وصول “البيجر” المفخخ إلى يد حzب الله: عملاء في إيران ولبنان… والاجهزة الباقية في المستودعات مفخخة ايضا”
فرزاد قاسمي – الجريدة الكويتية
في وقت لم يكد لبنان يستفيق من هول الصدمة والذهول اللذين خلّفتهما التفجيرات المتزامنة، أمس الأول، للآلاف من أجهزة اتصال البيجر التي يستخدمها «حزب الله»، وقعت أمس موجة ثانية من التفجيرات. وعلمت «الجريدة»، من مصادر أمنية، أن أكثر من 300 انفجار تم تسجيلها في مناطق عدة، خصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، وقرى الجنوب والبقاع ذات الأغلبية الشيعية. وقالت المصادر إن هذه التفجيرات الجديدة استهدفت أجهزة اتصال لاسلكية من نوع «آيكوم في 82» يابانية الصنع، موضحة أنه تم شراؤها بالتزامن مع أجهزة البيجر.
وتستخدم هذه الأجهزة ذات المدى المحدود للتواصل في مناطق جغرافية محددة، مثل التظاهرات والأحداث التي تتطلب إجراءات أمنية، وكذلك بين مواقع متقاربة. وفي حين لفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الشحنات المتفجرة في الموجة الثانية أكبر من الأولى، أبرزت حصيلة أولية سقوط أكثر من 300 جريح و9 قتلى.
وبينما سجلت انفجارات في أنظمة الطاقة الشمسية التي تستخدم بطاريات الليثيوم في عدد من المنازل بجنوب لبنان، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن الموجة الثانية كانت لهواتف محمولة وبطاريات الليثيوم وأجهزة تحديد الهوية البيومترية، إلى جانب أجهزة لاسلكية أخرى. إلى ذلك، كشفت المصادر أن الموجة الثانية شملت كذلك تفجير مناظير متطورة لاسلكية تعمل على صواريخ الكورنيت، ما أدى إلى مقتل عدد من المقاتلين العاملين عليها.
يأتي ذلك في وقت، لا تزال صدمة «عملية البيجر»، التي فجّرت فيها إسرائيل آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية، التي كان يستخدمها «حزب الله»، تتردد في لبنان والعالم، خصوصاً بسبب سقوط عدد كبير من الجرحى، بينهم مدنيون، وصل إلى 4 آلاف بأقل من دقيقة من دون أي إنذار مسبق، وكذلك لناحية إظهار الهجوم للفجوة التكنولوجية بين تل أبيب و«محور المقاومة» الذي تقوده إيران، في وقت كانت الأخيرة تتباهى بإنتاجاتها الناجحة لـ «أسلحة القرن الـ 21»، بما في ذلك المسيّرات والصواريخ الفرط صوتية.
وكشف مصدر في «فيلق القدس»، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، لـ «الجريدة»، التفاصيل والخطوط الرئيسية للعملية التي نفذتها إسرائيل أمس الأول، مؤكداً وجود عملاء في الداخل سواء في إيران أو في لبنان زودوا تل أبيب بمعلومات أساسية عن شحنة أجهزة «بيجر» لتبادل الرسائل، التي بدأ «حزب الله» استخدامها بشكل مكثف للاستغناء عن الهواتف الذكية المحمولة، التي يسهل تتبعها واختراقها في محاولة للتهرب من أنظمة تعقب المواقع الإسرائيلية.
وأوضح المصدر أن الحزب لجأ إلى شركة إيرانية – لبنانية لاستيراد الأجهزة. وفي محاولة لإخفاء هوية المشتري، قامت هذه الشركة باستخدام شركة وساطة تعمل في دبي لتسجيل الطلب لدى شركة تعمل في تايوان، وقامت الأخيرة، التي لم يذكر اسمها، بطلب شراء الأجهزة من شركة غولد أبولو Gold Apollo التايوانية المصنِّعة. وبحسب المصدر، طلب «حزب الله» إجراء تعديلات على الأجهزة لإطالة عمر البطارية إلى نحو تسعين يوماً وإضافة برنامج تشغيلي يناسب الأنظمة الموجودة في لبنان.
وقالت شركة «غولد أبولو» إنه يجب إجراء هذه التعديلات مع شركة «بي إيه سي» ومقرها في هنغاريا، والتي تملك ترخيصاً لاستخدام علامة «غولد أبولو» التجارية. وأشار المصدر إلى أن «بي إيه سي»، قامت بتغيير بطاريات الأجهزة واستبدلتها ببطاريات «ليثيوم» مصنعة من جانب شركة «موتورولا سولوسيون إس ايه إس» Motorola Solutions SAS، الفرنسية التي قامت كذلك بتنزيل برامج تشغيلية على الأجهزة كي تتطابق مع الأنظمة العاملة في لبنان.
وأضاف أن التحقيقات أظهرت أن بطاريات أجهزة البيجر كانت كلها ملغمة بـ 25 غراماً من مادة PETN الشديدة الانفجار، وكان هناك فيروس مزروع في برامج كل الأجهزة كي يتم تفجيرها في زمان معين.
وقالت «رويترز» إن ما يصل إلى 3 غرامات من المتفجرات كانت مخبأة في أجهزة البيجر الجديدة ولم تكتشفها الجماعة لعدة أشهر. ولم تظهر التحقيقات متى وكيف تم زرع المتفجرات والفيروس المخرب، وما إذا كان ذلك تم عبر «غولد أبولو» أم «بي إيه سي» أو «موتورولا سولوسيون إس إيه إس»، حسب المصدر الذي أشار إلى أنه لا يمكن إعادة برمجة هذه الأجهزة مجدداً عبر الاتصالات أو إدخال أي برنامج جديد عليها، وهو ما يعني أن الفيروس الخبيث كان مزروعاً فيها أثناء مرحلة التصنيع أو التعديل.
واستبعد المصدر وجود أي اختراق رقمي أو سيبراني أو أن يكون الهجوم تم عبر إرسال رسائل مكررة SPAM، لأن أياً من ذلك لا يمكن أن يقوم بتسخين البطارية بالنسبة الكافية لتفجيرها، إذ قد يؤدي فقط تشغيل الجهاز بشكل مكثف غير اعتيادي وفي حالات نادرة إلى مثل هذا الانفجار.
وأشار إلى أن خبراء «حزب الله» الأمنيين والتقنيين قاموا بفحص الأجهزة التي وصلت إلى لبنان في وقت سابق من العام، لكنهم أغفلوا فحص البطاريات، مضيفاً أن التحقيقات أظهرت أن الأنظمة التشغيلية للأجهزة كان تحتوي على فيروس مبرمج للعمل في تاريخ وساعة معينة وظيفته تشغيل الجهاز بأقصى طاقاته كي يسخّن البطارية مما يؤدي إلى انفجار عبوة الـ PETN المزروعة في البطارية.
ولفت إلى أن سبب تأخر انفجار بعض الأجهزة كان التأخر في ارتفاع حرارة البطارية، وأن الأجهزة التي كانت مطفأة أو أن التاريخ والساعة عليها لم يكونا دقيقين، لم تنفجر، وعليه فإن بعض عناصر «حزب الله» الذين تلقوا خبر الانفجارات أو شعروا بحرارة عجيبة قاموا بإبعاد الأجهزة على الفور عن أنفسهم ونجوا من التفجير.
وأشار المصدر إلى أنه تم الكشف عن باقي أجهزة البيجر المخزنة في المستودعات والتي لم يتم تسليمها وتبين أن بطارياتها كانت ملغومة بنفس المتفجرات. وكشف أن الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» بدآ تحقيقات للوصول إلى الجهات والأشخاص المرتبطين بالاختراق الأمني الخطير، كما جرى توقيف جميع العاملين في الشركة الإيرانية ـ اللبنانية التي قامت باستيراد الأجهزة والتحقيق معهم.
وقال إنه بغض النظر عن الطريقة التقنية والفنية التي استخدمتها إسرائيل في تفخيخ وتفجير الأجهزة، فإنها احتاجت إلى عميل داخلي في إيران أو في لبنان قام بكشف معلومات شراء هذه الأجهزة وتسليمها للحزب، وعلى أساس هذه المعلومات تصرفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.