خيبة أميركيّة من التغييريّين.. والثنائيّ لا يستعجل الحوار
بضحكة لا تخلو من السخرية يعلّق مصدر وزاري على طلب المعارضة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسة عامة لمناقشة حكومة تصريف الأعمال حول موضوع الحرب في الجنوب. يسأل: هل في نيّة المعارضة مساءلة الحكومة بغرض طرح الثقة بها أم المطالبة بإقالتها وهي حكومة تصريف أعمال؟ وما الذي ترغب المعارضة في معرفته ولم تعرفه بعد؟ قبل سؤالها الحكومة تقدّم نواب المعارضة بسؤال إلى أحد الوزراء في الحكومة بشأن مناقلات داخل وزارته ليتبيّن أنّ الوزير التزم نطاق صلاحيّاته.
مرّة جديدة تصطدم المعارضة بفشل خطواتها. مسعى رئاسي لم يرقَ في تقويم الثنائي إلى مستوى مبادرة واضحة المعالم. لم يقابل بجدّية من قبل كتل نيابية عديدة. وبينما لا يزال نواب المعارضة ينتظرون موعداً للقاء كتلتَي الثنائي النيابيّتين، يبدو أنّ الثنائي يتأنّى في تحديد الموعد لأنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه.
ردّ رئيس المجلس الصاع صاعين للمعارضة. رفضوا دعوته إلى التشاور حول رئاسة الجمهورية، فلم يتلقّف مبادرتهم الرئاسية. يقول البعض إنّ المعارضة أوقعت نفسها في الفخّ. تريد لمن رفضت دعوته أن يلبّي دعوتها وقد نزعت عنه أيّ دور من موقعه كرئيس لمجلس النواب. آخرون فضّلوا لو يستقبل برّي وفد المعارضة ليقطع عليها الحجّة بالتعطيل.
استمهل الثنائي المعارضة لتحديد موعد لاستقبال نوابها. انقسم رأيه بين وجهتي نظر: واحدة ترغب باستقبالهم وإبلاغهم الموقف الصريح من طرحهم، وأخرى لم تجد نفعاً من مناقشة طرح مرفوض من أساسه.
لا يجد الثنائي مصلحة بفتح حوار مع معارضة تقدّمت باقتراحين لا يلتقيان مع تطلّعاتها الرئاسية. لا يريدان إعلان رفض المقترح من أساسه. كان الحزب أقرب إلى تحديد الموعد لولا أن لمس تحفّظ عين التينة فجيّر القرار بهذا الشأن للرئيس بري وأبلغ المعارضة أنّ موعده معها سيحدّد في ضوء لقائهم رئيس المجلس. ومن فحوى إجابة كهذه يمكن الاستنتاج أنّ بري غير متحمّس لاستقبال المعارضة، وكذلك الحزب. ولماذا يستعجل حواراً مع المعارضة وحواره مع التيار الوطني الحر ورئيسه يتقدّم بخطى واثقة، وتقاربه مع رئيسه يجعل رئيس المجلس مكتفياً بالعلاقة مع مكوّن مسيحي أساسي يستعيض به عن العلاقة مع القوات اللبنانية التي صارت تناصبه الخصومة إلى حدّ العداء في السياسة. فضلاً عن علاقته الثابتة مع الاشتراكي. يعمل فريق نيابي والحزب على إعداد مخارج لملفّات شائكة. يتقاطعان حولها، لكن مع ذلك يرفض بري التجاوب مع فكرة التيار المتمثّلة في الدعوة إلى حوار بمن حضر.
من كان ينشد الحوار ويعتبره ممرّاً إلزامياً للرئاسة لم يعد متحمّساً لجلساته، خاصة أنّ عناصر الحوار المطلوب لم تعد متوافرة، فمع من سيتحاور رئيس المجلس؟ هل يتحاور مع الخماسية التي استنفدت كلّ ما دليها حتى انتهى دورها أم مع القوات اللبنانية أم مع المعارضة التي لا حول لها ولا قوّة؟ وأيّ نتيجة مرجوّة سيخرج بها هذا الحوار؟
في رأي مصادر نيابية أنّ مبادرة المعارضة توقّفت. عادة ما تكون المبادرة تجاه الجهة التي نختلف معها، وما دام الثنائي رفض التشاور معها فلم يعد من حاجة لإكمال طريقها.
يعتبر الثنائي ويسلّم أنّ الحوار الحقيقي هو ذاك الذي سيأتي حين تنتهي حرب غزة وتتوقّف جبهة الجنوب، ويشعر أنّ أيّ حوار قبل ذلك ليس ذا أهمّية. انشغال الدول من فرنسا إلى الولايات المتحدة يجعل الحوار غير ممكن لأنّ وقف النار لم يتحقّق بعد. وإذا كان المقصود من الحوار هو ملفّ رئاسة الجمهورية فإنّ الدول المعنيّة بالملفّ منشغلة بشؤونها الداخلية ولا أحد يولي الرئاسة في لبنان اهتماماً.
يتركّز الاهتمام محلّياً على التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون المطروح بقوّة لدى دول القرار ولو استغرب الثنائي الشروع في فرضيّاته بينما لم يزل متّسع من الوقت. لا يرى الثنائي أنّ ثمّة مشكلة مع وجود رئيس أركان يتولّى مسؤوليّات قائد الجيش في غيابه. تختلف ظروف التمديد هذه المرّة عن سابقتها. في المرّة الماضية لم يكن هناك رئيس أركان وكان يجب تعيين رئيس أركان وقائد للجيش. أمّا اليوم فسيكون هناك رئيس أركان بالنظر إلى المساعي المبذولة لتشريع وضعه بناء على جهود سياسية تبذلها الأطراف المعنيّة بالملفّ مباشرة. وهو ما يمكن تفسيره تغييراً في رأي الثنائي حيال التمديد لقائد الجيش هذه المرّة وإن كانت مصادره القريبة ترى أنّ من المبكر حسم مسار القيادة العسكرية وأنّ الظروف تتحكّم بالقرار متى يحين الموعد لذلك.
انقلبت الأدوار، إذ لم يعد الثنائي مستعجلاً الحوار، والمعارضة تدور حول نفسها وتصطدم بفشل مبادراتها، واللجنة الخماسية ذهبت في إجازة صيف، وكذلك عدد من النواب. تقول مصادر الثنائي إنّه لا مساعي خارجية جديدة تتعلّق برئاسة الجمهورية. هذا الاستحقاق تراجع الاهتمام الدولي به، ومحلّياً عاد إلى مربّعه الأوّل. بقي الثنائي متمسّكاً بترشيح سليمان فرنجية بعدما تراجع طرح برّي السابق عن إمكانية التوافق على مرشّحين أو ثلاثة للذهاب بعدها إلى جلسة انتخاب، وتبيّن أنّ موقفاً كهذا لا يدخل في حسابات الحزب. ينقل مصدر حكومي عن السفيرة الأميركية قولها في مجلس خاصّ إنّ بلادها ستسعى من كلّ بدّ إلى انتخاب رئيس للجمهورية فور انتهاء الحرب على غزة. بينما يتوقّع مصدر وزاري أن تطرح مبادرة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين بعد إعلان وقف النار مباشرة. السفيرة ذاتها لم تخفِ خيبة أمل بلادها من التغييريين إلى حدّ اعتبارها أنّ فشلهم يتقدّم على فشل غيرهم من الأطراف.
غادة حلاوي- أساس ميديا