أبرز الأخبار

البرلمان اللبناني غداً: بري “في اليد” ونائبه… على الشجرة

جاء في الأنباء الكويتية:

غداً، يكتمل النصاب الدستوري لبرلمان 2022 في جلسةٍ يتم التعاطي معها على أنها ستكون بمثابة «الكاشف» لحقيقة المتغيرات التي طرأت على التوازنات السياسية في الانتخابات النيابية والتموْضعات «الأخيرة» لبعض النواب والتكتلات على خطيْ أكثريةٍ وأقليةٍ لا يفصل بينهما إلا… خيط رفيع.

وعشية الجلسة التي ستنعقد برئاسة المرشّح الوحيد لرئاسة مجلس النواب نبيه بري، الذي صودف أنه رئيس السنّ لدورة 2022، يبدو واضحاً أن الأخير ومعه شريكه في الثنائية الشيعية «حزب الله» نجحا في جرّ الجميع إلى التسليم بقواعد اللعب على تخوم «منطقتهما المقفلة»، سواء عبر الاقتراع لبري بذريعة أن لا مُنافِس له ومراعاةً لخيار المكوّن الشيعي الذي منح الثنائي 27 نائباً من 27، أو من خلال «كتلة الأوراق البيض» للمعترضين، من خصومٍ ضمن القوى السيادية والتغييرية والمستقلة كما من أطراف في 8 مارس لن يصوّتوا له (مثل التيار الوطني الحر)، ولكن من دون أن يمنع ذلك «الأستاذ» (اللقب الذي يُمنح لبري) من أن يضمن فوزاً من الدورة الأولى وبأصوات مرجَّح أن تبلغ النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان (الـ 128).

وفي هذا السياق ساد اقتناعٌ بأن الثنائي الشيعي، ولا سيما «حزب الله» الذي شكّلت نتائج الانتخابات خسارة سياسية له ولحلفائه، كان أسرع في «لملمة» تشظيات الانتكاسة و«هضْم» مفاعيلها، أقله في الاستحقاق الأول الذي تشكّله جلسة الثلاثاء، على عكس خصومه الذين بدا أنهم «اُرْبكوا» بفوزهم الذي تحوّل تحدياً لمدى قدرتهم على تأطيره ضمن «أكثرية ثابتة» تكون بمثابة القاطرة النيابية والسياسية، ولو أن أحداً لا يتوّهم أن الواقع اللبناني يُدار فقط بنصابٍ عددي سبق أن توافر لمعارضي الحزب بين 2005 و2018.

وترتكز أوساطٌ متابعة في هذا الاقتناع على المعركة المرتقبة على موقع نائب رئيس مجلس النواب (يتعيّن أن يكون من الروم الأرثوذكس)، التي تزداد المؤشرات إلى أن الثنائي الشيعي ورغم أنها لا تخضع للمرة الأولى لتفاهمات «معلّبة» كالسابق، نجح في إدارتها، ولو حتى الساعة نتيجة فشل الآخَرين، بما يجعل غالبية مآلاتها تصبّ عنده بطريقة أو أخرى في غالبية السيناريوهات:

فإذا «أفْلت» النائب الياس بو صعب (مرشّح التيار الحر الاضطراري) وفاز من دون أصوات كتلة بري الذي سيردّ «التحية بمثلها» بحال مضى التيار في رفْض منحه أصواته، فإن هذا الخيار يدعمه «حزب الله» وسيتجرّعه زعيم «أمل».

وبحال انتقل المنصب إلى النائب سجيع عطية (مستقلّ ترشّح مع قدامى المستقبل في عكار وهو قريب من نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس)، فإن الأخير بكّر في «الربط» مع بري والتقاه وسيصوّت له (لرئاسة البرلمان مع كتلة شمالية من 11 نائباً).

أما إذا كان النائب غسان سكاف «فلتة الشوط»، فإن ذلك غير ممكن إلا بسبب تقاطعاتٍ تعكس بطبيعة الحال أن «الأكثرية المركّبة» لم تتمكّن من إدارة هذه المنازلة «بمفردها» عبر «تجميع قواها» وتقليص تَشَتُّتها، رغم بقاء الأنظار على ما إذا كان ربع الساعة الأخير، الذي يشهد تكثيف الاتصالات بين «تشكيلات» الغالبية المركّبة، قد يحمل مفاجأة تعيد تعويم حظوظ نقيب محامي بيروت السابق ملحم خلف (من قوى التغيير) الذي يحظى بدوره برضى «رئيس الولايات السبع لمجلس النواب»، فيكون عنوان «مساكنة» في رئاسة البرلمان ونيابته، بين «الثابث» على رأس أمّ السلطات منذ 1992 وبين «نسائم» التغيير التي حملتْها صناديق الاقتراع.

ولم يَعُد يفصل لبنان عن اكتمال «بازل» البرلمان الجديد إلا نحو 24 ساعة، ستُطوى معها صفحة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وأمينيْ السر و3 مفوّضين (ليصار بعدها إلى تشكيل اللجان البرلمانية وتوزيع رئاساتها)، لتتجه الأنظار ابتداءً من الأربعاء على ملف تأليف الحكومة الجديدة الذي لن يقلّ تعقيداً، في ضوء ترابُطه «العضوي» مع الانتخابات الرئاسية (موعدها الدستوري بين 31 اغسطس و31 اكتوبر).

واستوقفت دوائر سياسية المناخات التي بدأت تسْري عن أن «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل يريد «التحوّط» لمرحلة الشغور التي ستطبع الرئاسة الأولى بحكومة من «أوزان سياسية» تعزّز «موقعه» في السباق الرئاسي، وإلا لتستمرّ حكومة تصريف الأعمال الحالية التي تُبْقي الباب مفتوحاً على «كل الخيارات» في ما خصّ سيناريو 31 أكتوبر، فإما يغادر الرئيس ميشال عون القصر كما أكد في آخر مقابلة صحافية ولو لم تكن وُلدت حكومة مكتملة الصلاحية، أو لا يسلّم حكومة تصريف أعمال كما سبق أن قال قبْلها ولمّح إليه باسيل «على طريقته» قبل أيام.

وبحسب هذه الدوائر فإن أول «السبحة» في استحقاق تشكيل الحكومة يشكّلها تحديد عون موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي ستتولى عملية التأليف، وسط اعتقادٍ بأن رئيس الجمهورية لن يدعو سريعاً للاستشارات، في انتظار تبلْور ملامح تفاهُم بالحد الأدنى على اسم الرئيس المكلف الذي بدأت تثار من حوله أسئلة حول «المعايير» التي سيتم اختياره على أساسها ومَن سـ «يُفوَّض» مِن المكوّن السني الدفعَ باسمٍ، وذلك بعدما ساهم انكفاء الرئيس سعد الحريري عن الانتخابات النيابية وتعليق عمله السياسي في جعْل هذا المكوّن يخرج من استحقاق 15 مايو وكأنه في حال «فقدان جاذبية».

كما أن «التوازن السلبي» الذي أفضت إليه الانتخابات النيابية على صعيد تركيبة البرلمان يرجّح أن تشكل في ذاتها «حقل ألغام» يعاود إنتاج المعادلة الصعبة: إذا كان تشكيل «الأكثرية المعلَّقة» حكومة مع «حزب الله» مرفوضاً وغير ممكن، فإن استيلاد حكومة من دون الحزب «مستحيل».

وترى الدوائر أنه ابتداء من الأربعاء فإن لبنان سيسابق «ساعة رملية» على جهتين:

الأولى سياسية – دستورية وحدودها الزمنية مطلع سبتمبر حيث يتحوّل البرلمان هيئة ناخبة حتى انتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما سيعني أن ولادة الحكومة يجب أن تكتمل قبل هذا التاريخ.

والثانية مالية في ضوء اعتبار أن التدخّل بـ «أسلحة الاحتياط» من مصرف لبنان لتأخير «انفجار التفليسة» وتطايُر ارتداداتها معيشياً وأمنياً محكومٌ بـ «انتهاء صلاحية» لا يمكن أن يكون طويلاً، ما يعني أن عدم التقاط هذه «الاستراحة»، الباهظة التكلفة على «المركزي»، سيضع البلاد في مهبّ «تقلّبات عنيفة» في سعر الدولار وأسعار السلع لاحت مؤشراتها في الأيام العشرة الماضية، حيث خسرت الليرة 30 في المئة مما بقي من قيمتها لتستردها في ساعات، وهو ما سيكون مرشّحاً لفصولٍ أعتى بحال دخل لبنان مدار الانتخابات الرئاسية مكشوفاً بالكامل على أزماته المتشابكة كما على غيوم داكنة تتلبّد في سماء المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى