القاضية اسكندر قادرة على الانضمام للادّعاء… ماذا سيحصل للتحقيق في ملفّ سلامة؟
المصدر: النهار
لم تستطع رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر حضور جلسة استجواب حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعدما مُنِعت من ذلك، من خلال قرار صادر عن قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة في بيروت بلال حلاوي، فإذا بذلك القرار يثير الكثير من الاستغراب خاصّة على المستويين القانونيّ والسياسيّ في مرحلة متسارعة الوتيرة، ما يحدو الى التقصّي عن الأجواء المعرقلة التي حالت من دون قدرة رئيسة هيئة القضايا على المشاركة رغم كلّ الاهتمام الذي كانت قد اتخذته لهذا الهدف. وجاء في المنع أنّ “رئيسة هيئة القضايا لا تمتلك صفة للانضمام إلى ادعاء النيابة العامّة الماليّة في جلسة رياض سلامة، لأنها لا تحوز على ترخيص بالادّعاء من الوزير المختص”.
وتبدأ فلفشة أوراق هذه المسألة بحثاً عن استنتاجات دقيقة حول إن كانت القاضية هيلانة اسكندر تستطيع الانضمام إلى الادعاء من عدمه، بدءاً من الرجوع إلى 18 نيسان 2023 عندما ردّت #وزارة المال على كتاب هيئة القضايا حول موضوع انضمام الدولة اللبنانية إلى الدعوى العامّة المقامة من النيابة العامّة الاستئنافية في بيروت بحقّ المدّعى عليهم حاكم مصرف لبنان (السابق) رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة وماريان الحويك ومن يظهره التحقيق أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت.
وبعدما أخذت وزارة المال علماً بخصوص انضمام الدولة اللبنانية إلى الدعوى العامّة المقامة من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، ردّت بأن على الهيئة القيام بما تراه مناسباً في هذا الخصوص، مع العلم بأنه قانوناً لا علاقة لوزارة المال بإبداء الرأي بشأن موضوع الادعاء بحقّ المدّعى عليهم. هكذا يمكن الانطلاق من نقطة أساسية في زحمة اشتداد الاختلاف حول إن كان انضمام هيئة القضايا إلى الدعوى بحاجة لترخيص من وزارة المال من عدمه. بذلك، إن من يطالب هيئة القضايا بأخذ موافقة وزارة المال للمشاركة في تقديم الدعوى، يغفل أنّ الهيئة كانت سألت وزارة المال عن الموضوع، لكن الأخيرة أكّدت أنّ على الهيئة القيام بما تراه مناسباً. وتالياً، يمكن طيّ ذريعة ضرورة موافقة وزارة المال، لأن هيئة القضايا قامت أساساً بما عليها في هذا الخصوص. من هنا، يمكن أن تتضح نقطة أساسيّة فحواها أنّ في الإمكان مشاركة هيئة القضايا في الدعوى من دون حاجة لأخذ موافقة وزارة المال.
أبعد من ذلك، ورغم أنّ وزارة المال دحضت الرأي الذي يقول بالحاجة إلى ترخيص لانضمام هيئة القضايا إلى تقديم الدعوى، هناك تفسير قانونيّ مستفيض لناحية تأكيد عدم الحاجة لطلب الحصول على ترخيص، وذلك استناداً الى المادة 16 من المرسوم الاشتراعي رقم 151 الصادر بتاريخ 16 آذار 1983 المعدّل بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 23/1983 والمختصّ بتنظيم وزارة العدل اللبنانية. وتالياً، يمكن لرئيسة هيئة القضايا المشاركة في تقديم الدعوى بقوّة القانون الذي يعطيها صلاحية مستمدّة من الأحكام الصريحة التي لا تحتاج إلى تفويض أو إذن للادعاء.
وتنصّ المادة 16 على تولّي رئيس(ة) هيئة القضايا تمثيل الدولة في لبنان والخارج أمام جميع المحاكم العدلية أو الإدارية أو التحكيمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وسائر الهيئات ذات الصفة القضائية وذلك إما شخصياً وإما بواسطة أحد المعاونين من قضاة الهيئة أو أحد محامي الدولة، وحيث إنّ الدستور اللبناني في فصله الأوّل من بابه الأوّل يشير إلى مصطلح الدولة اللبنانية بشكل مستقلّ عن السلطات الأخرى الوارد تحديدها تفصيلاً من الباب الثاني ومنها السلطة الإجرائية، مما يجعل التمايز قائماً في المفاهيم والتأكيد جليّاً على اعتبار أن للدولة مفهوماً اعتباريّاً مستقلّاً وهي الشخص المعنوي الممثل، ولا سيما في ضوء المرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 12 حزيران 1959 المتعلّق بتنظيم الإدارات العامة والمرسوم التنظيمي رقم 2894 تاريخ 16 كانون الأول 1959 الملحق به والمتعلّق بتحديد شروط تطبيق بعض أحكامه، إذ يتألف جهاز الدولة المركزيّ الذي يعود لهيئة قضايا الصفة في تمثيل مصالحه المشروعة، من مجموع المديريات العامة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة ومن الوزارات المحدّدة في متنه، وبالتالي لا يكون التمثيل قائماً لوزارة بعينها على وجه مستقلّ لإيلاء أي سلطة للوزير في مضمار السماح بالتقاضي، بل للجهاز المركزيّ بكليّته كشخص اعتباريّ هو الدولة اللبنانية، على اعتبار أن الضرر الموجب للمداعاة يلحق بخزينة الدولة اللبنانية بحدّ ذاتها لا بالذمة المالية لوزارة دون أخرى، وكذلك الأموال المحصّلة نتيجة تنفيذ الأحكام العائدة لمصلحتها.
كذلك أكّدت المادة 16 أن التمثيل العائد لهيئة قضايا الدولة هو نيابة قانونية إلزامية وحصرية أي تم إيلاؤها بموجب نصّ قانونيّ صريح حتمي ووجوبيّ، ويتّسم بالديمومة الملازمة للتشريع الراهن.
ثمّة ثغرة كان في إمكان قاضي التحقيق الأوّل تجنّبها انطلاقاً من مصدر نيابي قانونيّ متضلّع ومتعمّق في الملف، ذلك أنه بحسب ملاحظاته لـ”النهار” كان لا بدّ من تطبيق المادة 70 من أصول المحاكمات الجزائية التي لم تطبّق. ويثني المصدر النيابي على أهمية أن تحضر هيلانة اسكندر خلال استجواب حاكم مصرف لبنان السابق، لأن ذلك يعزّز موقع الدولة اللبنانية والحفاظ على أموالها. ويمكن لوزير المال تقديم الترخيص حتى إن لم يكن ضرورياً منعاً لأي جدل.
وتنصّ المادة 70 على أنّ للنائب العام أن ينازع في صفة المدّعي الشخصي للادعاء قبل السير بالتحقيق. للمدّعى عليه أو لوكيله أن يدلي بهذا الدفع قبل الاستجواب. على قاضي التحقيق، بعد أن يبلغ المدّعي الشخصي هذا الدفع ويمهله 24 ساعة للجواب، أن يبتّ فيه بعد استطلاع رأي النيابة العامّة الاستئنافية.
حتى إن كان هناك مرجع قانونيّ آخر من داخل القضية يقول إنّها “قضية تتعلّق بالأموال الخاصّة بالمصرف المركزي ولا علاقة للدولة اللبنانية بها، حيث لا يجوز حضور هيلانة اسكندر في جلسات استجواب حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة”، فإنّ المعطيات الدقيقة الآنفة التي أكّدتها “النهار” تبيّن أهمية انضمام رئيسة هيئة القضايا إلى الدعوى وتالياً مشاركتها في الاستجواب، كما حقّها في ذلك لأنها رئيسة هيئة تملك صلاحيّة الدفاع عن حقوق الدولة اللبنانيّة فيما عدم المطالبة بحقوق الدولة اللبنانية قد يفقد الدولة إيّاها.
ماذا بعد منع هيلانة اسكندر من المشاركة في الاستجواب؟ وهل ثمّة مخاوف من ضغوط أو تأثيرات على التحقيق لعدم توسيعه؟ تأكّد أنّ القاضية اسكندر استأنفت قرار عدم قبول انضمامها إلى الدعوى وذهب القرار إلى الهيئة الاتهامية التي لا بدّ من أن تعمل على إجابتها، وإن لم يلقَ جواب الهيئة الاتهامية تحبيذ رئيسة هيئة القضايا يمكن للأخيرة عندئذ أن تلجأ إلى محكمة التمييز. يلاحظ أن المسألة سلكت مسارها القانونيّ حالياً مع التأكيد في أروقة سياسية وقانونية على أداء جيّد لقاضي التحقيق بلال حلاوي الذي أظهر مساراً يسعى لإظهار الحقيقة حتى اللحظة، رغم الإشكالية التي حصلت مع رئيسة هيئة القضايا لكن لا ملاحظات حالياً حول التحقيق.