ضحايا التفجيرات الى ارتفاع.. و90% من الإصابات في العيون والأصابع
واجه القطاع الصحي في لبنان وضعا صعبا جدا للمرة الأولى ، حيث صبّ عدد ضخم من الإصابات المعقّدة بفعل حرب الغدر الاسرائيلية على المستشفيات دفعة واحدة
وكتبت” الاخبار”:20 شهيداً وأكثر من 470 جريحاً بينهم 150 في حال حرجة، كانت حصيلة أولية للجولة الثانية من تفجيرات الأجهزة اللاسلكية، أمس، كان فيها للجنوب الحصّة الأكبر، تليه بعلبك ومن بعدها بيروت. يضاف هؤلاء إلى جردة لم تنته منذ أول من أمس، فاق فيها عدد الجرحى الـ2800، إضافة إلى 12 شهيداً.صحيح أنه لا يمكن مقارنة انفجارات الـ«بايجر» بانفجار مرفأ بيروت قبل أربع سنوات من حيث أعداد المصابين، إلا أنّ «ما كان مقلقاً هذه المرة هو عدد الإصابات الحرجة والخطيرة»، وفق نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، إذ وصل عدد الإصابات الحرجة جداً إلى حدود 300، بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الصحة العامة، معظمها إصابات متشعّبة، بحيث إنها ليست محصورة في عضو معيّن أو مكان بعينه. وفي هذا السياق، يشير هارون إلى أن غالبية الإصابات «كانت في العيون وأصابع اليد، والبطن أو في الثلاثة معاً». وهو ما يؤكده اختصاصي الجراحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور محمد جواد خليفة، بأنّ ما يفوق الـ90% من الإصابات التي سُجّلت منذ أول من أمس هي إصابات مزدوجة في العين وأطراف الأصابع. وبيت القصيد هنا أن هذه النوعية من الإصابات تستوجب «عناية فائقة وإجراء أكثر من عملية والحاجة إلى أكثر من جراح». وهذا المرهق في المشهد الحاصل اليوم، إذ إن كل إصابة كانت تعادل إصابتين أو ثلاثاً، وهذا أيضاً يعني عملياً أننا لم نكن أمام 3000 مصاب، وإنما أمام 6000 وحتى 9000. فرغم أن الأجهزة لا تحمل قوة تفجيرية عالية، إلا أن «المشكلة أنها كانت موجّهة وقريبة وطاولت مناطق حساسة: العين والأصابع وجدار البطن. ولذلك، تعرّض الكثير من هذه الأعضاء لضرر كبير وحتى التلف». وهو ما أكّده بعض جراحي العين والترميم الذين شاركوا في علاج المصابين، لافتين إلى أن عدداً كبيراً من المصابين في عيونهم «خسروا إحدى عينيهما نهائياً أو كلتيهما»، وإن حالف الحظّ أحدهم، فإما أن الطبيب نجح في ترميم عينيه أو أن عليه أن ينتظر طويلاً ريثما يكتمل علاجه الذي سيكون مستقبلاً إما زرع قرنية أو زرع بؤبؤ اصطناعي أو غيره، لأن أحداً «لم يخرج بعينين سالمتين مئة بالمئة». وهو ما أكّده طبيب العيون، النائب الياس جرادي، المنخرط منذ أول من أمس في قلب معركة ترميم عيون المصابين، إذ أشار إلى أن «غالبية الإصابات التي وصلت إلى المركز التخصصي للعيون كانت في غالبيتها بليغة، استطعنا إنقاذ بعضها، فيما بعضها الآخر كان تالفاً»، مؤكداً أنه «لا داعي لإرسال المصابين إلى الخارج لأننا نملك أحدث التقنيات وأهم الأطباء»، مشيراً إلى تواصل عدد من الأطباء الأردنيين للقدوم إلى لبنان، «وكان جوابي أننا بحاجة إلى طواقم طبية متكاملة وليس إلى أطباء لأنه ليس لدينا نقص في أطباء العيون».
قرار استئصال العيون التالفة لا يحدث إلا بعد التأكد من أن المتبقّي من العين لا يمكن ترميمه أو علاجه. والأمر نفسه ينطبق على من تلقّوا الضربات في أيديهم، حيث خسر كثيرون أصابعهم وطاول البتر في بعض الأحيان 4 أصابع، بحسب بعض الأطباء. وبسبب صعوبة بعض القرارات، شكّلت نقابة الأطباء في بيروت خليتين استشاريتين لمواكبة الأزمة وإبداء الرأي العلمي والطبي في الحالات المُصابة. تضمّ الأولى أطباء من اختصاص العيون والثانية أطباء اختصاصيين في جراحة وترميم اليد والأصابع، وفي كل خلية متخصّصون فرعيون ضمن الاختصاص الواحد (subspecialties) لتقديم الاستشارات ودراسة الملفات الطبية وتقديم الرأي الطبي المناسب «ومن بعدها تشكل كل لجنة لجنة أخرى جديدة لدراسة الحالات وإعطاء التوصيات بحسب المعايير الطبية المعتمدة». ولذلك، من المبكر اليوم حصر نوعية الإصابات البليغة والعميقة لكونها تحتاج إلى مراحل من العلاج وإجراءات طبية قد تأخذ بعض الوقت، بحسب خليفة.
استطاع القطاع الصحي أن يتجاوز «القطوع» الأول، والثاني أمس، إذ تمكّن من استيعاب الكارثة منذ «نصف الساعة الأولى»، بحسب وزير الصحة العامة فراس الأبيض. وهذا كان جزءاً من خطة الطوارئ التي درّبت على أساسها المستشفيات. وفي هذا السياق، يشير هارون إلى أنه مع وقوع الانفجارات وبدء عمليات الإسعاف «استدعت المستشفيات طواقمها الطبية والتمريضية وحتى الإداريين من خلال مجموعة على الواتس آب كان كافياً إرسال كلمة السر عليها حتى كان الكل جاهزاً بانتظار الجرحى». كان هذا أول «انتصار» بالنسبة إلى هارون. وبحسب نقابة الأطباء في بيروت، انخرط كل الأطباء في العمل، حتى ممن ليسوا من الاختصاصات المطلوبة أي جراحة العظام والترميم والعيون والجراحين العامين، حيث كان لافتاً «حضور اختصاصات مثل جراحي المسالك البولية والقلب وغيرهم للمشاركة في إسعاف الجرحى، إذ كان هناك عدد كبير من الإصابات تحتاج فقط إلى تضميد الجراح أو إلى وقف النزيف قبل اتخاذ القرار المناسب، وهذا ما كان يعطي مرونة في التعاطي».
ولذلك، لم يشكّل حدث استقبال ما يقرب من 3 آلاف جريح بلبلة في معظم المستشفيات التي عملت في معظمها على إسعاف الجرحى وإجراء العمليات الطارئة التي وصل عددها حتى ما قبل ظهر أمس إلى 460 عملية أجريت غالبيتها في الوجه والعيون وأطراف الأصابع. وبحسب مدير العناية الطبية في وزارة الصحة، جوزف الحلو، هناك ما لا يقل عن 200 حالة قاسية جداً تحتاج إلى إجراء عمليات ضرورية، مشدّداً على أن «90% من هذه العمليات ستُجرى في بيروت». أما الأعداد التي خرجت حتى اللحظة، فهي بعض الحالات التي أحيلت من مستشفيات البقاع إلى مستشفيات سوريا لقرب المسافة، ودفعة من حوالى 95 مصاباً أجليت أمس إلى
إيران للعلاج، معظم إصاباتهم كانت في عيونهم.
أما بالنسبة إلى الحالات الحرجة التي استدعت الدخول إلى غرف العناية الفائقة، فقد كانت في معظمها لمصابين في الوجه بحيث تسببت الإصابات إما بانقطاع التنفس والحاجة لوصل المصابين على أجهزة التنفس الاصطناعي أو لحدوث نزيف في الدماغ. وليس بعيداً عن غرف العناية الفائقة، فقد ازدحمت بعض المستشفيات بأعداد مصابين احتاجوا إلى الاستشفاء، وبحسب وزير الصحة العامة قاربت نسبة من احتاجوا إلى الدخول إلى المستشفيات الثلثين، أي بحدود 1800 من أصل 2800 جريح.