أخبار محلية

ترك ٥٠٠٠ مراكز خدماتهم

كتب ابراهيم بيرم: بدأت المؤسسة العسكرية اللبنانية منذ اكثر من عام تعلّي صوتها تذمراً من تداعيات الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ عامين ونيّف.

وقد منيت هذه المؤسسة العريقة التي كانت الى حد بعيد متماسكة وبعيدة عن الاضواء والشبهات، وكان ضباطها ورئباؤها وعناصرها الى حد ما على قدر من “الرفاهية”، ويستحوذون على امتيازات ورواتب يحسدهم عليها رفاقهم في الجيوش العربية الاخرى، بنكسات وتصدعات وازمات من ابرز نتائجها ترك ما يقرب من خمسة الاف من عديدها (عسكريون ورتباء وضباط وعاملون في مؤسسات الجيش) وفق تقديرات شبه رسمية، مراكز خدمتهم بعدما تدنت قيمة رواتبهم وصارت تعادل احيانا بدلات الانتقال خصوصا وقد بلغ راتب الجندي العادي الى اقل من اربعين دولارا شهريا فيما لم يعد يتجاوز راتب العميد الـ 200 دولار.

واقع الحال غير الصحي وغيرالطبيعي هذا لم يعد تكهنات او تحليلات بل جاهرت به قيادة الجيش اللبناني نفسها باشكال مختلفة. فقائد هذه المؤسسة العماد جوزاف عون بات مضطرا الى زيارة واشنطن طالبا دعما ماليا بالعملة الصعبة (فريش موني). وهو ما تحقق اخيرا اذ قبض ضباط هذا الجيش وعناصره في الخدمة (لم يقبض المتقاعدون) نحو مئة دولار زيادة على رواتبهم التي تدنت تلقائيا.

وفي الوقت عينه اثمرت جهود بذلتها ايضا قيادة هذه المؤسة عن حصولها على هبات وتبرعات ومساعدات عينية (اغذية ومواد طبية وثياب ومعدات واجهزة ومحروقات..) لهذه المؤسسة .

وبغية الحد من تداعيات الازمة النقدية والسياسية التي عصفت رياحها بالبلاد وانعكست على واقع المؤسسة العسكرية ، بادرت قيادتها الى اقرار حزمة اجراءات وخطوات مادية ومعنوية غير مسبوقة تكشف عن عمق خشية هذه القيادة على فاعلية هذه المؤسسة ودورها ومستقبلها كواحدة من قلة قليلة من المؤسسات الوطنية اللبنانية التي بقيت الى حد بعيد في منأى عن “الشبهات والتصنيفات”، وما انفكت تاليا احدى المؤسسات النادرة التي تحظى باحترام واجماع وطنييين، خصوصا بعد ان اضافت التطورات الدراماتيكية التي مر بها الكيان اللبناني على مدى اكثر من 40 عاما الى مهمتها الاصلية وهي الذود عن حدود البلاد والمخاطر المتأتية من خارجها، مهمات امنية داخلية اضافية يفترض انها من اختصاص وصلاحيات المؤسسات الامنية الاخرى اي الدرك (الامن الداخلي) ومديرية الامن العام وجهاز امن الدولة وما يتبع لها من اجهزة عدة، والتي تدرج عادة تحت مسمى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي.

وعليه، فان وسائل الاعلام اللبنانية على اختلافها تحفل يوميا بانباء وبلاغات عن عمليات دهم واعتقال نفذتها وحدات من عناصر الجيش ومخابراتها لعصابات اجرام وتهريب مخدرات وملاحقة مرتكبين وضالعين. وبمعنى آخر فان الجيش صار يتولى مهمات بالغة الخطورة والحساسية حيث تعجز باقي المؤسسات والاجهزة المولجة بهذه المهمة، وقد دخل في سبيل ذلك في اشتباكات امنية في بلدات بقاعية وعكارية على سبيل المثال سقط فيها العديد من عناصره وضباطه.

والاهم من كل ذلك، انه في وقت قسمت فيه المؤسسات الرسمية كلها بما فيها القضاء والوزارات والادارات بين الطوائف اللبنانية، كان لافتاً ان مؤسسة الجيش التي يعود انشاؤها الى ثلاثينيات القرن الماضي ( اول قائد لهذا الجيش كان الرئيس الثالث للبنان فؤاد شهاب الذي يعد علامة فارقة ومميزة في التاريخ اللبناني المعاصر كونه كان رمزا للاصلاح وبناء دولة المواطنة )، فان الجيش بقي المؤسسة الحصرية التي لا يمكن تصنيفها ووضعها في خانة طائفة او معيار او محور، وبمعنى آخر ظلت المؤسسة التي تتلاقى عندها كل الوان الاطياف اللبنانية، السياسية والطائفية.

ولعل من ابرز تلك الخطوات والاجراءات التي بادرت اليها قيادة هذه المؤسسة للمحافظة على فاعليتها وهيبتها وتماسكها، واستطراداً لصون دورها الريادي كعصب للوطن، الاتي:

– قيام قائد الجيش العماد عون بزيارات شبه يومية

 

 

لقطاعات الجيش والويته ووحداته في طول البلاد وعرضها وهي ظاهرة جديدة، وذلك للتاكيد على ان قيادة هذه المؤسسة ليست في وارد التهاون في “حماية عسكرها” او تسليمهم الى قبضة الفوضى والاهمال مقرونة بشرح واف يذكر بأهمية دور هذه المؤسسة وما يمكن ان ينجم عن غياب هذا الدور او تراجعه. كما يتم التشديد على انها (المؤسسة) ستظل خارج دائرة الصراعات والتجاذبات الداخلية الفارضة نفسها بعناد.

ويتبدى بوضوح ان هذا الخطاب موجه الى اطراف ثلاثة: الاول الجيش نفسه بقصد رفع معنوياته والثاني الى المنظومة الحاكمة للتحذير من مغبة عودة الجيش الى الوضع الانقسامي التشرذمي الذي كان عليه الى عام 1990 والثالث الى من يعنيه الامر في الخارج.

– تنظيم الجهات المعنية في الجيش ما يشبه الحملة الاعلامية الممنهجة للفت النظر الى وضع هذه المؤسسة وما تتحمله ولتبرير ما يمكن ان تقدم عليه لاحقا من خطوات.

– مبادرة قيادة الجيش وفق ما ورد على لسان احد ضباط الاركان فيه في اطلالة اعلامية نادرة، الى سابقة تتجسد في تأليف ” لجان متابعة لاحوال العسكر” اوكل اليها مهمة اجتراح حلول من شأنها المحافظة على معنويات العسكريين واستقرارهم المادي والنفسي لاستكمال مهمتهم. وقد وزعت هذه اللجان على كل المحافظات وهي تتلقى شكاوى وملاحظات العسكريين ضباطا وافرادا عبر ملفات ترفع اليها من قيادة السرايا والكتائب والوحدات فتنظر فيها، وقد تستدعي صاحب الشكوى للمثول امامها اذا اقتضى الامر.

– منذ عام ونيف بادرت قيادة الجيش الى اجراءات داخلية ذات بعدين، الاول تقشفي بهدف خفض نفقات المؤسسة، والثاني اراحة العسكريين وتخفيف الاعباء عن كاهلهم. فهي دمجت على سبيل المثال الكثير من المهمات والغت بعضها وعملت على اعادة توزيع انتشار العسكر بحيث توفر عليهم اعباء الانتقال عن اماكن سكنهم، وزادت عديد حافلات النقل الجماعي وذلك لتلافي آثار انهيار قيمة الرواتب.

وفي الوقت عينه كان على قيادة هذه المؤسسة ان تواجه تحدياً اكبر من خلال مواجهة مشكلة “ترك الخدمة” وهي مشكلة كبرى تعرضت لها المؤسسة فور انفجار الازمة الاقتصادية وتراجع القيمة الشرائية للرواتب.

بطبيعة الحال تباينت المعلومات والارقام حول عمليات ترك الخدمة او الفرار بلغة الاعلام والعامة. فبينما افادت مصادر اعلامية ان عديد الفارين بلغ الى ما قبل سنة وشهرين 5 الاف عنصر من كل المؤسسات الامنية بينهم ضباط، وان 75 بالمئة منهم من عديد عناصر الجيش، فان قيادة الجيش قدرت، على لسان احد المأذون لهم التحدث باسمها، نسبة تاركي الخدمة بـ2 بالمئة (علما ان تقديرات عديد العناصر الفعلية في الخدمة 80 الفا) وان قسما من هؤلاء الفارين قدم طلبات استرحام وعاد ليلتحق بوحدته.

ولم يغفل الضابط المذكور ان ثمة “تسهيلات ومرونة” في التعاطي مع الفارين الذين كانوا في الحالات الطبيعية يحالون على القضاء العسكري لكي ينالوا العقوبة التي تتناسب مع جرمهم او يصرفوا من الخدمة نهائياً.

وفي كل الاحوال يتبدى وفق معلومات ان قيادة الجيش ليست في وارد الالتزام بحذافير القوانين والانظمة المعمول بها في مثل هذه الحالات، لان ثمة وضعا استثنائيا تمر به البلاد انعكس على المؤسسة نفسها.علما ان القيادة تؤخر البت بطلبات التسريح المقدمة اليها لكي لا يتأثر الجيش بأي فراغات محتملة

وفي كل الاحوال تبدي قيادة الجيش في الاسابيع الماضية انطباعاً بأنها باتت اكثر اطمئناناً الى وضع المؤسسة قياساً بالاشهر السابقة، وبالتالي لم يعد هناك مجال للخشية من انفراط عقد وحدات عسكرية كما في السابق، وهذا يعني بالنسبة لها ان الاجراءات والتدابير الاستثنائية التي لجأت اليها سابقاً قد اعطت ثمارها المرجوة بنسبة كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى