أبرز الأخبار

حرب سوريا كشفت القيادات الأمنية للحزب

تتصاعد الحرب بين الحزب والجيش الإسرائيلي إلى مستوى “الرّدع الاستراتيجي”. أوضح صور ذلك كانَ في ردّ الحزب على اغتيال القياديّ العسكريّ البارز طالب عبد الله “أبو طالب”. ما يُؤكّد على جسامة الخسارة عند الحزب بمقتل “أبي طالب” وطبيعة الرّد التي استغرقَت حتّى السّاعة 3 أيّام من القصف المُتواصل والمُكثّف على مناطق شمال إسرائيل. والأوضح في هذا المشهد العنيف والقاسي هو ردّ الحزب من المطلّة حتّى الجولان مُشعلاً الجبهة على مدى 3 أيّام دون أيّ فعاليّة إسرائيليّة في هذا المجال… حتّى اللحظة.

عكَسَت مشاهد الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يردّون على قصف الحزب عبر “المنجانيق” و”القوس والنّشّاب” و”وزجاجات المولوتوف” أتفه صورة لأشكال الحروب من “العصر الحجريّ”. لكنّ ما خفِيَ في معركة إحراق الأراضي على جانبيْ الحدود أعظَم. فالجانبان يمتلكان القدرة على إلحاق الأذى الشّديد ببعضهما. بدءاً من التفوّق الأمني الإسرائيليّ الذي تجلّى باغتيال العديد من قيادات الحزب، أبرزهم أبو طالب، وقبله وسام الطّويل، وصولاً إلى القدرة الصّاروخيّة للحزب التي باتَ واضحاً أنّها تطوّرَت كثيراً منذ حرب تمّوز 2006.

على هذا المنوال فإنّ أيّ توسّع في الحرب بين إسرائيل والحزب لن يُشبه إطلاقاً كلّ جولات الحروب بين الجانبيْن من 1993 و1996 و2006. فالحزبُ اليوم ليس هو نفسه قبل 18 عاماً. وإسرائيل ليسَت نفسها أيضاً.

سوريا تكشف وسام الطّويل و”أبا طالب”

الحزب ضاعفَ قدرته الصّاروخيّة وترسانته من الطّائرات المُسيّرة والصّواريخ المضادّة للدّروع. كذلك ضاعف عدد مقاتليه الذين راكمَ عدد كبيرٌ منهم خبراتٍ هُجموميّة عبر المُشاركة في حروب المنطقة، خصوصاً في سوريا.

أمّا الجيش الإسرائيليّ فقد راكمَ على مرّ السّنين خُبرات تكنولوجيّة ومعلوماتيّة كبيرة عن تحرّكات وأسماء القيادات العسكريّة في الحزب.

يقول مصدرٌ شديد الاطّلاع على أجواء الحزب لـ”أساس” إنّ هذا التّراكم المعلوماتي لدى إسرائيل مردّه إلى انكشاف قيادات الحزب في سوريا. إذ إنّ “أبا طالب” لم يحمل يوماً هاتفاً محمولاً، وكان شديد الحذر في تنقّلاته. لكنّ مُشاركة قيادات الحزب في معارك الحرب السّوريّة إلى جانب الجيشيْن السّوريّ والرّوسيّ وميليشيات أجنبيّة، والعمل في ساحة مكشوفة أدّى إلى انكشاف هويّات هذه القيادات لدى الاستخبارات الإسرائيليّة.

في الإطار، تقول مصادر إعلاميّة إيرانيّة إنّ الدّوائر الضّيقة في طهران تتهم روسيا بالتّورّط في هذا الكشف، إذ أتاحت للإسرائيليين الاطّلاع على “غُرفة العمليّات المُشتركة” في سوريا، والتي يُشارك فيها ضبّاط من الحرس الثّوريّ والحزب.

إلى جانب القدرة المعلوماتيّة، طوّرَ الجيش الإسرائيليّ منظومات دفاعيّة مُتنوّعة (القبّة الحديديّة، حيتس، مقلاع داوود). كما أجرى مناورات عديدة تُحاكي الحرب على الجبهة الشّماليّة مع لبنان، بالإضافة إلى تطوير وتأكيد تفوّقه الجويّ عبر أسراب الطّائرات المُقاتلة وقاذفات القنابل والمُسيّرات المُتنوّعة.

الإيقاع المنضبط

كثيرةٌ هي السّيناريوهات التي رُسِمَت عن شكلِ الحرب بين الجانبيْن. لكنّ الأهمّ أنّ المُناوشات المُستمرّة منذ 8 تشرين الثّاني حتّى اليوم لا تزال ضمنَ “الإيقاع المُنضبِط”، بمعزلٍ عن كسرِ هذا الإيقاع من قبل الجانبيْن بين الحين والآخر. لكلّ جانبٍ حساباته حول الحرب الواسعة. الجانبان يعلمان أنّها لن تكونَ نزهةً. ولهذا يتحاربان على حافّة الهاوية، مع تجنّب السّقوط فيها، قدر الإمكان.

يعلمُ الحزبُ أنّ الوضع الدّاخليّ والأزمة الاقتصاديّة لا يتحمّلان حرباً واسعةً ومُدمّرة، على الرّغم من ترسانته الصّاروخيّة التي قدّرها قائد في قوّة القدس الإيرانيّة بأكثر من مليون صاروخ، بحسب ما نقلت عنه مجلّة “فورين بوليسي” الأميركيّة.

إسرائيل هي الأخرى تتجنّب حتّى اللحظة الحرب الواسعة مع الحزب. فالأخير يستطيع أن يُلحَق أذى استراتيجيّاً في الكيان العبريّ. تُلخّص التقارير الإسرائيليّة هذا الأذى بنقطة ضعفها الأبرز، وهي شبكة الكهرباء والطّاقة والمياه الإسرائيليّة، وما لذلك من تبعاتٍ على اقتصادها وتماسك جبهتها الدّاخليّة.

لم تتعلّم من حرب أوكرانيا..

يبدأ مصدر القلق الإسرائيليّ من أوكرانيا. في تشرين الأوّل 2022، شنّت روسيا هجمات مُكثّفة على معامل الكهرباء الأوكرانيّة والبنى التحتيّة. استخدمت موسكو في هجومها الذي أخرجَ معامل الطّاقة عن الخدمة أسراباً من مُسيّرات شاهد 131 وشاهد 136 الإيرانيّة الصّنع.

هذا الهجوم دفَعَ المسؤولين الإسرائيليين لإرسال وفودٍ إلى أوكرانيا للوقوف عند هذه الهجمات، وتقويم تأثير المسيّرات الإيرانيّة على محطّات وشبكة الطّاقة الكهربائيّة. وعلى الرّغم من الهجوم الرّوسيّ والتّقويم الإسرائيليّ للأضرار، لم تقم تل أبيب بأيّ خطوةٍ من شأنِها حماية هذا القطاع الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإسرائيليّ بشكلٍ كبير.

بعد سنة من هجوم روسيا على شبكة الكهرباء الأوكرانيّة، استفاقَ الإسرائيليّون على مشاهد عبور مُقاتلي حماس من قطاع غزّة نحوَ مستوطنات الغلاف، في ما عُرِفَ بـ”طوفان الأقصى”. مع اندلاع الحرب في غزّة، لم يكُن لدى الإسرائيليين أيّ خطّة لحماية قطاع الطّاقة. لكنّ مُقاتلي حماس لم يستهدفوا هذه المنشآت وغيرها من البنية التّحتيّة للدّولة العبريّة بسبب افتقار صواريخ الحركة للدّقة وأنظمة التوجيه.

لكن مع دخول الحزب على خطّ المعركة منذ 8 تشرين الثّاني، باتت الحسابات مُختلفة. فقطاع الطّاقة في الكيان العبريّ مكشوفٌ بالكامل من دون أي خطّة طوارئ. كما أنّ صواريخ الحزب تختلفُ تماماً عمّا هو موجود لدى كتائب القسّام وسرايا القدس وغيرها من الفصائل في قطاع غزّة. وهذا ما قد يجعل الإسرائيليين أمام نقطة ضعفٍ جدّيّة من الممكن أن تُصيبَ الاقتصاد بمقتلٍ وتدفع الإسرائيليين للعيش لفترات طويلة من دون كهرباء واتصالات ومياه.

لماذا يُعتبر هذا القطاع نقطة الضّعف الإسرائيليّ في أيّ حربٍ مُحتملة مع الحزب؟

يذكرُ تقرير إسرائيليّ شاركَ في إعداده 6 مراكز أبحاث إسرائيليّة تضمّ من 100 مسؤول عسكريّ وحكومي وأكاديميّ لـ”معهد مكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان” أنّ السّيناريو المُحتمل في أيّ حربٍ بين الحزبِ والجيش العبريّ أساسه تعرّض إسرائيل لضربات صاروخيّة يوميّة تتراوح بين 2500 – 3000 صاروخ من مُختلف الأعيرة، ومنها صواريخ دقيقة وموجّهة.

أبرز ما جاءَ في التّقرير أنّ الحزبَ سيُطلق صواريخ دقيقة ذات رؤوس حربيّة تزن مئات الكيلوغرامات، تشمل أيضاً صواريخ كروز، نحوَ البُنى التحتيّة الحيويّة مثل محطّات توليد الكهرباء ومرافق تحلية المياه ومصافي النّفط. هذا التّقرير اطّلَع عليه رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ومُستشار الأمن القوميّ تساحي هنغبي.

هذا ما يعني أنّ النّسخة الحاليّة من الحزب قادرة على إلحاق أذى شديد بالجانب الإسرائيليّ. في حرب تمّوز 2006، كان مجموع ما أطلقه الحزب على شمال الأراضي المُحتلّة 4 آلاف صاروخ، مُعظمها من طراز كاتيوشا قصيرة المدى ومحدودة التأثير. ما يعني أنّ ما سيُطلقه الحزب في يومٍ واحد في أيّ حربٍ واسعة مع الجيش الإسرائيليّ، بحسب التّقرير، يُعادل ما أطلقه خلال شهرٍ كامل في 2006.

العصر الحجري

في شهر آب 2023، أي قبل أشهر قليلة من “طوفان الأقصى”، قال الأمين العامّ للحزب مُهدّداً الإسرائيليين: ” أقول للعدو بالدّليل والبرهان أنتم ايضاً سيتم إعادتكم الى العصر الحجري إذا اقدمتم على الحرب مع لبنان.. نحن لدينا لائحة أهداف، من لا يملكها نستطيع أن ‏نرسلها له، المطارات المدنيّة، المطارات العسكريّة، قواعد سلاح الجو، محطات ‏توليد وتوزيع الكهرباء، محطات المياه، مراكز الاتصالات الرئيسية، ‏مجموعة من البنى التحتية ليس هناك من داع لنُفصّل فيها أكثر، مصافي النفط ‏والبنزين والأمونيا ونستطيع أن نضع معهم مفاعل ديمونا”.

اللافت في كلام نصرالله أنّه لم يُركّز على قدرة حزبه على الدّفاع، بل على قدرته على الهجوم وإلحاق الأذى بالجانب الإسرائيليّ. وهذا يعني أنّ استراتيجيّة الحزب هي القول إنّ أيّ حربٍ تُشنُّ عليه ستكون كلفتها باهظة بشكلٍ يعتقد أنّه يردع إسرائيل، عبر القول لتل أبيب إنّ هي أيضاً لديها الكثير لتخسره في الحرب.

في 18 شباط 2018، نشرَ الحزب مقطع فيديو يحتوي صوراً وإحداثيّات لحقول الغاز الطّبيعي الإسرائيليّة: كاريش، تمار، وليڤياثان. جاءَ مقطع الفيديو بعد يوميْن من تهديدات أطلقها نصرالله حول إمكانيّة استهداف المنشآت البحريّة في أيّ حربٍ واسعة.

إسرائيل في العتمة؟

القلق الإسرائيليّ من إمكانيّة استهداف هذه المنشآت ومنشآت الكهرباء عبّر عنه رئيس هيئة الطّوارئ الوطنيّة الإسرائيليّة يورام لاريدو مطلع نيسان الماضي. قدّم لاريدو يومها إحاطة للمسؤولين الإسرائيليين قال فيها إنّه على الإسرائيليين أن يتحضّروا لانقطاع التّيّار الكهربائي عن 70% من الأراضي المُحتلّة.

لكيّ يوضِح لاريدو الصّورة يومها، قدّمَ صوراً من الأقمار الصّناعيّة تُظهر القارّة الأوروبيّة مضيئة، بينما كانت أوكرانيا مُظلمة من دون كهرباء، بسبب الاستهداف الرّوسيّ لمنشآت الكهرباء بالمسّيرات الإيرانيّة.

وأوضح أنّ إطلاق الصواريخ سيؤثّر بشكل كبير في سلاسل التوريد في “إسرائيل”، مضيفاً أنّه “عندما تشتعل النيران في أول سفينة قبالة سواحل إسرائيل، ستفقد السفن الأخرى الدافع للمجيء إلينا مع العلم أنّ 99% من جميع البضائع تصل إلينا عن طريق البحر”.

كلام لاريدو استدعى حينها ردّاً من وزير الطّاقة الإسرائيليّ إيلي كوهين الذي وصفَ الإحاطة بأنّها غير مسؤولة تُضعف الحالة المعنويّة للجبهة الدّاخليّة.

بدوره، توقّع مدير قسم الطوارئ والاستمرارية الوظيفية في شركة إدارة شبكة كهرباء “نوغا” الإسرائيلية، بار كوهين، أن تعيش الدّولة العبريّة انقطاعات كهرباء، بسبب حرب مع الشمال، مضيفاً أنّه “لا أحد يعرف كيف يلتزم باستمرارية الطاقة”.

كما شدد على أنّ التأثير الفوري للحرب مع الحزب في الشمال سيكون على إمدادات الغاز الطبيعي، إذ يتمّ إنتاج ما يقرب من 70% من الكهرباء الإسرائيليّة على أساس توفّر الغاز.

كوهين أكّد أنّه فور اندلاع الحرب ستتوقف منصّات وخطوط الغاز الطبيعي الثلاث (كاريش، تامار، ليڤياثان) التي يتم إنتاج الكهرباء على أساسها، وستنتج الكهرباء من خلال الاعتماد على الوقود البديل (الدّيزل) والذي تستورده إسرائيل من دول مُختلفة. وهذا الأمر سيلحق ضرراً كبيراً في أنظمة إنتاج الكهرباء وتوزيعها من خلال الشبكات، سواء نتيجة إطلاق الصواريخ أو اندلاع الحرائق أو تضرر الأعمدة والمحوّلات.

كما أنّ إمكانيّة استهداف ميناء حيفا ومصافي النّفط فيها، ستجعل من هذا السّيناريو يبدو كارثيّاً أكثر، خصوصاً أنّ توقّف حركة المرفأ والمصافي يعني أنّ إسرائيل ستُمسي من دون “ديزل” ووقود وبالتّالي بلا كهرباء.

نشرت صحيفة “كالكاليست” العبريّة المُختصّة بشؤون الطّاقة والتكنولوجيا، نقلاً عن مسؤولين كبار في مجاليْ الطّاقة والأمن قولهم إنّ إسرائيل ما تزال على بُعد سنين ضوئيّة من الاستعداد بشكلٍ كافٍ لهجومٍ على البنية التحتيّة للكهرباء في أيّ حربٍ شاملة مع الحزب.

وقالت إنّ كلّ محاولات هيئات الطّوارئ للاستعداد لم تنجح بشكلٍ كافٍ، خصوصاً شركة الكهرباء الإسرائيليّة أعدّت قائمة بحاجات الطّورائ من قطع غيار وغيرها، وتبيّن أنّها ستصل إلى إسرائيل بين عاميْ 2028 و2029.

التأثيرات المُحتملة لضرب الكهرباء

1- تمتلك إسرائيل 5 محطّات لتحلية مياه البحر، توفّر القسم الأكبر من احتياجات المستوطنين لمياه الشّرب. وهذه المحطّات تعمل بالطّاقة الكهربائية فقط، ما يعني أنّها ستكون خارج الخدمة بمجرّد توقّف معامل الكهرباء.

2- تضمّ إسرائيل ما يُقارب 7500 برج اتصالات. وبحسب موقع “World data“، فإنّ عدد الهواتف الخلوية في إسرائيل يزيد عن 13 مليون، بمُعدّل 1.4 هاتف لكلّ مواطن. وبالتّالي فإنّ انقطاع الكهرباء عن أبراج الاتصالات سيجعل من الشّبكة خارج الخدمة، إذ إنّ أبراج الاتصالات الإسرائيليّة غير مزوّدة سوى ببطاريّات تشغيل تعمل من ساعتيْن إلى 4 ساعات في حال انقطع التّيّار الكهربائيّ. كذلكَ ترتبط شبكات إنذار الجبهة الدّاخليّة بأبراج الاتصالات، ما يعني أنّ الإنذار المُبكر للمستوطنين سيكون خارج الخدمة أيضاً.

3- إلى جانب المياه والاتصالات، سيُعاني القطاع المصرفي الإسرائيليّ في أيّ انقطاع للكهرباء. إذ ترتبط جميع خدماته بالكهرباء والاتصالات، والأهمّ أنّ وسائل سحب الأموال ستكون خارج الخدمة.

هذا ليسَ تفصيلاً إذ حذّرَ محافظ بنك إسرائيل أمير يارون من أنّ الحرب مع حماس من المتوقّع أن تتكبّد تكاليف دفاعيّة ومدنيّة بقيمة 67 مليار دولار بين 2023 و2025. إذ إنّ حماس ليسَت العدوّ الأساسيّ أو الأقوى الذي تتوقّعه إسرائيل، وهذا ما قاله الوزير المُستقيل من “كابينت الحرب” ورئيس الأركان السّابق غادي آيزنكوت في 2016 من أنّ إسرائيل تعتبر الحزب العدوّ الأوّل لها ومصدر التهديد الأساسيّ لها. كما أنّ وزير الدّفاع الحالي يواف غالانت قال في اجتماعٍ مُغلق لكابينت الحرب في 18 تشرين الأوّل الماضيّ إنّ الحزب وقدراته العسكريّة أقوى من حماس بـ10 مرّات.

ابراهيم ريحان – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى