هل تخلّت إيران عن حzب الله؟
منذ اللحظة التي أعلن فيها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامينئي أن إيران لم تنادي يوماً برمي إسرائيل في البحر، بدا للكثيرين بأن تحوّلاً مهماً طرأ على موقف طهران من الصراع القائم في الشرق الأوسط والحرب الدائرة من غزة وصولاً إلى البقاع اللبناني منذ قرابة العام.
وجاءت مواقف الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشيكيان من نيويورك لتصبّ الزيت على نار الوضع اللبناني بشكل خاص، ولتذهب بالتحليل بعيداً جداً، حتى وصل الأمر بالبعض وبوسائل الإعلام المناهضة لمحور الممانعة إلى حدّ التأكيد بأن إيران قد تركت حزب الله وحيداً في المعركة، وشكك البعض الآخر بمصدر أجهزة “البايجرز” قائلاً إنها إيرانية الصنع للتدليل على أن النظام الإيراني مخروق من الموساد الإسرائيلي، وعلى أراضيه فُخخت هذه الأجهزة التي تفجّرت بأيدي نحو أربعة آلاف قيادي وعنصر من حزب الله.
مواقف بزشيكيان حول الحرب بين الحزب وإسرائيل جاءت صادمة لجمهور المقاومة، وأثلجت قلوب خصومه حتى الشماتة، فهو أكد بشكل لا لبس فيه عبر قناة “سي إن إن” الأميركية أن إيران لا تسعى إلى توسعة رقعة الحرب، وأن حزب الله بمفرده لا يستطيع مواجهة الجيش الإسرائيلي صاحب التفوق العسكري والتكنولوجي، قبل أن يلقي بالمسؤولية على الدول الإسلامية، داعياً إياها إلى ضرورة الإجتماع والبحث في سبل مواجهة إسرائيل. وأضاف الرئيس الإيراني أن إيران جاهزة لمفاوضات نووية مع الولايات المتحدة ومجموعة الخمسة زائداً واحداً للعودة إلى إتفاق العام 2015 والبرنامج النووي السلمي.
وبعد الكشف أن الحزب طلب إلى إيران الردّ بقوة على إسرائيل إثر ما لحق به من خسائر بشرية ومادية ضخمة، جاء الردّ بأن الوقت غير مناسب الآن مع وجود بزشيكيان في نيويورك، فركبت موجةُ الشماتة بحزب الله وسائلَ التواصل الإجتماعي، ومعها الإعلام الغربي وبعض العربي، إلى أن حاول المرشد الأعلى تصويب كلام الرئيس، فقال الخامينئي “إن حزب الله لن يتلقى الهزيمة باغتيال قادته وإيران لن تغير سياستها”، ما يعني استمرار توفير الدعم للحزب والحوثيين والمقاومة العراقية.
وبين ما قاله المرشد وما أعلنه الرئيس يبقى السؤال الأهم: هل تخلت إيران عن حزب الله؟
أما الجواب فيمكن تفنيده على الشكل التالي:
-الكلام عن تخلي إيران عن الحزب يمكن وضعه في سياق الحرب النفسية.
-بعض من يروّج لهذه الفكرة يجهل أهمية الحزب ودوره، والبعد العقائدي لدى محور المقاومة أو الممانعة.
-يمثل حزب الله الطرف الأقوى في المحور، ومخطئ من يظنّ أن المحور على الحياد في معركة كبرى.
-هزيمة الحزب تعني هزيمة إيران والمحور بكل أطرافه.
من هنا فإن الحرب على حزب الله، ستصبح حرباً لهم جميعاً كمحور.
أما فهم السلوك الإيراني الخارجي وديناميكيات السلطة في إيران، فأمر معقّد.
أولاً: لأن الموضوع الاستراتيجي وموضوع المحور مرتبطان بشكل رئيسي بالمرشد الأعلى والحرس الثوري الايراني.
ثانياً: يتقن الإيرانيون عملية توزيع الأدوار، واستخدام الثنائيات لتحقيق مكاسب دولية؛ فالرئيس بزشيكيان يوزع الابتسامات والكلام الدبلوماسي، بينما يستخدم الحرس الثوري لغة التهديد والوعيد بهدف الردع، ويقاتلون على الجبهات.
ثالثاً: تتقن إيران أساليب “الحرب الهجينة” في المناطق الرمادية، بمعنى أنها تضرب ولا تتبنّى، محتفظةً بالقدرة على الإنكار المعقول، والإبقاء على العمليات العسكرية تحت عتبة الحرب.
من هنا يمكن القول إن إيران ستقوم بمساعدة حزب الله، عبر وسائل غير تقليدية، واستخدام وأساليب هجينة لا تعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذريعة لإدخال الأميركيين في حرب شاملة في المنطقة.