أبرز الأخبار

مونديال ساحة النجمة…

ألمحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

حدثان عالميان يتصدران شاشات التلفزة : مونديال قطر ومونديال لبنان
الاول يجري في الدوحة والثاني في لبنان وتحديداً في ساحة النجمة وسط العاصمة بيروت
الاول رياضي… والثاني سياسي
الاثنان يختلفان في الشكل إنما يستقطبان سوية أنظار العالم…
وهما ينطويان على مفاجآت مريبة حيث أن الأول يشهد تدحرج قوى دولية حملت كؤوساً عالمية وتصدرت بطولات على مدى دورات في كرة القدم في حين أن الثانية شهدت على مدى الاسابيع الفائتة وحتى اليوم تدحرجاً للديمقراطية وسقوطاً مدوياً لمفاهيم الدستور وأعرافاً كانت سائدة حتى في عز ايام الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين العام ١٩٧٥ و ١٩٩٠.
وبين الكرة الرياضية وكرة الثلج التي تكبر أسبوعياً يتقاذف النواب اللاعبون كرة نار فيما بينهم وهم يلعبون على ” ستاد” ساحة النجمة بخفة ولامبالاة قل نظيرها، حتى باتت لعبتهم مكشوفة وهزلية، وقد أضحت النتائج مكشوفة بعد انتهاء كل شوط يلعبون خلاله بأعصاب الناس،
صحيح أنهم في الظاهر يطبقون الدستور ويمارسون اللعبة الديمقراطية، لكنهم في الباطن يلعبون بمصير شعب بكامله، وقد ضاعت كرتهم، وتاهت، فلم يعد هدفهم مرمى انتخاب رئيس للجمهورية، بل بعضهم هدف إلى ممارسة الخداع، والبعض الآخر النكايات والكيدية، والبعض لعب ” الغميضة” بين اروقة المجلس او التخفي خارج البرلمان في الازقة والشوارع، بانتظار كلمة سر من خارج حدود الوطن، أو انتظار الروح القدس أو الهام رئيس الكتلة، في حين تشبه لعبة بعضهم تلك التي يمارسها طلاب الروضة الابتدائية لتقطيع الوقت الضائع في ملعب المدرسة الى حين قرع جرس ساعة التدريس.
مباراة باتت مملة للغاية لم تعد تستقطب انظار اللبنانيين، وقد جاز وصفها من قبل البطريرك الماروني بالهزلية ،تشبه الى حد ما الافلام المكسيكية تتخلل حلقاتها المملة لقطات من الغرام حيناً والدراما حيناً آخر والتشويق في بعضها، يجهد المخرج بين الفينة والفينة ضخ روح الخروج من الروتين القاتل الذي يغرق المشاهد الى حد الشعور بضرورة اطفاء جهاز التلفاز اتقاء من القيء أم نوبات الاعصاب او الضجر لكثرة ترداد المشاهد اياها التي تكشف صناعة تعبئة الوقت الضائع وابتكار اللاشيء واختراع العدم تقطيعاً للوقت ولاطالة أمد حكاية ابريق الزيت التي بات معروفاً مسارها ونهايتها وأسرارها وخزعبلاتها.
يا لها من صناعة رخيصة سوداء في زمن الأوراق البيض، ورتابة في زمن شد الأعصاب، وابتكار الالفاظ والعناوين الفارغة، والهزلية في زمن البكاء وصرير الأسنان،
حبذا لو يلقي هؤلاء الممثلين على الشعب ( وليس ممثلين عنهم) نظرة من عليائهم وعروشهم المخملية الى قعر جهنم لبرهة فقط،ليروا بأم العين موكليهم يحتضرون ويئنون ويستنجدون ويستغيثون ،كل من موقعه، واحد في المستشفى وواحد على رصيف أحد المصارف، وآخر على باب صيدلية يشحذ الدواء، وآخر يذهب مشياً الى عمله لعجزه عن ملىء خزان سيارته بالوقود،
إنها أرض الفينيقيين التي حولتموها الى جهنم الحمراء في وقت تحتفل أرض كانت منذ عقود مضت صحراء قاحلة جرداء الى جنة خضراء تشع بالفرح والبهجة والإنماء والازدهار وقد استقطبت شعوب الأرض قاطبة.
إنها خديعة العصر في زمن بائس كلّفتم بأمانة ففرّتطم بها، وحوّلتموها لمسرحية لهو وفولكلور تخلو من الجدية والرصانة والإتزان، بعدما تحوّلتم الى صبية ينتظرون ساعة النداء للصعود بالباص للنتقال الى أصقاع الارض،والإقتراع ربما للمجهول بعيداً عن إرادة يفترض أن تتوفر فيكم ومسؤولية يفترض أنكم تتحملونها ووكالة يفترض أنكم تحملونها، واتزان يفترض أنكم تتحلون به ،وضمير يفترض أن تمتلكوه في أحلك ظرف مصيري يمرّ به الوطن….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى