أبرز الأخبار

هذه خفايا «الانقلاب الناعم» للإطاحة بالتمديد لقائد الجيش و«فرصته» الرئاسية

– تقارير عن زيارة لوزيرة الخارجية الفرنسية لبيروت الجمعة
ترتسم في بيروت مَعالمُ «سِباقِ بَدَلٍ» بين عناوين سياسية وعسكرية على تَصَدُّر «الأولويات» اللبنانية، رغم أنها وعلى اختلافِ تَوَهُّجها تصبّ في النهاية عند «خطرٍ أعلى» تشكّله جبهة المشاغَلة في الجنوب والتي باتت مختلف الملفات تدور في فلكها لِما تنطوي عليه من أبعاد ما فوق عادية تتّصل بمجريات حرب غزة كما الترتيبات التي يُعمل عليها لِما بعد «كمّ فوهة البركان».

وتشهد بيروت في الأيام القليلة المقبلة زحمةً على خطّيْن: استحقاقاتٌ ستنقشع معها الرؤيةُ «لمرةٍ واحدة ونهائية» حيال أكثر من عنوان صار يُدار «على مقياس» زلزال غزة وارتداداته لبنانياً، لاسيما التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، ومحطاتٌ ديبلوماسية يُنتظر أن تُبَلْوِر حقيقةَ ما يُحاك في الكواليس من سيناريواتٍ دولية تحت عنوان ضبْط ارتجاجات الجبهة الجنوبية وتوفير «هبوطٍ اضطراري» آمِن، يجنّبها انفجاراً يقتاد البلاد برمّتها إلى عين «عاصفة النار»، وذلك على متن «رسْم تشبيهي» لصيغةٍ معزَّزة للقرار 1701 على قاعدة تنفيذه بحذافيره وإبعاد «حزب الله» عن جنوب الليطاني وإلا إدارة اسرائيل «فوهات المدافع» في اتجاه لبنان.

وتشكّل الزيارةُ المفترَضةُ التي تقوم بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لبيروت بعد غد، ولم يتّضح بعد جدول أعمالها، محطة بارزة في سياق «كشف النيات» الغربية حيال مرتكزاتِ المسارات التي يُعمل عليها لتكوين «ناظِمٍ» للوضع في جنوب لبنان الذي لن يكون ممكناً بعد المواجهات التي يشهدها منذ 8 اكتوبر والتي اتخذت أبعاداً تدميرية خطيرة في الأيام الأخيرة أن يعود لِما كان عليه عشية «طوفان الأقصى» و«كأن شيئاً لم يكن»، وهذا أقلّه ما جعلتْه اسرائيل عنواناً وسّطت في سياق محاولة تحقيقه – «على الساخن أو البارد» – كلاً من واشنطن وباريس التي كانت أوفدت تباعاً الى بيروت كلاً من الموفد الرئاسي جان ايف – لودريان ثم مدير الاستخبارات برنارد ايمييه فوفد أمني.

وإذ لم يُعرف إذا كانت كولونا ستزور لبنان مبدئياً في إطار جولة تشمل أيضاً تل أبيب، فإن البارز أن هذه المحطة تترافق مع تصعيد إسرائيل تهديداتها، وفق ما عبّر عنه وزير الدفاع السابق عضو حكومة الطوارئ بيني غانتس الذي أكد أنّ «إسرائيل تُريد تغيير الواقع الحالي على الحدود مع لبنان»، مشدّداً على «وجوب الضّغط على الحكومة اللبنانيّة لوقف هجمات حزب الله بدعم إيران، وإبعاده عن الحدود» قبل أن يبلغ الى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «ان تزايُد هجمات«حزب الله»يتطلب من إسرائيل إزالة أي تهديدات عن التجمعات السكانية الشمالية».

وفيما كان لافتاً أمس إعراب البيت الأبيض بلسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن قلق بلاده من توسع الصراع بين إسرائيل وحركة حماس وفتح جبهةٍ جديدة مع حزب الله في جنوب لبنان، فإنّ الدورَ الفرنسي على خط مساعي احتواء التوتر على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية والذي يبدو أنه يحظى أقله بعدم ممانعة أميركية، سيكون في الفترة القريبة أمام اختبارٍ صعب في تحقيق اختراقٍ يعترضه في الجوهر فقدان باريس الوزن، في نظر محور الممانعة، وافتقادها الى التوازن في مقاربة حرب غزة والفظائع التي ترتكبها تل ابيب بحق الفلسطينيين.

ولم تُعِر أوساطٌ مطلعة في بيروت، على دراية بموقف «محور الممانعة»، أهميةً لِما جرى تداوله (قناة الحدث) عن سيناريو يتصل بجنوب لبنان ويشتمل في جانب منه على انتشار قوات فرنسية مع الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني من ضمن «قوات دولية» على أن يكون السلاح في هذه المنطقة (أرض القرار 1701) محصوراً بالجيش، بالتوازي مع انتشار قوات أميركية على المقلب الإسرائيلي من الحدود، ومع موافقة إسرائيل على أن تبقى لحزب الله بعض مواقع الرصد المشتركة (مع الجيش اللبناني والقوّات الفرنسيّة)، وعلى أن تضمن واشنطن ألا تقوم إسرائيل بأي عملية أو اعتداء على الجنوب.

واعتبرت الأوساط أن «حزب الله» غير معنيّ بأي ضماناتٍ أو ترتيباتٍ تتصل بالوضع في جنوب لبنان خارج انسحاب اسرائيل من الأراضي التي مازالت تحتلها، وأنّ سيناريوات من هذا النوع تفتقر إلى معرفة بدينامية المواجهة القائمة وأبعادها العميقة.

من ساحة الحرب الى ساحة النجمة

ولن يكون عادياً انتقال العدساتِ غداً من ساحة الحرب في الجنوب إلى ساحة النجمة في بيروت لمعاينةِ مجريات الجلسة التشريعية للبرلمان الأشبه بـ «علبة مفاجآتٍ» تتصل بما ستكون عليه استحقاقاتٌ لبنانيةٌ معلَّقةٌ وبالغة الأهمية.

ففي ضوء حصيلة هذه الجلسة التي تكسر قاعدة «عدم التشريع» في ظل الفراغ الرئاسي، يَتقرّر مصيرُ قيادة الجيش الآيلة إلى الفراغ مع بلوغ العماد جوزف عون سنّ التقاعد في العاشر من الشهر المقبل، وتالياً مصير خياراتٍ أساسية ترتبط بهويةِ رئيس الجمهورية العتيد.

وعشية جلسة البرلمان، التي ارتبط توقيتُها وإمكانُ انعقادها بملف التمديد لقائد الجيش، تتزايد الشكوك في احتمال إمرار هذا التمديد وسط سيناريواتٍ مناوراتية تضمر الإطاحة بإرجاء تسريح العماد عون لإقصائه كمرشّح رئاسي قويّ بعدما أصبح «حزب الله» أكثر تشدداً في التمسك بمرشحه النائب السابق سليمان فرنجية لأسباب يُشاع أنها تتصل بطبيعة الحركة الخارجية في إتجاه لبنان وبتحوُّط الحزب لمرحلةِ ما بعد غزة، وربما لمفاجآتٍ إسرائيلية.

مصادر بارزة في «محور الممانعة» قالت لـ «الراي» ان «حزب الله» لم يكن يُمانع التمديد للعماد عون تَفادياً للفراغ في قيادة الجيش وكان يتعاطى معه كمرشح جدّي للرئاسة، إلا أن الحزب الذي خبِر إيجاباً قائد الجيش في تجربةٍ على امتداد سبعة أعوام ارتابَ من الاستشراس الأميركي – الفرنسي – البريطاني في الدفع باتجاه التمديد للعماد عون لضمان انتخابه رئيساً في سياق ما يشبه «سلّةَ ضغوطٍ» عنوانها القرار 1701 وتُلاقي في جانبٍ منها التهديدات الإسرائيلية.

وفُهم من هذا الكلام ان «حزب الله»، الذي لم يَعُدْ يفصل بين التمديد للعماد عون وبين بقائه كمرشّح رئاسي، يميل إلى ترْك الأمور للآخَرين بعدما انتقل من الايجابية في مقاربة هذا الملف الى حياديةٍ تشي بـ «قلة حماسةٍ» ليس لاعتباراتٍ شخصية تتصل بقائد الجيش بقدر ما هي على صلة بـ «النقزة» من الحركة الغربية في اتجاه لبنان وما تنطوي عليه من ضغطٍ وأبعاد، وهو ما أخذ به علماً وسطاء عرب يعملون على خط الاستحقاقات اللبنانية.

وتذهب المصادر البارزة في محور «الممانعة» إلى أبعد من ذلك في البحث عن مكامن الارتياب الذي يساور «حزب الله» من الحركة الغربية، لاسيما الأميركية – البريطانية، وهي قالت لـ«الراي» إن الأمر يتجاوز ما تنطوي عليه الحقائب الديبلوماسية وزيارات الموفدين من أصدقاء لبنان، من مساعٍ واقتراحات وتحذيرات.

فثمة معلوماتٌ تحدثت عنها المصادر عيْنها عن دخول قوات ومعدّات بأعداد غير مألوفة عائدة للأميركيين والبريطانيين وانتقالها بموافقة الجيش اللبناني إلى إحدى قواعده (حالات) وانضمام بعضها إلى قوته الضاربة، رغم ما قيل عن إن المسألة تتصل ببرامج تدريب الجيش.

وإذ أشارت تلك المصادر إلى ان الحركة العسكرية الغربية اللافتة لم تمرّ مرور الكرام بالنسبة إلى «حزب الله»، أكدت ان الجيش اللبناني غير معنيّ بمراقبة الدخول إلى لبنان والخروج منه، فهذا الأمر من صلاحية أجهزة أمنية لبنانية أخرى لم تَستجِب في الماضي إلى المطالبة بتمرْكز نقطة تابعة لها في قاعدة حالات لرصد الدخول والخروج إليها ومنها، ما تَرَكَ تداعياتٍ على أحد الاستحقاقات التي اجتازها هذا الجهاز الذي مازال ينأى بنفسه عن هذه المَهمة.

ساعات مفصلية

وتُعتبر الساعات المقبلة مفصلية في الإطاحة بالتمديد لقائد الجيش، بعدما برزت مؤشرات الى استعداد الحكومة لـ «سحب البساط من تحت أقدام» البرلمان واستباق الاتجاه الذي كان لاح لإمرار قانون يتيح بقاء العماد جوزف عون على رأس المؤسسة العسكرية وبصيغة «تحميه» من الطعن، وذلك عبر إعادة هذا الملف الى مجلس الوزراء في جلسةِ يُراد عقدها بحلول الجمعة مبدئياً لإخراج «أرنب» تمديد مفخّخ بـ «طعْن معدّ سلفاً» من «التيار الوطني الحر»، وهو ما يتيح لرئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» غسْل اليدين من الفراغ في قيادة الجيش، ويقطع الطريق على تمديد كان مضموناً في مجلس النواب ومن شأنه تظهير «القائد» كمرشحٍ رئاسي بقوة الـ 65 صوتاً (اي النصف زائد واحد).

وستشهد الساعات المقبلة، عملية ضغط كبيرة على الرئيس نجيب ميقاتي لثنيه عن الدعوة لجلسة لمجلس الوزراء وسط تقارير عن أن الكنيسة المارونية ستدخل على الخط لتفادي إدخال قيادة الجيش في متاهاتٍ خطرة، وسط اعتقاد بأنه حتى لو أطيح بجلسة الحكومة فإن التمديد سيُعرقل، بطريقة أو أخرى، في البرلمان في حال صحّ أن القرار اتُّخذ بالردّ على تأييد «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) بقاء عون في منصبه وحفْظ فرصه في الرئاسه عبر حرْق ورقة التمديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى