أبرز الأخبار

“أوعا خيّك” من جديد

إذا كانت “هبة المليار يورو” التي أصبحت “الشغل الشاغل” للبنانيين منذ نحو أسبوعين، وتقدّمت حتى قبل إقرارها على أحداث واستحقاقات كبرى، على غرار الحرب المتصاعدة في الجنوب وانتخابات الرئاسة المهمَّشة، فإنّ الواضح أنّها استطاعت في الوقت نفسه إحداث أكثر من “خرق”، وربما تحقيق أكثر من “إنجاز”، لعلّ أهمّها إعادة ملف النازحين واللاجئين السوريين إلى صدارة الاهتمام، عشيّة مؤتمر بروكسل المنتظر في 27 أيار الجاري.

لكن، على الهامش، يبدو أنّ الهبة وإن فتحت الباب أمام جولة أخرى من “المزايدات الشعبوية” التي تضرّ أكثر ممّا تنفع، وجعلت الأفرقاء يتنافسون على “تسجيل النقاط”، أكثر من البحث عن الحلول “الجدّية”، نجحت في مكانٍ ما بـ”جمع الأضداد” مرّة أخرى، وهو ما تجلّى بوضوح في المؤتمر البلدي والاختياري عن تنظيم الوجود السوري الذي عقد في عطلة نهاية الأسبوع منطقة البترون، برعاية “ثنائية” من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.
وفي حين وضع رئيس “التيار” جبران باسيل هذا “التلاقي”، إن صحّ التعبير، ضمن معادلة أنّ “الاختلاف ممكن في السياسة، لكنه ممنوع على وجود البلد وعلى الشراكة وفيه، وعلى هويته وسيادته وثقافته”، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح عن دلالات هذا التقاطع المستجدّ، فهل يبقى “محصورًا” بملف النازحين، أم يسري على ملفات وقضايا أخرى تندرج أيضًا في خانة “الوجود والشراكة”، وعلى رأسها ملف الرئاسة بطبيعة الحال؟

“التيار” مُبادِر؟!

بالنسبة إلى المحسوبين على “التيار الوطني الحر”، فإنّ المشهد “الجامِع” الذي تجلّى في المؤتمر البلدي والاختياري عن تنظيم الوجود السوري في منطقة البترون، لا يجب أن يكون محطّ استغراب، بل على العكس من ذلك، فإنّ عدم “التلاقي” بين “التيار” و”القوات”، وغيرها من القوى السياسية، لمعالجة ملفّ “وجوديّ ومصيريّ”، بحسب وصفهم، على غرار موضوع النازحين، هو الذي يجب أن يكون مُستغرَبًا، بل مثيرًا للاستهجان.

يذكّر هؤلاء بأنّ “التيار الوطني الحر” رفع الصوت في موضوع النازحين السوريين وضرورة تنظيم وجودهم على الأرض اللبنانية منذ اليوم الأول للأزمة في العام 2011، وهو لم يتعب ولم يستسلم، حتى حين كان يتعرّض لحملات التخوين واتهامات العنصرية، التي كانت تصدر للمفارقة من قبل بعض القوى والجهات التي “تزايد” عليه اليوم في المطالبة ليس فقط بتنظيم وجود السوريين، بل بترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم.

مع ذلك، يقول هؤلاء إنّ “التيار” يرحّب اليوم بكلّ تلاقٍ وتقاطع من أجل التوصّل إلى حلول “عملية” لهذا الموضوع، ولذلك فهو كان “المُبادر” إلى الدعوة للعمل مع “القوات” على المستوى البلدي، منذ فترة طويلة، من دون أن يتحقّق مطلبه، وهو يريد أن “يعمّم” هذا التلاقي اليوم على سائر الأطراف، لاستنساخ “تجربة” البترون في مختلف المناطق، ولا سيما أنّ جميع اللبنانيين يفترض أن يكونوا “موحَّدين” في مقاربة ملف النزوح بعد كلّ هذه السنوات.

“أوعا خيّك” من جديد؟
على ضفّة “القوات اللبنانية”، لا تبدو المقاربة نفسها، وإن تلاقى الجانبان في مؤتمر البترون، حيث يقول المحسوبون على معراب إنّ المشاركة في المؤتمر البلدي الذي عقد لا يفترض أن تُفهَم في سياق بعيد عن الواقع، علمًا أنّ “القوات” معنيّة كـ”التيّار” بهذا المؤتمر، ولا سيما أنّ منطقة البترون ليست حكرًا على “التيار”، ولـ”القوات” نائبها عن المنطقة وهو غياث يزبك، فضلاً عن كون موضوع المؤتمر يشكّل همًّا مشتركًا لكل “البترونيّين”.

لا يعني ما تقدّم أنّ “القوات” كما تقول أوساطها للقيام بالمزيد من الخطوات “المشتركة” مع “التيار” أو غيره في سبيل حلّ موضوع النازحين واللاجئين، خصوصًا عشيّة الجلسة النيابية المزمع عقدها حول هذا الملف، وقبيل مؤتمر بروكسل المنتظر أواخر الشهر الجاري، حيث تشدّد هذه الأوساط على انّ “القوات” لم تقف يومًا في وجه محاولات التوصّل لأرضية مشتركة في الملفات الأساسية، بشرط توافرت النيّة الصادقة، بعيدًا عن الغايات الشخصية.

لكن، هل يمكن أن يشكّل ذلك مقدّمة لعودة “أوعا خيّك” من بوابة ملف النازحين ومن البترون تحديدًا؟ لا يبدو مثل هذا الاحتمال واردًا، ولو أنّ أوساط “التيار” تؤكد أنّه جاهز دائمًا للحوار في ملف الرئاسة وغيره، في حين تقول أوساط “القوات” إنّ “مرارة” تجربة اتفاق معراب كافية لعدم تكرار الكرّة مرّة أخرى، وإنّ أيّ “مرونة” في ذلك يجب أن يكون مشروطًا بمجموعة من العوامل التي لا يبدو باسيل جاهزًا للخوض فيها من قريب أو من بعيد.

لن يعيد ملف النازحين السوريين الحياة إلى تفاهم معراب أو تجربة “أوعا خيّك”، وفق ما يقول العارفون، حتى لو نجح في تكريس نموذج من “العمل المشترك” الذي يمكن أن يكون مفيدًا في مكانٍ ما. باختصار، يشبه هذا “التقاطع” في ملف النازحين، “التقاطع” الذي سبقه عند ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وكلّها “تقاطعات” محسوبة في السياسة، بما يخدم كلّ طرف، من دون أن ترقى لمستوى “التفاهم” بالمعنى الحقيقي للكلمة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى