أبرز الأخبار

نصرالله يتهيّأ بالصّواريخ الدّقيقة والمسيّرات… الأسابيع المقبلة ستكون قاسية

لا شيء يوقف التصعيد في المنطقة، قبل انتهاء المفاوضات النووية في فيينا، بمعزل عن التقدم نحو توقيع اتفاق جديد ونضوج تسويات كبرى، أو استمرار الخلاف وما قد يتركه من أزمات مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها انفجار الحرب على أكثر من جبهة ومحور، قد يكون أكثرها سخونة بين “حزب الله” وإسرائيل. لبنان يعيش ضمن هذا التصعيد في سباق مع الوقت، بين الوصول إلى اتفاق في فيينا ينعكس داخلياً تهدئة مرحلية أو تسوية أو تغييراً بموازين القوى، وإما ينزلق أكثر نحو الانهيار فيتولى “حزب الله”، الطرف الأقوى وصاحب فائض القوة، الأمور التي قد تأخذ البلد إلى حرب بالوكالة الإيرانية مع إسرائيل.

الوقائع اللبنانية تشير كلها الى التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل، إذ لم يكن تفصيلاً تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية على علو منخفض في سماء العاصمة بيروت للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، فيما أطلق “حزب الله” مسيّرة (درون) فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكد الجيش الإسرائيلي أنه “لم ينجح في اعتراضها وفقد أي أثر لها، في وقت تمّ تفعيل الإنذارات في منطقة الجليل، وإطلاق صواريخ اعتراض من نظام القبة الحديدية؛ واستدعاء طائرات ومروحيّات حربيّة”. وقد أعلنت “المقاومة ‏الإسلامية”، الذراع العسكرية للحزب، أن الطائرة المسيرة “حسّان” حلّقت داخل الأراضي ‏المحتلة، وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة أربعين دقيقة، في مهمة ‏استطلاعيّة امتدّت على طول سبعين كيلومتراً شمال إسرائيل، وعادت سالمة، بعدما نفذت المهمة ‏المطلوبة بنجاح.

يأتي هذا التصعيد لينذر بأيام ساخنة قد تشهدها المنطقة، خصوصاً لبنان الذي يشكل فيه “حزب الله” الذراع الإيرانية الأقوى، فإلى حين إبرام اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران، أو انفراط عقد المفاوضات، سيبقى لبنان في دائرة الخطر، خصوصاً أن أي اتفاق لن ينعكس مباشرة تسوية في لبنان، إذ إن التفاوض حول ملفات المنطقة، بما فيها توزيع النفوذ، سيحتاج إلى وقت، وقد يكون لبنان آخر الملفات، ما دامت طهران تعتبره الورقة الأقوى ولا تفرّط به حتى لو كان الاتفاق النووي لمصلحتها. وإلى أن تحين لحظة التسوية، سيشهد لبنان الكثير من المحطات الصعبة، فيما معالم الانفجار تتكاثر، ولن يكون آخرها تحليق الطائرات الحربية والمسيّرات بين لبنان وإسرائيل.

ولعل إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عن امتلاك الحزب مسيّرات يصب في إطار عرض القوة الإيراني في إطار التصعيد المرتبط بالمفاوضات، لكنه أيضاً أعلن عن تحويل البلد إلى مصنع للصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، وهو ما يعني تهيّؤاً للحرب من مدخل إيراني بالدرجة الأولى. وجاء تصعيد الطائرات كتطور عسكري هو الأخطر الذي يعلنه نصر الله، وبمثابة تحدّ لإسرائيل والمجتمع الدولي الذي يفاوض لبنان على تفكيك الصواريخ الدقيقة. فيما كل البيانات التي صدرت عن المجتمعين العربي الخليجي والدولي تدعو إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، خصوصاً القرار 1701 الذي خُرق بقوة كمؤشر للحرب، إضافة إلى الدعوة لسيطرة الشرعية اللبنانية على كل الأراضي ونزع سلاح الميليشيات.

والواقع أن إعلان نصر الله عن الصواريخ الدقيقة وتصنيعها في لبنان، يفتح على موضوع سلاح الحزب العادي الذي لم يعد مهماً بالنسبة إلى المجتمع الدولي، بل التركيز ينصبّ اليوم على السلاح النوعي وصواريخه الدقيقة والمسيّرات التي تحدث فارقاً في أي حرب، فيما يتصرف الحزب من خارج الإجماع اللبناني، ويعزل الدولة بإعلان امتلاكه السلاح الدقيق، ويجر لبنان إلى وضع لا يستطيع تحمله.

ليست المرة الأولى التي يعلن فيها نصر الله امتلاك الحزب صواريخ دقيقة، لكن الجديد هو تصنيعها. ومرة جديدة يربط الوضع اللبناني بمسارات لها علاقة بالمنطقة. قبل سنة ونصف سنة كان قد تحدث عن تطور خطير قد يحصل خلال ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ولم يخف قلقه من احتمال ضربة عسكرية إسرائيلية، مؤكداً أن الحزب جاهز للتصدي لها. وها هو اليوم يفتح البلد على كل الاحتمالات، فيطرح ما يسميه “معادلة جديدة” في إطار الردع الجوي ضد الجيش الإسرائيلي، وتوازن ردع قد لا ينجو منه لبنان.

كل المؤشرات تدل الى أن الأسابيع المقبلة ستكون قاسية على لبنان، ومتوترة في المنطقة، أقله إلى أن ينقشع غبار صورة المفاوضات النووية. لكن في لبنان تحديداً، حيث البلد ينزلق يومياً إلى مزيد من الانهيار، يستثمر “حزب الله” قوته لحسابات المصلحة الإيرانية معرّضاً البلد إلى مزيد من الضغوط. وفي هذا الوضع يبدو أن طهران تُمسك بأوراقها وتوظفها في أي مواجهة محتملة لتحسين وضعها، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل ستصعد بضربات أكبر أو بعمليات محددة، فيعلن نصر الله جهوزية “محور المقاومة” للرد، ومشيراً إلى الصواريخ الدقيقة التي يملكها. لكن عند اندلاع حرب كبرى قد تتغير معادلات كثيرة على الأرض، فيما لبنان لا يحتمل أي دمار قد يقضي على ما تبقى من بنيته وبقائه.

يمر لبنان بلحظة مصيرية، فإذا بقيت الرهانات الخارجية على تغيير موازين القوى والإمساك بالقرار، وهي السياسة التي يؤديها “حزب الله” لحسابات إيرانية خصوصاً، بصرف النظر عن مقولة “الردع” وشعار “المقاومة والجيش والشعب” بديلاً من الاستراتيجية الدفاعية، لن يكون متاحاً للبلد القيامة. علماً أن “حزب الله” يعرف أن الأمور لن تكون سهلة في أي حرب أو تطورات، وهو يتحضر بقوته القتالية لأي سيناريو. وقد يبدو التصعيد واستعراض القوة قبل الوصول إلى لحظة الاستحقاقات المحلية اللبنانية والدولية، لكن رفع نصر الله منسوب التصعيد والتحدي العسكري مع إسرائيل، من خلال إعلانه عن بدء تصنيع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة داخل لبنان، وأنه لم يعد لديه حاجة لنقلها من إيران إلى الداخل اللبناني، هو منعطف مصيري، ومن خلاله سيكون الإمساك بلبنان أكثر من اي وقت مضى بجرّه إلى حروب ليست بالضرورة لمصلحته…

 

صحيفة النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى