سعر باسيل الجديد في الضاحية قد تدنى
أتى خروج أو إخراج النواب الأربعة من “التيار”، مترافقا مع صمت مطبق من “الحزب” حيال ما يمر به شريكه في “تفاهم مار مخايل”. مع العلم أنّ قيادة “التيار” لم تقصر حتى الآن في مواكبة شؤون “الحزب” وشجونه المتصلة بجبهة المساندة المتفجرة بلا توقف في جنوب لبنان. فهل من تفسير لهذه الظاهرة في مسار العلاقات التاريخية بين الجانبين؟
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
لم تصدر عن “حزب الله” مباشرة أية إشارة إلى أنه معني بما يحدث في “التيار الوطني الحر” من تحولات . وأتى خروج أو إخراج النواب الأربعة من “التيار” ، مترافقا مع صمت مطبق من “الحزب” حيال ما يمر به شريكه في “تفاهم مار مخايل”. مع العلم أنّ قيادة “التيار” لم تقصر حتى الان في مواكبة شؤون “الحزب” وشجونه المتصلة بجبهة المساندة المتفجرة بلا توقف في جنوب لبنان. فهل من تفسير لهذه الظاهرة في مسار العلاقات التاريخية بين الجانبين؟
من أجل الوصول إلى جواب على هذا السؤال، لا بد من تتبع ما يدور على المستوى الإعلامي في الضاحية وميرنا الشالوحي في هذه المرحلة. ويظهر في هذا الإطار، كم أنّ الانقسام عميق بين الشريكين. ففي حين يتصرف “حزب الله” على أساس أن “لا صوت يعلو على صوت المعركة” الدائرة بلا هوادة على الجبهة الجنوبية، يغرق “التيار” في أزمة الانقسامات العاصفة التي جعلته أشبه بشجرة في خريف العمر تساقطت أوراقها وباتت آيلة للسقوط بالكامل.
لكن على الضفاف الإعلامية ، ظهرت أيضاً حقبة تسعير جديدة لوزن الشراكة بين “الحزب” و”التيار” بعد مرور 18 عاماً على ولادتها في “التفاهم” الذي أبرمه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ومؤسس “التيار” العماد ميشال عون. واكتسبت هذه الحقبة زخماً لافتاً في الأيام الماضية تحت عنوانين : التطور القضائي المتصل بملف حاكم مصرف لبنان الأسبق رياض سلامة، والتطور النيابي المتصل بوزن “التيار” الجديد في البرلمان بعد خروج أربعة نواب منه.
في العنوان الأول، اشتعلت نيران عكس ضراوتها هشيم العلاقات الجافة بين الضاحية وميرنا الشالوحي. فعندما سارع “التيار” إلى ركوب موجة توقيف سلامة وكأنه أحرز انتصاراً مبيناً، كانت وسائل إعلام محسوبة على “الحزب” تقف في المرصاد. واستغربت إحدى هذه الوسائل المرموقة “التهليل المبالغ فيه ” لـ”التيار” لتوقيف الحاكم السابق للمركزي . ولفتت إلى “أنّ هذا “التهليل” لا يخفي حقيقة مسؤولية “التيار” ورئيسه النائب جبران باسيل والرئيس السابق ميشال عون عن التمديد لسلامة”. أضافت: “ورغم كل محاولات النفي السابقة – واللاحقة – على لسان عون وباسيل، فإنّ ما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي أقرّت التمديد يعرفه كل من كان في الجلسة وخارجها، كما يعرفون أن أي طرف لم يتخطّ رئيس الجمهورية الماروني في التمديد لموقع ماروني من الصف الأول. ولا يمكن للتيار أن يخفي تغطيته لسلامة في سنوات العهد، والاستفادة منه، قبل أن يشنّ حملة إعلامية ضده”. وخلصت هذه الوسيلة الإعلامية إلى القول :”هذا ما يحاول “التيار” تكراره اليوم مع النائب إبراهيم كنعان بالتنصّل منه، وكأنّ كنعان تصرّف كرئيس للجنة المال والموازنة منفصلاً عن سياسة “التيار” وإدارته للملفات المالية واستفادته منها لسنوات”.
في العنوان الثاني، أي الحال النيابي الذي صار إليه “التيار” ، يقول الرد الإعلامي المحسوب على “الحزب” أنّ كتلة شريكه هي في طور التفكك. والبرهان هو في خروج أربعة نواب منه (الياس بوصعب وآلان عون وسيمون أبي رميا وابراهيم كنعان) بعدما خرج قبلاً اثنان (محمد يحيى وجورج بوشكيان). كما تدنى عدد أعضاء كتلة “التيار” من 21 إلى 15 نائباً ،من بين هؤلاء خمسة نواب مدينون بانتخابهم لحليفه السابق “حزب الله”. يضيف هذا الرد: “الأكثر مدعاة للضعف أنّ “التيار” فقد تمثيله في الدوائر المفترض أنها تعبّر عن شعبيته وحيثيته السياسية في جبل لبنان المنتخبين بأصوات قاعدته (بعبدا والمتن وجبيل)”. وخلص هذا الرد إلى القول: “مغزى صورة الضعف المضفاة على التيار الوطني الحر أن التمثيل المسيحي أضحى موزعاً على ثلاث كتل مسيحية أقواها حزب القوات اللبنانية محتفظاً مع حلفائه من غير الحزبيين بـ20 نائباً”.
في المقابل، نزل “التيار” ب”قضه وقضيضه” كما يقال كي يتقي السقوط في حفرة هو من حفرها. ومن تابع الاطلالات الإعلامية الأخيرة لباسيل يجد أن الأخير في حالة هجوم كي يدافع كما كان الحال في أزمنة حامية خلت. فشهر باسيل أول ما شهر سلاح تمايزه عن “الحزب” في القول أنّ “التيار هو مع الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل ولكنه ليس مع ربطه بحروب ليس له مصلحة فيها”. ثم شهر باسيل السلاح التالي المتصل بموضوع توقيف سلامة. فأشار إلى أن “التيار الوطني الحر هو الوحيد الذي تجرّأ على المواجهة في هذا الملف “.
وتعليقًا على خروج النواب الأربعة من التيار، قال باسيل: “من يرحل من التيار يرحل وحده”.
غير أن باسيل أدرك كم أصبحت الورطة التي بلغها “التيار” عميقة، فشدد على أنّ “المطلوب من التيار سياسيًا هو العودة إلى الحالة الشعبية الذي كان بها في ال ٢٠١٨ والتواصل مع الناس وعدم تركها مضللة ومشوشة”. لكن باسيل وسط هذه الهبة التي هبّها كي ينقذ ما يمكن إنقاذه من سفينة “التيار” الغارقة، صوّب اتهامه نحو الشعب اللبناني ، فقال “إنّ جمهور الفساد في لبنان أكبر من جمهور الاصلاح”! وخلص إلى إطلاق صيحة تعيد إلى الذاكرة صيحة طرزان في زمن السينما بالابيض والأسود ، فقال إنّ “الداخل والخارج التقيا على تفكيك التيار ورسم سياسة له خارجة عن قضيته ومبادئه وسياسته “!
بالعودة إلى السؤال الذي ورد آنفاً حول ما إذا كان هناك من تفسير لهذه الظاهرة في مسار العلاقات التاريخية بين “التيار” و”الحزب”؟ بناء على ما سبق، وهو غيض من فيض يتبيّن أن “التيار” مسكون بهاجس “اليوم التالي” بعد الإعلان رسمياً أن تيار الاحداث في لبنان قد جرف “التيار”. لذلك يفتش وريث الزعامة في “التيار” عن خشبة خلاص ما ، على غرار ما ألمحت إليه قناة “التيار” التلفزيونية السبت الماضي بالقول أن باسيل عقد خلال الاسبوع الماضي “سلسلة لقاءات سياسية في أوروبا مع شخصيات عدة كانت متواجدة هناك، أو انتقلت عمداً لملاقاته”. وفي الوقت نفسه لم تفلح محاولات “التيار” الأخيرة بمغازلة “القوات اللبنانية” على خلفية الخطاب الأخير للدكتور سمير جعجع.
في المقابل، يصارع “الحزب” أمواجاً عاتية كشف عن بعضها أخيراً وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، قائلاً أن “إسرائيل نقلت لنا رسالة عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار في لبنان حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة” . أما في إسرائيل، فقد أعلن رئيس الأركان في الجيش هناك هرتسي هاليفي “أن قواته تستعد لاتخاذ خطوات هجومية داخل لبنان”.
هل من مبالغة في القول أنّ “سعر” باسيل الآن في الضاحية قد تدنى في سوق بات يتعامل مع “التيار” كسلعة على وشك انتهاء صلاحيتها؟