أبرز الأخبار

عين الحلوة: انتهت المعركة.. وبدأت حرب “إنهاء” فتح؟!

ليس معلوماً ولا مضموناً أن تصمد هدنة عين الحلوة طويلاً. يُنتظر أن يتمّ اليوم الإثنين تسليم المتّهمين بقتل العميد في حركة فتح أبي أشرف العرموشي وإخلاء مدارس الأونروا من الجماعات الإسلامية المسلّحة تطبيقاً للاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين حركتَي “فتح” و”حماس”، وضمناً الجماعات الإسلامية الموجودة بكثرة في عين الحلوة.

لكن علم “أساس” أنّ الإسلاميين المدعومين من حماس و”عصبة الأنصار” لن يسلّموا القتلة. لأنّهم لا يريدون خسارة حضورهم في المخيّم، ويرفضون تسليمه بالكامل لـ”فتح”. والهدنة مرحلية، قد تطول وقد تقصر مدّتها، لكنّ المخطّط الكبير والأهمّ يتمحور حول سؤال “قرار” عين الحلوة، اتصالاً بهويّة خليفة، أو خلفاء، الرئيس الفلسطيني محمود عباس. فهناك من قرّر وخطّط وبدأ في تنفيذ “وراثة” حركة “فتح” في لبنان، من خلال السيطرة على أبرز معاقلها، وعلى “آخر بندقية” لا تسيطر إيران على قرارها في المنطقة، وهي بندقية “فتح”، في لبنان وفي فلسطين.

أي أنّ مخطّط ضرب “فتح” في عين الحلوة هو جزء من مخطّط ضرب “فتح” في فلسطين نفسها، وامتدادات الشتات، وليس فقط في لبنان، على مشارف “حرب الخلافة” التي بدأت رُحاها تدور في فلسطين، وانعكس جزء منها على لبنان ومخيّماته، أبرزها عين الحلوة. و”حماس” تريد أن ترث “فتح” في الضفة الغربية وفي عين الحلوة. وتعاونها هذه المرّة التنظيمات الإسلامية المتنوّعة، لكن المحمية من “خارج” المخيم، إمداداً وسلاحاً وذخيرةً وسياسةً وإعلاماً.. وصولاً إلى طهران.

تدمير عين الحلوة… والتوطين

فضلاً عن هدف أكبر هو تدمير عين الحلوة ولاحقاً تدمير جميع المخيّمات والوجود الفلسطيني في لبنان، وإلغاء حقّ العودة وتذويب اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق اللبنانية وفرض التوطين بوسائل متعدّدة وفق برنامج دولي.

هذه هي الأجواء بعد شهر من المعارك جرى خلاله تهجير آلاف اللّاجئين الفلسطينيين من المخيّم إلى خارجه، توزّعوا على مناطق داخل صيدا ومحيطها. وجرى تدمير واسع للبنى التحتية والمنازل والأبنية، وحتى المدارس نالت حصّتها أيضاً. ولم يُستتبع وقف إطلاق النار أو الهدنة المؤقّتة بدعوة النازحين إلى العودة إلى المخيّم، ولم يبدأ تقدير الأضرار بعد.

 

 

الاشتباكات التي بدأت على خلفيّة مقتل العرموشي ورفاقه وتوسّعت. حاولت “فتح” الحسم عسكرياً وفشلت. كرّرت المحاولة على الرغم من معرفتها بحجم قدراتها القتالية المتواضعة ومحدوديّتها في تنفيذ أمر عمليات واضح، ناهيك عن الانقسامات التي تعتري صفوفها. استمرّ الاقتتال الداخلي الفلسطيني في حين التهبت المعارك والمواجهات في غزّة وجنين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

 

 

هل هي محض صدفة؟ أم مخطّط خارجي لاستمرار هذا النزف وصولاً إلى التوصّل إلى اتفاق خارجي قد يكون في رام الله أو الضفّة أو أيّ مكان آخر؟

250 إسلامي… مقابل 100 فتحاوي

يقول العارفون بطبيعة مخيّم عين الحلوة إنّه من سابع المستحيلات أن يسجّل أيّ فريق انتصاراً في المعركة. منذ بدأت المعارك وُجّهت لحركة فتح نصائح بتنفيذ عمليات أمنيّة محدودة. لم ترتدع وأصرّت على المضيّ في محاولاتها حتى أُنهكت وأَنهكت معها المخيّم. كشفت معركة عين الحلوة أنّ “فتح” منقسمة ثلاثة أجزاء، وبداخلها من لم يكن ملتزماً بقرارها وكان يعمل لجماعات أخرى، بينما اتّحدت الجماعات الإسلامية فتوحّدت تنظيمات جند الشام وداعش والقاعدة وغيرها جامعةً ما يناهز 250 عنصراً في مقابل 100 لحركة فتح منقسمين ولا قدرات عسكرية لديهم. حركة حماس ليست الكبرى، لكنّها تملك قدرات تجييرية استفادت منها الجماعات الإسلامية. عدد المقاتلين لكلّ جهة مشاركة في المعركة لم يعد مقياساً للربح والخسارة، بل نوعية الأسلحة والسيطرة الميدانية.

بعد معارك ضارية اقتنع الطرفان بخسارتهما، وهو ما استدعى استنفار قيادتَي “فتح” و”حماس” وإجراء زيارة على وجه السرعة لكلّ من عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” الدكتور موسى أبو مرزوق، وعضو اللجنتين، التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة “فتح”، المشرف على الساحة اللبنانية عزام الاحمد، وخلال لقاءات برئيس مجلس النواب نبيه برّي واجتماعاتٍ متكرّرة مع مخابرات الجيش، وعدت الحركتان بوقف الاشتباكات، وتعهّدت “حماس” بالسعي إلى تسليم المطلوبين وإخلاء مدارس الأونروا. وتمّ إعلان وقف النار على هذا الأساس وتعهّدت الجهتان الالتزام به.

تتّهم “فتح”، حسب مصادر مطّلعة على أجوائها، حركة “حماس” بأنّها تتعاطى باعتبارها ممثّلة المناخ الإسلامي، أي الطرف الثاني في القتال ضدّ “فتح” نفسها. وهي لا تنكر مساهمة عناصر داخلها خرجوا عن قرارها وتوعّدت بإنزال أشدّ العقاب بحقّهم في سوء إدارة المعركة. وقد انطلقت بالفعل عملية تطهير واسعة داخلها ستشمل أسماء بارزة، بعد فترة من التراخي. كما تشعر الحركة التي تمثّل القرار الفلسطيني المستقلّ، بخطر شديد يحدق بها وأنّ عليها تطويقه.

“حماس” ترفض الاتّهامات

في المقابل ترفض “حماس” اتّهامها بالوقوف إلى جانب الإسلاميين وتؤكّد دعوتها “إلى تسليم أيّ متّهم إلى الدولة اللبنانية”، لكنّها ترفض بالمقابل “تحويل أيّ قضية إلى مخطّط لتدمير المخيّم وتخريب حياة المجتمع الفلسطيني وإلى تهجير الأهالي وتدمير ممتلكاتهم وتهديد مصيرهم”.

منذ البداية اعتبرت “حماس” أنّ “هناك قيادة فلسطينية موحّدة تعمل تحت اسم “هيئة العمل الفلسطيني المشترك” هي التي تتابع جميع القضايا، وهذه الهيئة التي تضمّ جميع القوى والفصائل الفلسطينية مدعوّة إلى العمل من أجل منع الاقتتال ونشر قوة أمنية وتسليم المطلوبين للعدالة”.

يقول مسؤول العمل الجماهيري في “حماس” رأفت مرة في حديث لـ”أساس”: “لقد قمنا بجهود كبيرة واتصالاتٍ دائمة لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان خلال هذه الظروف الدولية والإقليمية المعقّدة، التي تترافق مع أوضاع لبنانية داخلية صعبة من النواحي السياسية والأمنيّة والاقتصادية”. ويتحدّث عن “استخدام هائل ومشبوه للسلاح وتهجير للأهالي وتدمير للبنية التحتية للمخيّم وامتداد للعنف إلى المجتمع اللبناني فقُتل عدد من اللبنانيين واستُهدفت مدينة صيدا والجوار وعُطّلت الحياة في المنطقة”.

 

 

مرّة يحاول أن يضع “حماس” في موقع الحياد، على خلاف ما تتّهمه كوادر “فتح” وما تبيّن من سلوك “حماس” الإعلامي والسياسي والميداني: “تواصلنا مع جميع الجهات الفلسطينية واللبنانية السياسية والعسكرية والأمنيّة بهدف وقف إطلاق النار وسحب المظاهر المسلّحة من الشوارع وعودة الأهالي النازحين وتسليم المطلوبين وتعزيز العمل الفلسطيني المشترك. وعمل على إنجاح وحماية مبادرة وقف إطلاق النار وتحصينها ورفض استخدام السلاح من أيّ طرف، ونرفض الاحتماء بالمدنيين والمنازل والأحياء لتنفيذ أعمال عنف”.

التوطين… أو إمرة عين الحلوة؟

الاشتباكات التي استمرّت طوال 50 يوماً، وهي أطول عملية اقتتال فلسطيني، واستُخدمت فيها مدافع وقذائف وترسانة عسكرية هائلة، دفعت بـ”حماس” إلى إثارة “ألف سؤال عن الأهداف الحقيقية من ورائها، والجهات المستفيدة، وحقيقة المشاريع الكامنة خلفها”، واعتبار أنّ كلّ “هذه الاشتباكات لم تؤدِّ عسكرياً إلى تقدّم أيّ طرف ولا إلى قتل أو اعتقال أيّ متّهم، وهو ما يعني ويؤكّد أنّ هناك أهدافاً أكبر وأخطر من قضية تسليم مطلوب، وهذا ما نحذّر منه، منها التوطين”.

في معرض ردّه على اتّهام “حماس” بمؤازرة الجماعات الإسلامية، يقول رأفت مرة قاصداً حركة “فاتح” دون أن يسمّيها، إنّ “فشل أحد الأطراف في معركته دفعه أكثر من مرّة إلى توسيع دائرة الاتّهام ومحاولة زجّ حركة حماس وغيرها من القوى في المعركة من أجل تبرير عجزه وفشله وتعظيم جبهة خصومه ومحاولة أخذ فرص أكثر للتخريب والتدمير، وإلّا فما معنى استهداف عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة وتيار الإصلاح الديمقراطي ووو… ؟”.

في الخلاصة: المعركة قد تنتهي، لكنّ الحرب بدأت للتوّ: إما تستردّ “فتح” عافيتها، أو ستكون مسألة وقت قبل أن يصير عين الحلوة في قبضة إيران وجماعاتها.

منى الحسن – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى