذلك التفاهم الى ابرامه وهو مواجهة مشتركة لهيمنة “الحريرية السياسية” في تلك الحقبة كزعامة سنّية عارمة. ولكن بعد الضربة التي تلقّتها تلك الزعامة إثر انسحاب الرئيس سعد الحريري من العمل السياسي، فان التيار بات يستشعر ان حاجة الحزب الى التفاهم معه لم تعد بالحرارة عينها كما في السابق، خصوصا ان الحزب وضع في حساباته امكان اعادة وصل ما انقطع مع القيادات السنية التي بدت وقد تحررت من طغيان زعامة واحدة.

وواقع الحال هذا بحسب تلميح باسيل خفف كثيرا حاجة الحزب الى “الشراكة” مع المسيحيين واصراره على إطالة أمد تلك التجربة.

أمر آخر سبق لباسيل ان جاهر به وتناوله مراراً عندما اطلق سابقا في التداول استنتاجه الشهير وفحواه ان لا مشروع جدياً لدى الحزب لإعادة بناء الدولة ولا وقت عنده يخصصه حتى لإصلاح ما خرب وما يمكن إصلاحه في بناء الدولة الموشك على الانهيار والتداعي. وفي أحسن الاحوال كان رد الحزب على هذه المسألة بالقول: اعذرونا لا نريد ان نفتح خطوط تماس مع الحليف الأوثق اذا ما نحن سرنا معكم قدماً في عملية الاصلاح والبناء.

وبعد هذه المطالعة المكثفة، يجد باسيل ان من المبرر السؤال: “عن أي اتفاق أو تفاهم يمكن ان نذهب مع الحزب، وهل يمكن بعد أن نفكر بالمضي نحوه؟ أوَليس بات لزاماً علينا ان نفكر بالذهاب الى أمرين:

– إعادة النظر بمسيرة التفاهم وتجربتها التي استمرت عقداً ونصف عقد من السنين وبنتائجها علينا.

– الذهاب نحو وضع أسس حراك جديد وتموضع مختلف ليس من شروطه المضي الى قطيعة نهائية مع الشريك السابق، اي الحزب، ولكن من الاجدى والاسلم ان نبقي على علاقة ظرفية معه على اساس “القطعة”، وان نذهب الى انفتاح على قوة ومكونات كنا على قطيعة معها في السابق.

ومن شأن هذا التمايز ان يسمح لنا بان نكون في خندق المعارضة عند الحاجة”.

ويستدعي باسيل في سياق كلامه هذا تجربة الرئيس فؤاد شهاب التاريخية لتكون عنده اساس الذهاب نحو تسويغ نهجه الجديد، فيذكر ان شهاب هو من وضع باعتراف الجميع مداميك الدولة الحديثة المنشودة عبر تجربة سياسية فذة، لكنه سرعان ما خسر كل مآثره تلك، خصوصا في ساحته، بحجة انه تعاون اكثر من اللازم مع المسلمين، وعليه سجلت الاحزاب المسيحية الثلاثة الرئيسية آنذاك انتصاراً كاسحاً على حضوره السياسي (النهج) في انتخابات العام 1968 ممهدة لاستئصال حضوره السياسي لاحقا.

ويلمّح باسيل الى انه يحاذر ان ينتهي بمثل هذه النهاية، وانه بات يضع نصب عينيه هدف المحافظة على ركائز حضور التيار وقواعده. ومبتدأ ذلك هو فكّ “الشراكة” بصيغتها الاولى مع الحزب، خصوصا ان المبررات الاساسية لإبرامها انتهت تدريجاً، لاسيما ان الحزب قد ولج منذ الثامن من تشرين الاول الماضي مرحلة جديدة عندما زجّ بالقوة العسكرية المقاوِمة التي أعدها تحت شعار الدفاع عن الارض ودرء الخطر الاسرائيلي في جبهة إسناد ومشاغلة دعماً لغزة ومقاومتها.

ولا يخفي باسيل في طوايا كلامه ان الحزب هو مَن أعلى مِن شأن مشروعه الاستراتيجي عندما سارع الى فتح ابواب المواجهة الحدودية. “واذا كان الامر بالنسبة اليه مشروعاً وواجباً يؤديه، فانه يحق لنا ان نبحث عن خياراتنا وما يناسب مصالحنا ورؤانا”.

إبراهيم البيرم- النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى