أبرز الأخبار

قراءتان لحديث نصرالله…

تحت غطاءِ «رَبْطِ النزاع» الإيجابي مع «اليوم التالي» لوقف الحرب على غزة الذي قام به الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، بإعلانه الاستعداد لحوارٍ أو تَفاوضٍ على قاعدة إنجاز «التحرير الكامل» لِما بقي من أراضٍ لبنانية محتلة من اسرائيل، نفّذ الحزب أمس «الردّ الأولي» الذي وَعَدَ به على اغتيال تل ابيب (في 2 يناير) نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري بغارةٍ في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفاً بـ 62 صاورخاً قاعدة ميرون للمراقبة الجوية على قمّة جبل الجرمق (في عمق حوالي 12 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية) والتي تُعنى «بتنظيم وتنسيق وإدارة كامل العمليات الجوية باتجاه سورية ولبنان وتركيا ‏وقبرص والقسم الشمالي من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط».

وترافَق هذان التطوران مع تحرّك ديبلوماسي متلاحق تشهده بيروت التي أجرى فيها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس، محادثاتٍ مع كبار المسؤولين، وبينهم وفد من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد، وفق قناة «الجزيرة»، مشدداً على ضرورة تجنّب «جرّ» لبنان الى نزاع إقليمي، وعلى أن الأولوية تبقى تجنّب التصعيد الإقليمي ودفع الجهود الديبلوماسية لإيجاد الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين وفي المنطقة، في الوقت الذي تستعدّ العاصمة اللبنانية لأن تستقبل الأسبوع الطالع كلاً من وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بيربوك، في رابع محطة من جولتها في المنطقة التي تبدأ اليوم من اسرائيل وعلى جدول مباحثاتها «الوضع الإنساني المأسوي في غزة» والأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، و«الوضع المضطرب جداً على الحدود اللبنانية الإسرائيلية»، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا.

وفي حين يعكس كل هذا الحِراك في اتجاه لبنان حراجة اللحظة الاقليمية ومخاطر اقتياد البلاد إلى«فوهة النار»فيما تتسارع محاولاتُ بلوغ ترتيباتٍ تُنْهي حرب غزة على قواعد تسويةٍ ما زالت غامضةَ الأفق في ضوء تحوُّل المنطقة «جاذبة مآزق» لكل الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في شكل أو آخَر بالصراع الذي انفجر في 7 أكتوبر، لم يقلّ دلالة على المنعطف الخطر الذي يقف أمامه الوضع اللبناني من الاتصال الذي تلقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني الذي تنخرط بلاده في دور وساطة متعدد البُعد على جبهة غزة.

وكُشف في بيروت فقط ما أبلغه ميقاتي إلى رئيس الوزراء القطري لجهة «ضرورة تحرك المجتمع الدولي فوراً لوقـف الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي»، وأنه أعرب عن«خطورة المحاولات الرامية إلى جر لبنـان إلى حرب إقليمية»، مؤكداً أن«اتساع رقعـة العنف ودائرة النزاع في المنطقة، ستكون له عواقب وخيمة في حال تمدُّدها، لا سيما على لبنان ودول الجوار».

وإذ كان من الصعب فصلُ هذا الاتصال عن المناخات التصعيدية على الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية بعد توغل تل أبيب الى عمق الضاحية واغتيالها العاروري وتَوَعُّد«حزب الله»بأن الجريمة لن تمرّ بلا عقاب وذلك من ضمن مسارٍ تسخيني استهدفتْ فيه إيران مباشرةً فإما تُجّر الى الحرب أو تُستنزف قوة ردعها وأذرعها في كل مرة«تدير العينَ»عن ضربة تتلقاها، أعلن«حزب الله»أمس تنفيذ«الدفعة الأولى»من الردّ على تصفية القيادي في«حماس»عبر«استهداف قاعدة ميرون للمراقبة الجوية بـ 62 صاروخاً من أنواع متعدّدة أوقعت فيها إصابات مباشرة ومؤكّدة».

وكَشَفَ «حزب الله» في بيان له «ان قاعدة ميرون تقع على قمّة جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة وهي أعلى قمّة جبل في فلسطين المحتلة، وتُعتبر مركزاً للإدارة والمراقبة والتحّكم الجوّي الوحيد في شمال الكيان الغاصب ولا بديل رئيسياً عنها، وهي واحدة من قاعدتين أساسيتين في كامل الكيان الغاصب وهما: ميرون شمالاً، والثانية متسبيه رامون جنوباً.‏ وتُعنى بتنظيم وتنسيق وإدارة كامل العمليات الجوية باتجاه سورية ولبنان وتركيا ‏وقبرص والقسم الشمالي من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. كما تُشكل هذه القاعدة ‏مركزاً رئيسياً لعمليات التشويش الإلكتروني على الاتجاهات المذكورة، ويعمل فيها عدد ‏كبير من نخبة الضباط والجنود الصهاينة.”.

وفيما تلقّفت اسرائيل هذه العملية النوعية – رغم أنها بدت مدوْزنة على مقياس الردّ المستهدَف والموجَّه الذي لا يستدرج حرباً – بإعلان موشيه دافيدوفيتش، رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة متي آشر الإسرائيلية المُحاذية للبنان انّ«أحداث صباح السبت (امس) في شمال إسرائيل هي إعلان آخَر من حزب الله لحربٍ من جانب واحد» و«إذا لم يتم اجتثاث حزب الله فإنّنا سنتسبب في نقل الحدود الشمالية لإسرائيل إلى حيفا»، وسّعت تل أبيب من رقعة غاراتها التي طاولت للمرة الاولى أمس وعلى دفعتين المنطقة الواقعية بين كوثرية السياد قضاء صيدا والشرقية قضاء النبطية (أفيد أن الغارتين وقعتا قرب منزل المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم)، وبعدها بساتين سهل القليلة – المعلية جنوب مدينة صور، وذلك بعدما كان الطيران الحربي الإسرائيلي قصف منزلاً في بلدة العديسة، ونفّذ غارات متتالية على بلدة رب الثلاثين، ومناطق أخرى عدة وسط تقارير عن سقوط ضحايا في هذه الاعتداءات.

وفي حين أرفق «حزب الله» (نعى امس 5 عناصر) الردّ الأولي على اغتيال العاروري بنشر الإعلام الحربي التابع له حصيلة عملياته العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي خلال 89 يوماً عند الحدود الجنوبية اللبنانية كاشفاً عن 670 عملية عسكرية «استهدفت آليات ومراكز قيادة وتموضعات ودشم ومستوطنات ومصنع عسكري وتجهيزات فنية» ومشيراً إلى إحصاء 2000 بين قتيل وجريح كخسائر بشرية إسرائيلية، تكثّفت القراءات بين سطور كلام نصر الله أول من أمس عن «فرضة تاريخية أمام لبنان» لتحرير بقية أرضه المحتلة، من نقطة الـ b1 إلى قرية الغجر وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا وكل شبر من أرضنا متداركاً لكن أي كلام أو تفاوض أو حوار لن يكون أو يوصل الى نتيجة إلا بعد وقف العدوان على غزة.

واستوقف أوساطاً غير بعيدة عن «محور الممانعة» أن نصرالله رَبطَ ما يعتبره الحزب «الانتصار الرابع» المنتظر (بعد تحرير العام 2000 والانتصار في حرب يوليو 2006 وفي «حرب الجرود» على التكفيريين) بما حققتْه المقاومة «من معادلات ردع» و«بنتائج الجبهة» التي فَتَحَها مع اسرائيل في 8 أكتوبر تحت عنوان«المشاغَلة والإسناد لغزة»، لافتة إلى أن الأمين العام لـ«حزب الله» بدا وكأنه يستبق ما يسعى البعض إلى اعتباره «حشْراً له في زاويةٍ» عبر نزْع الذرائع من أمام استمرار وضعية الحزب خارج الدولة من خلال الحضّ على تنفيذ القرار 1701 في الشق المتعلق بإسرائيل وقفْل النزاع البرّي بعد البحري، عبر «قلْب المعادلة» وإعلان «لن نفرّط بمثل هذه الهدية» ما دام الجانب المتعلق بالحزب في أي حوار أو تفاوض لن يَخرج عن «جعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح الظاهر» وأي صيغ أخرى لا تتضمّن تنازلاتٍ عن «الوجود العميق للمقاومة في هذه المنطقة».

في المقابل، رأت دوائر على خصومة مع «حزب الله» أن فتْح الباب أمام تفاوُضٍ بعد وقف حرب غزة على قاعدة تطبيق الـ 1701 يؤشر إلى تَوَجُّسِ الحزب من مغامرةٍ اسرائيلية في الأمتار الأخيرة من حرب غزة ومحاولته تقديم نفسه بصورة القادر على أن يكون«بوليصة تأمين» لسلامٍ في جنوب الليطاني، متوقفة في هذا الإطار عند مخاطبته مستوطني الشمال الاسرائيلي بأن الضغط على حكومتهم «للحزم العسكري مع لبنان» هو « خيارٌ خاطئ، فأوّل من سيدفع الثمن هو أنتم ومستوطنات الشمال، والحل هو أن تُطالبوا بوقف العدوان على غزة».

ولم تُسْقِط هذه الدوائر من قراءتها أن يكون هذا «الربط الإيجابي »لِما بعد حرب غزة موْصولاً بمحاولة إيران «الشبْك» المبكر مع المرحلة الآتية التي ستتشابك فيها الملفات والتسويات فتحجز مسبقاً القضايا التي تخضع «لإمرتها الاستراتجية» وتالياً للمقايضات فيها وعليها.

وسام أبوحرفوش وليندا عازار – الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى