زغرتا “فوّلت” بـ8000 نازح
إعلان الوزير السابق سليمان فرنجية، الثلاثاء الماضي، استعداد زغرتا وجهوزيتها لاستقبال من هجّرهم العدوان مثّل «كارت» دعوة لهؤلاء للتوجه الى البلدة الشمالية. في ساعات المساء الأولى من اليوم نفسه، كانت شاحنات محمّلة بأثاث ولوازم أساسية تُركن إلى جانب المدارس الرسمية، ومجموعات من شباب تيار المردة تتوزع المهام في ما بينها أمام كل مدرسة غدت مركز إيواء في انتظار وصول النازحين.
منطقة زغرتا – إهدن الشمالية ليست غريبة عن الجنوبيين. في 2006 استقبلت أعداداً كبيرة منهم، أقاموا في مراكز إيواء وتشاركوا منازل مع أصحابها، وبنوا علاقات استمرت مذذاك، فبقي كثيرون يتبادلون الزيارات، ما سهّل على عائلات جنوبية اللجوء الى أصدقائها «الشماليين» مجدداً، أو إلى مراكز الإيواء، وإلى الفنادق التي تبلغ كلفة قضاء الليلة الواحدة فيها في الأيام العادية بين 50 و100 دولار. خالد مكاري، صاحب فندق «La Mairie» في إهدن، بادر منذ صباح الثلاثاء، من تلقاء نفسه وقبل أن ينسّق مع تيار المردة، إلى إعلان فتح فندقه بشكل شبه مجانيّ تقريباً (15 دولاراً في الليلة الواحدة لتغطية كلفة المواد الأساسية كالماء والكهرباء) للنازحين الجنوبيين.
يؤكد مسؤول في «المردة» أن خطط استيعاب النازحين كانت معدّة سلفاً من قبل شباب المردة، لكن «العدد كان مفاجئاً. ورغم ذلك، كان شباب المردة والكثير من أبناء المنطقة في حالة تأهبٍ قصوى وتمكنوا من تجهيز المدارس الرسمية بشكلٍ سريع، إضافة إلى تأمين العديد من الشقق السكنية للعائلات، بعضها قُدّم مجاناً وبعضها الآخر بإيجارات معقولة».
جوزيف يمّين، المسؤول عن المتطوعين وعن ملف المنازل المستأجرة، يوضح أن إيجار الشقة يراوح بين 300 و500 دولار بحسب مساحة الشقة وحالتها، وما إذا كانت مفروشة أو لا. «بطبيعة الحال، ستجد شققاً سكنية بأسعار خيالية، لكنها حالات شاذة» بحسب يمّين، مؤكداً أن «التضامن والتكافل والتعاضد يغلب على المزاج العام، وهناك كثير من المبادرات الفردية ومن المجتمع الأهلي. صاحب مستودع قدّمه بشكل مجاني، وعامل توصيل (ديليفري) أصرّ على تقديم خدماته مجاناً، وهناك جمعيات تتواصل معنا لتقديم وجبات طعام».
وقدّر يمين عدد القادمين من الجنوب بـ 8000، وهو «عدد ضخمٌ، لذلك لم يعد باستطاعة زغرتا وقضائها استيعاب المزيد من الوافدين. وقد بدأنا التواصل مع مسؤولين في أقضية أخرى مثل عكار لتحويل النازخين الجدد إليها». وأوضح أن هؤلاء يقيمون في أكثر من 200 شقة مستأجرة في زغرتا – إهدن، و7 مدارس رسمية يتولّى شباب المردة توفير مستلزماتها، من تأمين وجبات الطعام اليومية، إلى تأمين الكهرباء والمياه والأدوية وتأمين فريق طبي مؤلف من أطباء وممرضين ومعالجين نفسانيين، إضافة إلى خط ساخن.
الفندق الوحيد في زغرتا، «نورث بالاس»، مقفل منذ نحو 20 عاماً، أعاد شباب المردة فتحه وترميمه بشكلٍ سريع، وتزويده بالاحتياجات الأساسية، «بما فيها الشطافة في المراحيض»، يقول عصام عطية الآتي من النبطية ممازحاً، ومؤكداً على حفاوة الاستقبال التي يلقاها النازحون.
رئيس بلدية زغرتا، بولس شهوان، أوضح أن البلدية أجرت مسحاً لمن يسكنون خارج مراكز الإيواء، ممن استأجروا شققاً سكنية و«نتابع معهم أوضاعهم، كذلك تهتم بكل ما يخص موضوع النفايات، وتأمين المياه، وتنظيم السير، وفرض الأمن، وتقوم بدور الوسيط بين جمعيات المجتمع المدني والأهلي والوزارات والمردة.
فادي عنتر، مسؤول خلية الأزمة في تيار المردة، يقول إن «المشكلة الوحيدة التي نواجهها تتعلق بنقص الفرش كما في كل مراكز الإيواء في لبنان. باستثناء ذلك، ليس هناك ما يدعو إلى القلق».
يبدو الجوّ العام في زغرتا انصهاراً سياسياً بين «الجمهور» أكثر ممّا هو تضامن طائفي بين «جمهورَين» أو مظهراً فولكلورياً من مظاهر «الوحدة الوطنية»، من دون أن يعني ذلك اقتصار المبادرات على وحدة الصف السياسي. ورغم أن تيار المردة هو المرجعية المركزية في العمل الميداني والخدماتي، هناك مبادرات أخرى، وإن خجولة، للتيار الوطني الحر، فيما الحضور الميداني معدوم. ويعزو مسؤول التيار الوطني الحر في زغرتا عبد الله عبد الله ذلك إلى «قصور الموارد المادية. فيما موقفنا السياسي واضح ومعلن، نحن مع المقاومة وإلى جانبها، وقد عبّرنا عن ذلك مراراً وتكراراً» مضيفاً: «نقوم بما نستطيع فعله. ولسنا قادرين في الوضع الحالي على العمل على صعيد ميداني واسع». في المقابل، غابت أيّ مبادرة للمجموعات «التغييرية» التي «أنجبت» نائباً في البرلمان اللبناني، ولطالما حرصت في حملاتها وخطاباتها السياسية على التغنّي بالسيادة وحب لبنان والوحدة الوطنية.
بول مخلوف – الاخبار