أبرز الأخبار

نصرالله يتنصل من الدولة ومسؤولياته.. ويلاحق السراب الروسي

رفع أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، سقف التحدي السياسي داخليًا وخارجيًا: جدد الدعوة إلى التوجه شرقًا، فيما تتعرض روسيا، وهي المثال الشرقي المحتذى، لأقسى أنواع العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية، ولعزل على الصعيد الدولي.

طهران تطلّق روسيا
وحتى إيران باتت غير قادرة على مجاراة روسيا في حربها، بل تسعى إلى إنجاز التفاوض مع الأميركيين على الاتفاق النووي، لئلا تخسره. وأهم مطلب إيراني حاليًا هو رفع العقوبات الأميركية عن طهران وتحرير أموالها. وبين روسيا وإيران توتر على خلفية الموقف الروسي من آلية التفاوض. والوفد الروسي المفاوض طلب ضمانات أميركية وغربية مكتوبة، كي لا تشمل الإجراءات العقابية التي تتعرض لها روسيا تعاملاتَ إيران معها، بعد رفع العقوبات عن طهران.
واستفز الموقف الروسي الإيرانيين وأغضبهم، فوصفوا موقف موسكو بغير المفهوم. لكن خلاصة الموقف أن بوتين ربط الاتفاق النووي بشروطه وبتمكنه من عرقلة توقيعه.

نصرالله يمهد الطريق
أما في لبنان، فيصرّ نصرالله على توجهه نحو روسيا، معتبرًا أن ما يجري فرصة لا يمكن تفويتها لتعزيز الدور الروسي، من خلال تفعيل اتفاقيات النفط والكهرباء والتنقيب مع الشركات الروسية. لكنه استطرد قائلًا إن الولايات المتحدة الأميركية لم تقدم حتى الآن موافقتها الخطية لمصر والأردن، لإعفائهما من مندرجات عقوبات قانون قيصر، ليتمكنا من نقل الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر سوريا.

ويقول نصر الله هذا الكلام في معرض اتهامه الأميركيين بأنهم يمنعون المساعدات عن لبنان، ويريدون فرض شروطهم عليه ليحصل على ما يحتاجه.

ولا يخرج كلام نصر الله عن السياق الإيراني بالضرورة، وإن بدا متعاكسًا لتوجهات طهران. لأن المواقف تتخذ حسبما تقتضيه مصلحة الطرفين. فإيران تريد تعبيد الطريق للاتفاق، فيما حزب الله يرفع سقف شروطه، تحضيرًا لمرحلة ما بعد الاتفاق والبحث في ملفات المنطقة. لذلك هو يؤكد أن حزبه لا يزال في طليعة القوى المواجهة للأميركيين في لبنان والمنطقة.

ويتنصل من الدولة
ولكن الأبعد من ذلك، هو الرسائل التي وجهها نصرالله مباشرة إلى القوى السياسية في لبنان، سواء كانت من خصومه أم حليفة له. وهو انتقد بيان وزارة الخارجية والموقف اللبناني الرسمي الذي وصفه بأنه مكتوب بحبر أميركي، موجهًا بذلك رسالة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وهاجم نصرالله البطريرك الماروني بشارة الراعي بشكل غير مباشر حين انتقد من سماهم “أصحاب نظرية الحياد”. وبذلك وضع نصر الله سقفًا سياسيًا يشمل الجميع، مصراً على التحرر من أي مسؤولية تتعلق بشؤون الدولة، ونافيًا أن يكون حزبه مسيطرًا على قراراتها. وهذا ما يعلنه موقفه من شركات النفط الروسية: “لو كان حزب الله يهيمن على القرار في لبنان، لكان هناك من سنة ونصف سنة مصفاة نفطية تكرر 160 ألف برميل من النفط الخام، ولأنجز مشروع تكرير النفط الروسي في لبنان وتحول دولة مصدرة للنفط”.

روسيا ومثالها السوري
وبهذا الكلام أراد نصرالله نسف المساعي اللبنانية لترسيم الحدود، وبدء عملية التنقيب. لكنه تناسى أن شركة نوفاتيك الروسية هي من ضمن كونسورتيوم شركات التنقيب التي فازت بمناقصات لبنانية، من دون أن تتمكن من البدء بعملها.

وهناك أيضًا شركة روسنفت الروسية التي فازت بمناقصة إعادة تأهيل وتشغيل مصفاة النفط في طرابلس، ولكنها لم تتمكن من العمل كذلك: أولًا، بسبب الضغط الأميركي. وثانيًا، بسبب موقف حلفائه الذين منحوا الشركة المناقصة، لكنها لم تبدأ العمل، وربما لعدم حماستها. وثالثًا، أن سوريا أبرز الأمثلة أمام حزب الله على النفوذ الروسي المطلق فيها، تعاني مع ذلك من أزمات عدة في مشتقات النفط والطاقة والغذاء.

حتى ألمانيا -بكل ما تمثّل من ثقل سياسي واقتصادي ودور على الصعيد العالمي- لا تبدو قادرة على مواجهة العقوبات الأميركية التي أعاقت العمل في أنبوب “نورد ستريم 2”. وروسيا نفسها غير قادرة على الخروج من تلك الدائرة. وهي لم تنجح في تحقيق التقدّم قيد أنملة في مبادرتها لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، رغم إطلاقها المبادرة قبل 4 سنوات. وذلك بسبب ظروف روسيا السياسية والأمنية والاقتصادية، وانتظارها الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، قبل غزوها أوكرانيا وفرض العقوبات عليها، فكيف بعدهما؟!

ماذا يريد نصرالله؟
يتضمن خطاب نصر الله، إذًا، جملة رسائل ترتبط بالتوقيت: أولًا، رفع سقف التحدي أمام جمهوره على مشارف الانتخابات. ثانيًا، إرادته تحميل مسؤولية الانهيار في لبنان للأميركيين ومن ينفذ سياساتهم، على وقع تحولات دولية مشهودة، وتملصه من أي أعباء ومسؤوليات. ثالثًا، التخفيف من ثقل تأثيره السياسي على الواقع اللبناني.

وهناك رابعًا، إيصال رسالة مباشرة لحلفائه حول المواقف التي يتوجب عليهم اتخاذها من الآن حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفي انتظار ما تؤول إليه المفاوضات الإقليمية، في ظل مساعي أبرز حلفائه، أي التيار العوني، إلى ترتيب علاقته بالأميركيين، ولو اقتضى ذلك تمايزًا عن حزب الله.

وخامسًا، إيصال رسالة واضحة حول ملف الترسيم: رفض التنازل للشروط الأميركية، بناء على اقتراح آموس هوكشتاين. وهذا بعد رفض حزب الله المشاركة في لجنة تتشكل لدراسة الردّ التقني على العرض الأميركي.

 

منير الربيع / المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى