بأقلامهم

مات الملك…. عاش الملك/ لوسيان عون

بقلم المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

إنجلى المشهد السياسي أكثر فأكثر وحسمت المعركة بين معسكرين : الاول يضم جزء من قوى الممانعة، وجزء آخر من انفصل عنها واتجه الى انقاذ عهد بات كالهيكل الذي يتهاوى فوق رؤوس الجميع. من جهة يقف الثنائي الشيعي بزعامة حزب الله ليسير على خطى مشروع إيراني بعيد المدى لا سقف زمني له الا ما ينحدر من الفكر الديني، بينما حسابات الفريق المواجه له بسائر مكوناته همه إنقاذ ما تبقى من عهد متناثر مهشم بشظايا الفساد والنهب والسرقات ،لم يبق له سوى فرصة تعطيل الاستحقاقات الانتخابية النيابية والرئاسية بحثاً عن امل في تمديد هنا وتجديد هناك او على اقل تقدير بقاء العماد عون في القصر الجمهوري لتعبئة ” فراغ” يلصق اسبابه وتداعياته ببعض حلفائه القدامى خصوم اليوم وهم أضحوا من عداد المتفرجين والشامتين الى جانب المعارضين للعهد والحركة الثورية التي أنتجتها انتفاضة ١٧ تشرين.
” فرص الانقاذ ” بمنظار عون وميقاتي تنحصر بتعطيل الانتخابات ،وقد استعملت اسلحة ” الصلاحيات ” التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في الدستور، الى جانب دفع عشرة نواب عونيين الى تقديم مراجعة إبطال لدى المجلس الدستوري لقانون الانتخاب الجديد بعد تمنع عون لمرتين عن توقيعه رغم اصرار مجلس النواب على التصديق عليه، وهذا ما كرس الاصطفاف السياسي حتى داخل المجلس بين نواب الثنائي ونواب التيار الذين أيقنوا أنهم باتوا اقلية في مواجهة معارضة توسعت مروحتها، بعد ان شارفت ولاية عون على الانتهاء، وبذلك ينتهي مفعول أجندة التيار الذي رفع شعار ” الاصلاح والتغيير” وفشل فشلاً ذريعاً رغم بلوغه سدة الرئاسة والتحكم بمفاصل القرار والوزارات والدوائر والمؤسسات والاجهزة الأمنية ورغم مساندة الثنائي الشيعي له الذي منحه كل الفرص، لكن التهاء العهد بالنهب والفساد وصفقات السرقة ،وتغاضيه عن معالجة شؤون الناس وشجونهم اوقعه في ورطة، وقد انقضت السنوات الحلم الستة دون تسجيل اي انجاز يذكر، وها نحن على مشارف اخلاء عون لقصر بعبدا المنتظر ( المفترض) بحسب الدستور أللهم اذا تمسك الأخير بشعار ” عدم ترك الفراغ” كحجة للبقاء اذا توصل الى تعطيل الاستحقاق النيابي وكذلك الرئاسي ما يشرع الباب على كل الاحتمالات.
اليوم يقف اللبنانيون امام مشروع مواجهة خطير بين معسكرين جديدين واصطفافين تبدلا بفعل الحسابات السياسية والاقليمية والدولية ،فالتطبيع يلتهم الصمود والتصدي، وشعار محاربة العدو الصهيوني لم يعد مرفوعاً في الدول العربية الا في بلاد فارس، والقضية الفلسطينية لم تعد ذاك المولود الذي تبنته يوماً الامم المتحدة والدول العربية مجتمعة، واليهود باتوا اكثر الشعوب استقطاباً ومنحاً للتسهيلات في دول الخليج، والنفط والغاز الشرق اوسطي بات محط انظار اميركا وروسيا وإسرائيل وقد ادخل المنطقة في حقبة التنفيذ العملي تمهيداً للتنقيب عنه على الشواطىء اللبنانية وهو يتطلب إرساء منطقة آمنة بعمق مئتي كيلومتر ما يعني اجتثاث اي قوى ارهابية ام سلاح لا تتحكم بالسيطرة عليه الدول المستثمرة بعد ان طبقت خطة تجفيف الموارد المالية للمنظومات المناهضة للقوى الشرعية ريثما يتم احكام القبض على منابع النفط بغية استخراجه ضمن عملية هادئة ومنتظمة.
لبنان دخل حقبة التدويل غير المعلن وربما التدجين تمهيداً لتطبيق أجندة من نوع آخر؛ انها اجندة سياسية – تجارية بحتة تم التوافق عليها بين الدول العظمى عام ٢٠١١ عقب اكتشاف النفط ويجري تنفيذها اليوم بالتوافق مع الدولة العبرية ،فالغارات الاسرائيلية على القواعد السورية والايرانية في سوريا منذ عامين لم تكن من باب النكايات ولا الصدفة بل تندرج ضمن إطار خطة طرد ايران من سوريا وتقاسم الارض والثروات بين روسيا واميركا، فروسيا غير راغبة في مواجهة ايران مباشرة والدخول في حرب دولية، وهذا ما يترجم تكليف اسرائيل بشن غاراتها في الداخل السوري ،تمهيداِ لإرساء المعادلة الجديدة المتوافق عليها : روسيا في سوريا، وأميركا في لبنان. وإلى أن يفرض الاستقرار على ارضنا، ننتظر استحقاقات جذرية مقبلة، فتنكفىء قوى وتحسن أخرى من مقوماتها وركائزها، يبقى معرفة أي نظام مقبل في لبنان إن كان القرار الدولي استعادة السيادة وفرض الاستقرار تمهيداً للشروع في التنقيب عن النفط والتطبيع مع اسرائيل على غرار ما تسير به الدول العربية ومنع إيران نهائياِ من امتلاك قنبلة نووية؟!
على وقع المثل الشائع : مات الملك…. عاش الملك، ها نحن امام مملكة متهالكة مقطعة الأوصال ومفلسة ينتظر اللبنانيون إعلان وفاتها في حين ينتظرون عهداً جديداً مجهول الولاء والإنتماء والأداء، مع امل بتقصير الولاية طالما أن الدول الكبرى تترقب تغييراً جذرياً على مستوى الأداء فهل تكون المملكة المنتظرة على شاكلة الحالية ام أن ازدهار لبنان سيتحول من حلم الى واقع مرتجى؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى