أخبار محلية

أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الخميس ٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٣

كتبت النهار

لا ريب في أن الصورة التي عُمِّمت أمس وجمعت الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والامين العام لحركة “الجهاد الاسلامي” في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشيخ صالح العاروري، تنطوي على الكثير من الدلالات والأبعاد المهمة في هذا التوقيت بالذات، لكنّ الدلالة الأبلغ فيها هي ان نصرالله يعطي على نحو غير مباشر الاجابة الحاسمة على سؤال طرحه عليه بإلحاح ديبلوماسيون وموفدون منذ اليوم الثاني لانطلاق عملية “طوفان الاقصى”، والذي يتمحور حول الخطوات والاجراءات التالية التي يمكن للحزب ان يُقدم عليها في الايام المقبلة من خلال دوره المتقدم في “محور المقاومة” الذي يخوض منذ أكثر من أسبوعين حرباً حقيقية بالغة الضراوة والشراسة، وتحديداً أين الحدود التي يمكن للسيد نصرالله ان يتحمل الوقوف عندها ولا يقرر أن يعطي الأمر لقوة ضاربة بالدخول الى الآخِر في عمق الحرب الدائرة فصولاً منذ صبيحة السابع من الشهر الجاري؟

لقد صار معلوماً منذ ظهور أحد نواب الحزب حسن فضل الله، انه لم يعد ممكناً للسيد نصرالله بعد بداية الاسبوع الثالث لعملية “طوفان الاقصى” وبعد المواجهات الضارية في غزة والضفة الغربية وعلى الحدود الجنوبية للبنان، أن يمضي قدماً في عملية “الاحتجاب والغموض”. لذا اختار ان يكون ظهوره كما غيابه عبارة عن حدث ورسالة محمّلة بالدلالات، ولم يكن لتحقيق هذا الهدف أفضل من صورة تجمعه بالقائد الفعلي لـ “حماس” الشيخ العاروري وقائد “الجهاد” نخالة اللذين يقود تنظيماهما بشكل رئيسي معركة غزة والضفة.

بدا البيان الصادر عن اللقاء عادياً وبديهياً في مثل هذه المحطة الساخنة، فهو ركزعلى تقييم ما حصل وعلى ضرورة الصمود ومواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات بشكل يومي، لذا كانت الصورة الجامعة هي الأبلغ دلالة.

17 يوماً أمضاها نصرالله محتجباً عن قاعدته الجماهيرية التي بدت ضائعة ومربكة بل ومشتتة لأنها افتقدت خطابه وحضوره وجرعة المعنويات العالية التي يمنحها لها ظهوره، لكنها وفق مقربين من الحزب كانت ضرورية وكافية لكي تتجمع لديه المعطيات والوقائع المتسارعة، ولكي يتخذ القرار المناسب لما بعد، واستتباعاً لكي يردّ على كل التساؤلات المعلنة والمسكوت عنها. وعليه، فإن أول رد يتبدّى من خلال صورة الاجتماع الثلاثي هو أنه يدحض كل ما قيل عن ان احتجابه هو بمثابة انسحاب ناعم يقارب حدّ التسلل من موجبات قيادة المعركة، وانه يثبت بالدليل انه ما غادرصدارة الميدان. ولا ريب ايضا في ان نصرالله كان يهمّه من خلال تلك الصورة ان يبدد مقولة سرت في بعض الاوساط منذ انطلاق حركة “حماس” في عمليتها، ومفادها انه لم يكن في صورة قرارها الابتدائي، وانه فوجىء بها وأُخِذ على حين غرّة، وانها ربما أتت لتوريطه. والواضح ان نصرالله يريد ان يعيد الاعتبار الى شعار كان له قصب السبق في اطلاقه وسمّاه “وحدة الساحات وتوحّد الميادين” ويثبت انه ما زال قائماً على الارض.

وقبل أقل من ساعة من توزيع إعلام الحزب نبأ اللقاء وصورته، تولّى توزيع نص رسالة كتبها نصرالله بخط يده ويطلب فيها من المعنيين في الحزب ان يسمّوا “شهداء الحزب الذين سقطوا على الحدود الجنوبية منذ الثامن من الشهر الجاري بالشهداء على طريق القدس انسجاماً مع حقيقة المعركة القائمة الآن مع العدو الصهيوني منذ 7 تشرين الاول الجاري”، وفق ما ورد في متن الرسالة. وهذا يعني ان الحزب يعتبر ان عناصره الذين قضوا إنما سقطوا في معركة مشروعة هي جزء من عقيدة الحزب وايديولوجيته. وقد سبق لنصرالله ان اعتبر المعركة من أجل القدس وفلسطين اساساً من اساسيات توجهاته “وتحقيقاً لوعد إلهي بالصلاة في مساجد تلك المدينة المقدسة”.

وهذا يعني ايضاً ان نصرالله يريد كذلك ترسيخ تأكيد ان هؤلاء (تجاوز عديدهم الاربعين) لم يقضوا عبثاً أو خطأ، أو أنهم استُدرجوا الى مكمن، بل هم قضوا ابان تأديتهم مهمة “عاهدوا عليها الله وقيادة الحزب يوم انضموا الى المقاومة”.

الثابت بحسب معطيات اوّلية ان نصرالله عندما قرر الظهور في هذه الصورة، إنما كان يخطط لظهور حيّ مباشر بات ملحّاً لأسباب شتى ربما يأتي في صدارتها اعادة حال الاتزان عند قاعدة الحزب والى المشهد العام ولكي يزيل حال الغموض التي سادت خلال الفترة السابقة. وبمعنى آخر، صارت قيادة الحزب على بيّنة من ان الذريعة التي أُعطِيت لتبرير الغياب قد انتهى مفعولها واستنفدت غرضها.

كما يبدو واضحاً ان تطورات الموقف سواء في فلسطين أو على الحدود الجنوبية، صارت تتطلب مَن يطلق رؤية جليّة للمسار، وليس إلا نصرالله مَن يملك هذه المزيّة ومَن يكون لظهوره الصدى والدويّ المطلوب، وإلا ستبقى الامور غارقة في الضبابية التي لم تعد بناءة، خصوصا وقد تكشّف الكثير من الاوراق سواء في الميدان أو في السياسة، ومارس الغرب أقصى ضغوطه.

وباختصار، ثمة تجربة شاقة خيضت على مدى الـ 18 يوما الماضية ونتجت عنها معطيات وحسابات يُفترض ان تكون اساسات لمرحلة مقبلة، وليس أفضل من نصرالله في “المحور” مَن يفصح عنها ويكون لكلامه الدويّ والمفعول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى