أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الأربعاء ٠٢/١٠/٢٠٢٤
كتبت النهار
ثمة معادلة ثابتة في تاريخ الحروب في العالم هي أن ما من حرب إلا عُرف تاريخ بدايتها ولكن استحالت مسبقاً معرفة تاريخ نهايتها. وعلى هذا، قد تكون السمة الفورية الأولى لـ”التوغل” البري الإسرائيلي الذي بدأ البارحة في جنوب لبنان هي التوصيف الخاطئ الذي أريد له أن يصور العملية البرية في إطار “عملية محدودة” حجماً وزماناً فيما كل ما سبقها ورافق انطلاقتها لا يعكس إطلاقاً إطار “المحدودية”.
والحال أنه باستثناء مواجهات ومعارك “فرعية” على امتداد حقبات الصراع العربي الإسرائيلي وتفرد لبنان بالكثير الكثير من تحوله مسرحاً أو رأس حربة في هذا الصراع، فإن البادئ منذ فجر أمس هو الاجتياح الإسرائيلي الواسع الرابع للبنان بعد اجتياحات واحتلالات الأعوام 1978 و1982 و2006. رتبت تلك الاحتلالات والاجتياحات في ظروف كل منها تداعيات مدمرة على لبنان جعلته يتخلف عقوداً عن تطور البلدان الطبيعية فضلاً عن ارتدادات داخلية عميقة ساهمت مساهمات لا تزال تحفر في مصيره البائس حتى الساعة لفرط ما استباحته لمصالح خارجية إقليمية تجاوزت واقع مقاومة أبنائه للاحتلال الإسرائيلي، وكانت ذروة تفجرها في السنة الأخيرة إشعال حرب المساندة ربطاً بحرب غزة.
كما أحدثت احتلالات إسرائيل وتوغلاتها واجتياحاتها للبنان في المقابل تداعيات ذاتية لديها بفعل غرقها في برميل البارود أو المستنقع الموحل اللبناني الذي تحول غالباً الى محرقة داخلية لديها على وقع إفراطها في الاستباحة والمجازر على غرار ما تفعل الآن في لبنان بعد غزة.
بطبيعة الحال يبدو من نافل الاستنتاج أن هدف التصفية الحاسمة والنهائية والإجهاز على البنية العسكرية والتسليحية الثقيلة لـ”حزب الله” قد شكل الإغراء الذي لا يقاوم لإسرائيل بعد نجاحاتها الخارقة والمتجاوزة لكل المتوقع في إيقاع الضربات العميقة في الحزب وصولاً الى اغتيالها أمينه العام التاريخي السيد حسن نصرالله. وهو إغراء يستند الى خلفية لا يمكن تجاهلها لكونها مقيمة في سيرة اليمين الإسرائيلي وتحديداً الليكود من شأنها أن تعزز المقارنة بين اجتياحي 2024 و1982 أقله لجهة تشابه ظروف الهدف ولو اختلف المستهدف بين فلسطيني ولبناني.
كان الثلاثي مناحيم بيغن وأرييل شارون وإسحق شامير على رأس الليكود في قيادة الاجتياح الأول حتى بيروت عام 1982 واقتلاع منظمة التحرير وترحيلها في ما شكل الزلزال الإقليمي الأكبر في تلك الحقبة، ولكن ذاك الاجتياح قاد بتداعياته الاستراتيجية الى عقد مؤتمر مدريد وإطلاق “مفاوضات السلام” ولو أن ذاك “السلام” ذهب أدراج الرياح والاحتراق المتدحرج بفعل رفض إسرائيل الثابت لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومعها لاحقاً إيران حين صارت محور النفوذ المتفشي في بلدان عربية وشكلت ضمناً وعلناً تحت شعار العداوة لإسرائيل الشريك الأشد شكيمة في دفن حل الدولتين.
ولأن مفارقات التاريخ لا ترحم، يتحول بنيامين نتنياهو اليوم، في قيادة الليكود نفسه للاجتياح الجديد للبنان بعد أعتى المذابح في غزة، الى محاولة تحقيق الهدف الأكبر إطلاقاً حتى من “إلغاء حماس” أي تصفية “حزب الله” في منتصف حملة متدحرجة على لبنان نعرف كيف بدأت ويستحيل أن نعرف كيف ستنتهي. ولذا، ولأنه الاجتياح البادئ لتوّه، في ذروة تفجر الصراع المتدحرج منذ سنة إلا أسبوعاً واحداً تماماً، لا معنى لكل المواصفات المحددة والمحدودة تماماً كما كان مصير ما يسمّى قواعد الاشتباك التي انهارت انهياراً أسطورياً من الحدود الى سائر لبنان والشرق الأوسط!