أبرز الأخبار

هل يجب تعديل الدستور لانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية؟/

تنص الفقرتان الثانية والثالثة من المادة ٤٩ من الدستور على ما يأتي:”ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بأكثرية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالأكثرية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انتهاء ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة، وغير المانعة للترشح.
كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة، والمؤسسات العامة، وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظائفهم، وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم إلى التقاعد”.
وبالتالي قد يبدو للوهلة الأولى أن الفقرة الثالثة من المادة ٤٩ من الدستور تمنع بكل الحالات انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى بمن فيهم قائد الجيش، كرؤساء للجمهورية إلا بعد سنتين من تقديم استقالتهم أو إحالتهم إلى التقاعد وانقطاعهم فعلياً عن العمل.
ولكن إذا ما عدنا إلى نص المادة ٧٤ من الدستور التي تقضي بما يلي:”إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة كحال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”.
وهنا يلاحظ أن المادة ٧٤ من الدستور تقضي بأنه عند شغور سدة الرئاسة لأية علة كانت، يجب انتخاب رئيس للجمهورية فوراً لمنع الشغور، على سبيل القياس لحالة الشغور في موقع الرئاسة مثل واقعة الإستقالة أو الوفاة التي اعتمدها الخبير الدستوري الدكتور إدمون رباط عندما قال”في هذه الحالة يجب انتخاب رئيس للجمهورية فورا”، وبذلك لا يعود شرط الاستقالة المسبقة المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة ٤٩ من الدستور سارياً، ولا يعود يتوجب تعديل الدستور تطبيقاً للمادة ٤٩ منه لانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، لاسيما أن عبارة “سبب آخر” الواردة في نص المادة ٧٤ من الدستور، تعني كل الحالات التي تؤدي إلى شغور قانوني أو دستوري أو فعلي.
هذا الرأي سبق أن اعتمده دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري في ٢٠٠٨/٥/٢٥ بناء على دراسة أعدٌها وزير العدل السابق الدكتور بهيج طبارة وقدٌمها في ندوة “الدستور في الانتخابات الرئاسية” في مركز عصام فارس، اعتبر فيها طبارة أن شرط الاستقالة المسبقة يسقط في حال شغور منصب الرئاسة بعدم انتخاب الرئيس قبل انتهاء ولاية السلف، الأمر الذي دفع الرئيس بري لدعوة مجلس النواب عام ٢٠٠٨ وفق المادة ٧٤ من الدستور المتعلقة بخلو سدة الرئاسة، بعد انقضاء المهلة المنصوص عليها في المادة ٧٣ من الدستور، ومن ثم تم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد إبرام اتفاق الدوحة، معتبراً أن الشغور مماثلاً لحالة وفاة الرئيس أو استقالته.
وعموماً لقد تكررت أكثر من سابقة لانتخاب رئيس جمهورية لا تتوافر فيه شروط المادة ٤٩ من الدستور، وبصورة خاصة الفقرة المتعلقة بانتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، والتي تشترط عدم جواز انتخابهم إلا بعد سنتين من تقديم استقالتهم أو احالتهم إلى التقاعد أو انقطاعهم فعلياً عن العمل. لاسيما عندما تم انتخاب اللواء فؤاد شهاب عام ١٩٥٨ والرئيس إلياس سركيس، خلافا لأحكام المادة ٤٩ من الدستور، وبالاستناد إلى نفس وجهة النظر القانونية التي اعتمدها الرئيس بري والوزير طبارة عام ٢٠٠٨، ولذلك كان انتخاب الرئيس ميشال سليمان سليماً قانونياُ.
وختاماً، يبقى للمجلس النيابي الحرية المطلقة في انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية بدون تعديل للدستور، بعد خلوٌ سدة الرئاسة، وتبرير هذا العمل أنه تصرف قانوني سليم صادر وفق أحكام المادة ٧٤ من الدستور، ومنطبق على نية المشرٌع الدستوري لأن المادة ٤٩ من الدستور لا تطبق بعد انقضاء المهلة الدستورية المنصوص عليها في المادة ٧٣ من الدستور، وهذا هو التفسير الصحيح لأنه في حال احتمال حصول تناقض في النصوص يرجح التفسير الذي لا يترك مجالاً للتناقض، وتؤيده السوابق الدستورية. لاسيما أن المادتين السابعة والثانية عشرة من الدستور المتعلقتان بالمساواة بين اللبنانيين أمام القانون بالحقوق والواجبات تعتبران أن أية عملية تقييد لعملية الترشح للرئاسة مخالفة دستورية. خصوصاً أن الظروف الإستثنائية التي تتحكم بالبلاد، والإنقسام الوطني الحاد الذي نعاني منه، وغياب الأمن الإجتماعي والمالي، والواقع المصرفي الخطير الذي وصلنا له، وحالة استفحال البطالة وازدياد هجرة الشباب والمثقفين وارتفاع الضرائب وسعر صرف الدولار،
تشكل كلها ضرورات وطنية لوجوب اجتماع كل القيادات اللبنانية كما جرى سابقاً في قمة الدوحة، وإصدار موقف وطني جامع كي يصار إلى انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية.

المحامي الدكتور إبراهيم العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى