غابت القوى الأمنية عن الشوارع فتصدّر «القبضايات»
ربّما لم تكن هذه الدّولة تحتاج إلى حربٍ مدمرة حتّى يتبيّن انهيارها الشامل، إذ إن مظاهر الانحلال كانت واضحة على مدى السنوات السابقة، من انهيار مالي وغياب للخدمات الأساسيّة وترهّل الإدارات وشغور في مراكز القرار… وصولاً إلى ازدياد معدّلات الجرائم.ومع أزمة النزوح الجماعي الضاغطة وغياب الجهوزيّة في الإغاثة والطوارئ وشحّ الموازنات والموارد البشريّة، تكون النتيجة الفعليّة: غياب تام للدّولة، ومئات العائلات لا تجد سقفاً يؤويها، ومراكز إيواء غير مجهّزة حتى بالفرش والوسائد، فضلاً عن الماء والكهرباء. مئات الأسر تفترش البلاط، وحتّى زفت الشوارع من دون أن تكلّف الدّولة نفسها حتى عناء حراستهم. وعليه، فإنّ كلّ اجتماعات خلايا الأزمة وكلّ خطط الطوارئ التي زعم المسؤولون أنّهم يعملون عليها منذ أشهر، ليست سوى حبر على ورق.
وللقوى الأمنية حصتها من هذه المسرحية التي تكاد تتحوّل إلى انفجار اجتماعيّ، بعدما صار يصعب العثور على عناصر الأمن، من جيش ودرك وغيرهم، وسط الطوفان البشري الذي يملأ الشوارع. فهل اختصاص عناصر قوى الأمن الداخلي حماية المهرجانات الفنية فقط، وهل كل عناصر الجيش «سهرانين» على حدود الوطن لصدّ الاجتياح الإسرائيلي، أم أن الأولوية لحماية «حدود» السفارة الأميركية في عوكر؟ علماً أن عدداً كبيراً من عائلات العناصر الأمنية تسكن اليوم في مراكز الإيواء.
رغم الغياب الملحوظ، تصرّ مصادر عسكريّة على أنّ العديد من الكتائب العسكريّة التابعة للجيش تنتشر في مراكز الإيواء الكبيرة، فيما تؤكد أيّ جوبة ميدانية أن القسم الأكبر من المراكز يخلو من أيّ وجود أمني، رغم الإشكالات الكثيرة التي تندلع يومياً في المراكز بين النازحين، والتي وصلت الى حد تبادل إطلاق النار، كما حدث قبل أيام في ليسيه عبد القادر في بيروت.
أما في ما يتعلق بقوى الأمن الداخلي، فإنّ خطّة الطوارئ التي عملت عليها الدّولة لأشهر، افترضت أن يتسلّم هذا الجهاز، بإشراف وزير الدّاخلية والبلديات، حفظ الأمن في مراكز الإيواء، وهو ما لم يحصل. لا بل إن هذه المؤسسة لم تعد تقوم حتى بأبسط المهام كتنظيم السير مثلاً، أو وضع خطة لتحويل وجهته، والتنسيق مع وزارة الداخلية لفتح بعض المواقف المقفلة في العاصمة لاستيعاب العدد الكبير من الآليات التي تدفّقت إليها مع موجة النزوح.
هذا الغياب أدّى إلى تصدّي بعض «قبضايات» الأزقّة – المدعومين حزبياً – في العاصمة على مراكز الإيواء لتنظيم شؤون العائلات النّازحة، ما زاد من الشوائب و«المحسوبيات» والسرقة، عدا عن قيام هؤلاء يإقفال طرقات ومنع المرور بها، بحجة الحفاظ على أمن النازحين! مصادر في قوى الأمن الداخلي تبرّر هذا التقصير بأن لا عديد يكفي للانتشار في كل المراكز الأمنيّة، مشيرة الى أن هناك دوريات تجوب يومياً على المراكز لحفظ الأمن. وتضيف أنه «بغضّ النّظر عن قدرتنا على الانتشار على هذه المراكز، إلّا أنّنا لا نرى حاجةً لاستنزاف عناصرنا، وخصوصاً أن لا مشاكل استثنائيّة تحصل»، ما يطرح سؤالاً جدياً حول ما إذا كان القيّمون على هذه المؤسسات يقيمون معنا في بلد واحد!
الأخبار