بأقلامهم

هندسة ” مالية ” ممولة من الاحتياطي ؟! / المحامي لوسيان عون

المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

فوجئت الاوساط السياسية والمالية بارنب جديد اخرجه مصرف لبنان من قبعته هو عبارة عن كمية ضخمة من الدولارات معدة لطرحها في سوق القطع ومخصصة للصرف والاستبدال بالعملة الوطنية مهما كان مقدارها على سعر منصة مرتفعة قاربت سعر الدولار في السوق السوداء في سياق عملية إغراء مفاجئة وصادمة.
هذه الخطة جاءت في زمن شح الدولار حيث يحرم المودع من سحب اي من دولاراته شهرياً في عملية هيركات قاسية الا ضمن شروط تعجيزية، تزامناً مع تصاريح تعاقبت للحاكم رياض سلامة مفادها ان احتياطي مصرف لبنان قد نفذ ، ولم يعد بمقدوره دعم السلع والخدمات لا جزئياً ولا كلياً والا فان اي دعم سوف يطال الاموال الاحتياطية الالزامية من الودائع المصرفية.
فجأة، صدر التعميم ١٦١ وانفجر مخزون الدولارات المجهول وظهر للعلن مع إعلان دعائي يدعو المواطنين الى امكانية الحصول على الدولارات من المصارف بالكميات الكبيرة معما بلغت، واذ يعلن البنك المركزي امس ان عمليات تداول منصة الصيرفة بلغت امس ٤٥ مليون دولار في رقم يحمل الف علامة استفهام حول ما تهدف هذه الهندسة الملتبسة بعد هندسات مالية اوصلت لبنان الى الانهيار والافلاس.
عدد من الخبراء في الاقتصاد يؤكد ان لا مصدر هذه السيولة بالدولار هي مساعدات خارجية ولا مبرراتها ثقة داخلية طالما ان الافق السياسي بات مسدوداً في ظل فشل الحوار بين الاطراف السياسية والمقاطعة الحكومية والضبابية اللافتة ، ليبقى وحده الشك يدور حول صفقة دارت رحاها هذه المرة حول السير بسحب كميات من دولارات الاحتياطي الالزامي العائد للمودعين لمد المصارف بها والتي من شأنها تخدير الرأي العام واستحداث صدمة ايجابية تساهم وان مؤقتاً بتخفيض سعر صرف الدولار والايحاء بحلحلة مصطنعة تساهم في تهدئة الرأي العام بعدما شعر المعنيون ان الثورة على قاب قوسين من الاشتعال مجدداً وان نسب الفقر سوف تطيح هذه المرة برؤوس كبيرة فيما بات معلناً على لسان اكثر من مسؤول ان حجم الفرار من المؤسسات العسكرية وحجم طلبات جوازات السفر ونسب الفقر فاقت كل تصور وهي تهدد الامن الاجتماعي برمته.
ولكن ،هل هذه الهندسة الوقتية المغرية ناجعة ؟
من المؤكد يضيف الخبراء أنها كمن يلحس المبرد، في ظل تمنع على الدوام من كشف آخر أرقام الارصدة وكن بينها رصيد الاحتياطي الالزامي الذي لم يعد يتخطى في مطلق الاحوال ال ١٢ مليار دولار… فكم يخدم هذا الاستنزاف في وقت بات من المؤكد ان ابعاد العملية هي شفط السيولة بالعملة اللبنانية مع التساؤل عن سبب فشل طباعة المزيد منها، وهذا ما يقود حتماً الى الانهيار التام والشامل، تزامناً مع اعادة ضخ تسريبات عن منافع تسييل الذهب، لكن الدول الكبرى في المرصاد ولا سيما صندوق النقد الذي يترقب التخبط الحاصل وهو لم يؤد الى اي نتائج، وان سقف هذه الهندسة توقف عند تخفيض سعر صرف الدولار ثلاثة آلآف ليرة لبنانية في حين ان اية خضة امنية تنذر برفعه اكثر من عشرة آلآف ليرة دفعة واحدة.
في المحصلةلقد سدت كل الآفاق، واستنفدت كل التجارب، فلا ننسى ان صفيحة البنزين كانت منذ عام ونيف ب ٢٣٠٠٠ ليرة والدولار كان ب ١٥٠٠ ليرة بينما اسعار السلع اليوم وكذلك الخدمات تؤمن على سعر ٣٥٠٠٠ ليرة لبنانية في ظل غياب اية ضوابط او اجهزة رقابية او امنية او قضائية.
والى حين تطبيق حلول ناجعة وفاعلة ، التدهور مستمر والازمة تتفاقم ولا حلول في الافق الا الاصلاح الحقيقي ومكافحة الفساد، وهذا محكوم ببسط سلطة الدولة المقتدرة الشرعية على كامل تراب الوطن ورفع الغطاء عن المخلين بالامن والنظام وتطبيق القانون، والا فالمسكنات المؤقتة لمريض يصارع مرضاً عضال على فراش الموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى