أبرز الأخبار

المفتي دؤيان يعاقب خصومه

الأخبار

جلسة التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان حوّلته إلى «الآمر الناهي» في تشكيل اللائحة التي ستخوض انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في بيروت، وأدّت إلى اتهامه بإشهار سيف العقوبات ضد القوى والشخصيّات التي رفضت التمديد له واستبعادها عن اللائحة، إلى حدّ تهديدها بالسقوط الحتمي.

خلط التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الأوراق في انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» المقرّرة مطلع الشهر المقبل. لائحة بيروت التي كانت ستُعلن منذ أكثر من 10 أيّام «فرطت»، والمرشّحون الذين كانوا «يحجّون» إلى مكاتب المسؤولين في تيّار المستقبل سُرعان ما قطعوا زياراتهم.
في البداية، خسر «الحريريون» عنوان المعركة التي تمكّنوا من تسويقها: ضرب الرئيس فؤاد السنيورة. ما لم يكن في الحُسبان أنّ السنيورة «احترق» أصلاً، ولم تعد المعركة ضدّه «وجودية»، تماماً كما لم يحسبوا جيّداً أنّ التحالف مع دريان لن يكون «نديّاً» بعد اليوم.
«همّة» العاملين على تشكيل اللائحة بدأت تبرد مع افتقاد «المجلس الشرعي»، سلفاً، أهم الأدوار التي كان يسعى المستقبل إلى القبض عليها: انتخاب المفتي الجديد. أكثر من ذلك، لوّح بعض المرشحين بالانسحاب من اللائحة، فيما أبرزهم انسحب فعلاً. فالأمين العام لوزارة الخارجيّة هاني شميطلي الذي كان يُعوَّل على اسمه وحيثيّته داخل الهيئة الناخبة لـ«حمل» اللائحة وترؤسها، فضّل الاستمرار في منصبه وأبلغ المعنيين أنّه حسم قرار انسحابه.

 

وقد تكرّ السبحة مع ترجيح انسحاب محافظ جبل لبنان القاضي محمّد مكاوي من اللائحة بسبب «الانقسام الحاصل في طريقة التشكيل». وهو شدّد في لقاءٍ الأسبوع الماضي على أنّ «خياراته مفتوحة تحت عباءة الدار». وأكّد أنّه «مستمر في الترشح حتّى اللحظة الأخيرة»، لكنّه لن يكون في لائحة طرف ضد آخر لأنّ «أولويتي وواجبي هما العمل على لائحة جامعة تُرمّم الجروح التي فُتحت خلال الأيام الماضية»، في إشارة إلى جلسة التمديد.
انسحاب شميطلي وإمكان أن يترشّح مكاوي منفرداً أو الانضمام إلى لائحة أخرى، «خربطا» الحسابات بعدما كان معوّلاً على أن يجمع الاثنان حول اللائحة أصوات القضاة والإداريين الذين يشكّلون نحو نصف أعضاء الهيئة الناخبة.

دريان «يشطب» خصومه
بالتوازي، بدأت أسماء المرشحين المتّفق عليها مسبقاً بين دريان والمستقبل تُشطب. في السابق، كان التحالف بينهما قائماً على قاعدة ترشيح المفتي اسمين يملك المستقبل حق الفيتو عليهما، مقابل دعمه للائحة من 7 أو 8 أعضاء، وتمكّن الحريريون من «ضبط» رغبة دريان في زيادة عدد الأسماء التي يُريد ترشيحها، ورفع حصّته في اللائحة.

أمّا اليوم، فقد انقلبت الآية؛ لم يعد المستقبل الآمر الناهي، وباتت لدريان لائحة يعمل على تشكيلها. وتشير المصادر إلى أنّ المفتي سلّم المفاوضين نهاية الأسبوع الماضي لائحة من 10 أسماء ليختار «المستقبل» 8 منها! وتضم اللائحة: شميطلي (قبل انسحابه)، مكاوي، عبدالله شاهين، محمد دندن، القاضيين الشرعيين وائل شبارو ووسيم فلاح، القاضي المدني المتقاعد محمد طلال بيضون، الشيخ زياد الصاحب، وسيم مغربل ومازن شربجي.

الرغبة العربيّة وتحديداً التوافق السعودي – المصري على رفع سن التقاعد القانونية لدريان جعلت الأخير هو الأقوى على السّاحة. وهو يُدرك تماماً أنّ المستقبل لم يُهندس التمديد، بل ساير «الهواء السعودي»، وبالتالي، لا يُريد «كسر الجرّة» مع الحريريين، وبحسب المعلومات لا يزال التواصل قائماً بينهما. لكنه قد لا يؤدي إلى نتيجة مثمرة، مع إصرار المفتي على «معاقبة» كلّ المرشّحين الذين لم يحضروا جلسة التمديد. هي بورصة يوميّة، بحسب ما يقول المتابعون الذين يلفتون إلى أنّ اللائحة صارت تتغيّر يومياً. فرئيس «جمعيّة الفتوة الإسلامية» الشيخ زياد الصّاحب، مثلاً، كان الأسبوع الماضي مرضيّاً عنه بعدما شارك في جلسة التمديد، ووافق دريان على ضمّه إلى اللائحة بعد رفضه سابقاًَ، قبل أن يعود المفتي منذ يومين إلى رفضه. الأمر نفسه ينطبق على ممثل جمعية «الإرشاد والإصلاح» في «المجلس الشرعي» وسيم مغربل الذي تغيّب عن جلسة التمديد بداعي السفر.
الوضع مع «الجماعة الإسلاميّة» مشابه أيضاً. فبعدما تمكّن رئيس جمعيّة بيروت للتنمية الاجتماعيّة أحمد هاشميّة من الاتفاق على تحالفٍ مع «الجماعة» بترشيح عبد الحميد التقي على لائحة المستقبل، شطب دريان الأخير من اللائحة بعد تغيّب ممثل «الجماعة» في «المجلس الشرعي» مصطفى خير عن الجلسة ورفضه التمديد. فيما يتردد أن قناة غير رسميّة فُتحت بين «الجماعة» و«الدّار» لتسوية العلاقات ومهّدت للزيارة التي قام بها أمس الأمين العام الشيخ محمّد طقوش يُرافقه النائب عماد الحوت وخير الذي «هنّأ دريان بالتمديد» بحسب البيان الصادر عن دار الفتوى!

 

وإذا كانت عودة التقي إلى «لائحة دريان» باتت ممكنة بعد زيارة طقوش، فإنّ أبرز «الرؤوس المطلوبة» لـ«عائشة بكّار»، هو حتماً المستشار الديني لرئاسة الحكومة الشيخ فؤاد زرّاد. في البداية، «لم يبلع» دريان اسم زرّاد وحاول إقصاءه عن اللائحة من دون أن يتمكّن من ذلك بسبب إصرار هاشمية عليه، أمّا اليوم، فقد باتت للمفتي قدرة على رفضه نهائياً. وتردّد أن زرّاد تبلّغ رسمياً من المستقبل خروجه من اللائحة.
إذاً، يُريد المفتي «تقليم أظْفار» كلّ الذين لم يُشاركوا في جلسة التمديد، فيما المستقبل لم يعد قادراً على «كمش» الملف كما كان يفعل سابقاً، خصوصاً بعد الحديث عن عودة الخلاف بين هاشمية والأمين العام أحمد الحريري، وما يتردّد عن أنّ دريان نفسه هو من زكّى الخلاف بينهما، بعدما أصرّ على التواصل المباشر مع الحريري، من دون الأخذ في الاعتبار التوافق بينهما على أن يُتابع هاشميّة الملف. علماً أن أوساط المستقبل تؤكد أن ممثلي الحريري وهاشمية، جلال كبريت وصالح فروخ، يُتابعان الملف معاً.

هزيمة المستقبل
في الخلاصة، توحي «معركة الإقصاء» التي يخوضها دريان ضد خصومه بخسارة مدويّة للائحة أو حتّى عدم قدرتها على «التقليع»، وفتح الباب أمام «غير المرغوبين» فيها لتشكيل لائحة منافسة أو على الأقل خرق عدد كبير منهم اللائحة الأساسيّة، خصوصاً أنّ دريان أبلغ البعض رفضه ضم ممثلين عن الجمعيات الإسلاميّة إلى اللائحة والاستعاضة عنهم بترشيح القاضيين الشرعيين وائل شبارو ووسيم فلاح، ما يتيح له الحصول على أصوات علماء الدين.

مع ذلك، يؤكّد متابعون أنّ ضمّ القاضيين الشرعيين واستبعاد المشايخ عن اللائحة لن يُفلحا في التعويض من «زخم المشايخ»، خصوصاً أنّ البعض ينتظر قرار أمين دار الفتوى الشيخ أمين الكردي القريب من أئمة مساجد بيروت. والأخير الذي سبق أن أبلغ المفاوضين بأنّه لن يتدخّل في انتخابات «الشرعي» يتوقّع البعض أن يعدل عن رأيه بعد تلقيه سلسلة «ضربات» من دريان؛ الأولى أن المفتي أبلغه قبل أيّام بأنه لن يوافق على رغبة البعض بالتمديد له، والثانية تورّط دريان في قصّة سحب الصلاحيّات من أمين دار الفتوى، والثالثة أنه وصلت إلى مسامع الكردي أنّ دريان ينوي تعيين أحد المحسوبين على رئيس «جمعيّة المقاصد» فيصل سنو من ضمن الأعضاء الـ8 الذين يُعيّنهم (2 من بيروت) في «المجلس الشرعي». وهذا يعني أنّ دريان قرّر ترجيح كفّة سنو على الكردي بعدما خاض الثاني ضد الأول معركة إعلاميّة لتغييره اسم إحدى مدارس «المقاصد» وشطب آية قرآنيّة عن لافتتها. ويُروى أن سنو كان أحد المُحرّضين على التسويق لفكرة سحب الصلاحيات من الكردي والتي لم يتمكّن دريان من تنفيذها في جلسة التمديد.

وفي حال أصرّ المفتي على استبعاد علماء الدين وخروج مكاوي منها، فهذا يعني خسارة اللائحة الجزء الأكبر من أصوات رجال الدين والقضاة المدنيين والموظفين الإداريين، وبالتالي تعرّضها لخسارة حتميّة. لذلك، يُشكّك متابعون في أن يكون دريان الذي يخوض انتخابات «المجلس الشرعي» للمرّة الثالثة في عهده «مش فاهم اللعبة»، بل يذهب هؤلاء إلى «سيناريو جهنمي» يعدّه المفتي ينتهي بخسارة اللائحة فيتحمل التيّار الأزرق عبء ذلك، خصوصاً أنّ المفتي يؤكّد لمتّصليه أنّه «لا يتدخّل» في الانتخابات، وهو لم يقم بأي اتصال علني مباشر مع المرشّحين لحثّهم على الترشّح (باستثناء شميطلي) أو ثنيهم عن ذلك. وهو في العلن يوحي بأنّ المستقبل هو من يُشكّل اللوائح ويتواصل مع المرشّحين. وبالتالي أي خسارة للائحة ستُحسب حتماً على الحريريين ومن «كيسهم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى