وضع المؤسسة العسكرية إلى مزيد من التأزم بعد قرار الشورى؟
“فتوى” مجلس شورى الدولة التي أبطلت قبيل فترة قصيرة قرارا أصدره وزير الدفاع الوطني موريس سليم أباح تمديد سن التقاعد لاثنين من أعضاء المجلس العسكري لدى وزارة الدفاع (اللواء بيار صعب واللواء محمد مصطفى)، والتي أتت بناء على طعن قدمه أحد الضباط من ذوي الرتب العالية، لم تكن إلا نقطة تضاف إلى كوب الخلافات المترع أصلا منذ زمن بين وزير الدفاع وقائد الجيش العماد جوزف عون.
واستطرادا، لم تكن تلك الفتوى إلا مادة جديدة من مواد سجل الخلافات والصراعات بين أعلى رأسين في هرم المؤسسة العسكرية، وهو ما بدد قسما من هيبة هذه المؤسسة وصورتها الانضباطية بما جعلها إلى فترة ليست بعيدة تسمو فوق الشبهات، وهتك أسرارها من جهة وعطل الكثير من الإجراءات والتدابير التي يتعين أن تتخذها هذه المؤسسة لضمان حسن سير العمل والتراتبية فيها، بعدما كان يضرب المثل بانضباطيتها وتأديتها للأدوار والمهمات المنوطة بها باعتبارها صمام الأمن والأمان وضمان الاستقرار في البلاد عموما.
ثمة من يعتبر أن “الحكم” الصادر لتوه عن مجلس شورى الدولة، قد حقق انتصارا معنويا للقائد على الوزير وإرادته، وبذا يمكن إدراج ما حصل في خانة نتيجة من نتائج المكاسرة والمنازلة وعملية تصفية الحساب الدائرة بين الرجلين، تارة معلنة وأخرى محجوبة، والتي تعود وفق المعلوم إلى بدايات تأليف الحكومة الحالية التي باتت أخيرا بوضع تصريف أعمال.
“اختبارات قوى” عدة دارت بضراوة بين الرجلين، وكان من أبرز محطاتها:
– تعيين رئيس الإركان في الجيش والذي بقي معلقا إلى الآن، لأن الوزير رفض أن يوقع قرارا بتعيين ضابط انتقاه العماد عون في هذا المنصب “بالتفاهم مع وليد جنبلاط”. وهذا الأمر كان له تداعياته السلبية على سير العمل في المؤسسة.
– اعتراض الوزير سليم الصريح على التمديد لقائد الجيش بعد نهاية ولايته، والذي لم تجدِ معه كل المحاولات والجهود لإبرام تفاهم يثنيه عن اعتراضه.
– أخيرا وليس آخرا كانت عملية امتناع الوزير عن توقيع مرسوم إلحاق تلامذة الكلية الحربية الذين اجتازوا بنجاح اختبار الدخول. وبقي الأمر معلقا لأشهر إلى أن كلفت الحكومة وزير الثقافة إيجاد تسوية تنهي الإشكال الحاصل، وقد نجح في إنجاز المهمة عبر تسوية مركبة أرضت الطرفين.
لكن ذلك على بلاغته، لم يحقق رهان البعض على أن تطوي هذه الصيغة التسووية صفحة الخلافات القائمة منذ زمن بين الرجلين، واستطرادا لم “تحرر” المؤسسة العسكرية من تداعيات هذا الخلاف وآثاره السلبية عليها.
ومع دنو موعد انتهاء سنة التمديد الإضافية لقائد الجيش عبر قرار من مجلس النواب قضى بتأخير تسريحه وضباط كبار آخرين سنة واحدة من الجيش، فإن السؤال مثار بإلحاح عن مستقبل قيادة الجيش في ظل استمرار الخلافات والصراعات على حالها في داخل المؤسسة العسكرية.
واستتباعا، هل ثمة ما يوحي بأن ولاة الأمر في مؤسسة الحكم قد شرعوا في إنضاج تسوية ما تحول دون امتداد الشغور إلى منصب قيادة الجيش؟ أم أن الأمر متروك كما هي العادة إلى ما قبل فترة بسيطة من انتهاء سنة التمديد للعماد عون، ليكون في متاحا لاحقا فرض تسوية معينة مطلوبة في ربع الساعة الأخير؟
كجزء من الرد على هذه التساؤلات، يقول رئيس لجنة الدفاع والأمن النائب جهاد الصمد لـ “النهار”: “بصراحة ليس عندنا أي معطيات واضحة تجعلنا نستشرف طبيعة التسوية المحتملة لهذا الموضوع البالغ الأهمية، على رغم أن الأمر موضع تداول في أروقة مجلس النواب ولجانه من باب تدارك المحظور بفعل تعمق الخلافات في المؤسسة، والعجز عن إيجاد حلول وتسويات مرضية وفي وقتها”.
ويستطرد: “ما يرفع منسوب القلق والريبة عندنا هو هذا الوضع السلبي الذي آلت إليه المؤسسة العسكرية منذ انفجار التباينات والخلافات بين الوزير (هو ابن هذه المؤسسة) وقائد الجيش. ولا نبالغ إذا قلنا إن الخلاف بات سمة من سمات هذه المؤسسة المهمة”.
“في كل الأحوال”، يضيف الصمد، “ما زلنا على يقين أن التمديد لولاية القائد، هو أمر مطلوب بإلحاح من قسم من الداخل والخارج على حد سواء. إذ إن ثمة اعتقادا يسري منذ فترة في الأوساط السياسية والنيابية على حد سواء، فحواه أن قائد الجيش سيكون المولج الموثوق به ليكون رجل المرحلة المقبلة، خصوصا إذا ما كان ثمة توجه دولي للعمل على إنفاذ مضامين القرار الأممي 1701بعد أن تضع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية والجنوب أوزارها، من خلال نشر قوة إضافية من الجيش اللبناني في الجنوب لمؤازرة قوة “اليونيفيل” المنتشرة هناك، وضمان إنفاذ هذا القرار”.
ويتابع الصمد: “بناء على هذا يبرز في الأوساط السياسية والعسكرية من يطرح أفكارا لتسهيل التمديد لقائد الجيش من خلال إقرار قوانين وتشريعات تسمح لمن يرغب من ضباط الأسلاك من ذوي رتب عالية بتأجيل تسريحهم. وفي حال إقرار مثل هذا التشريع، فسيكون مقدمة لتشريع تمديد ولاية قائد الجيش”.
وردا على سؤال يجيب: “نستشعر ويا للأسف عملية تدمير للمؤسسة العسكرية تجري تحت أبصارنا، خصوصا بعدما باتت هذه المؤسسة تعيش في وضع صراعي – انفلاشي غير مسبوق من جراء تجدد الخلافات حول العديد من الملفات المتعلقة بها، بين الوزير وقائد الجيش، ونشعر أيضا بأن هناك مساعي خفية تبذل من هذه الجهة أو تلك للي ذراع وزير الدفاع، من خلال لعبة الخروج عن الأصول القانونية التي ترعى عمل المؤسسة، في مقابل تكريس أعراف محدثة، وهو ما يعمق أزمة المؤسسة ويفاقم صراعاتها”.
ويخلص الصمد إلى القول: “نقول هذا ليس دفاعا عن جهة أو نيلا من جهة أخرى، بل من منطلق الحرص على المؤسسة العسكرية التي نعرف جميعا أهمية دورها والحاجة إليها في هذه المرحلة”.
ابراهيم بيرم – النهار