أخبار دوليةبأقلامهم

لبنانيّ مارونيّ: أوّل سفير للفاتيكان في الإمارات

د. فادي الأحمر

في 3 كانون الثاني 2023 عيّن البابا فرنسيس أوّلَ سفير للفاتيكان مقيم في دولة الإمارات. إنّه المطران كريستوف زخيا القسّيس. سبق هذا التعيين افتتاح مبنى السفارة في أبو ظبي في 4 شباط 2022، في الذكرى الخامسة عشرة لإقامة العلاقات الدبلوماسيّة بين الدولتين والثالثة لتوقيع “وثيقة الأخوّة الإنسانيّة”. وسيتعيّن على السفير الجديد تأسيس السفارة وبناء الكادر الدبلوماسيّ وتطوير العلاقات. ولكنّ مهمّته ليست دبلوماسيّة فقط، كما يقول المطران القسيس لـ “أساس”، إنّما رعوية أيضاً تتعلّق بمتابعة شؤون المسيحيين الذين ازدادت أعدادهم منذ عقود مع تطوّر دولة الإمارات وازدياد فرص العمل فيها حتى أصبحوا مئات الآلاف.

من هو كريستوف زخيا القسّيس؟

هو ابن بلدة فيطرون الكسروانيّة. درس اللاهوت في جامعة الروح القدس في الكسليك، وسيم كاهناً في أبرشية بيروت المارونيّة (1994). بعدها أرسله المطران الراحل خليل أبي نادر إلى روما لمتابعة دراسة الحقوق. هناك علِمَ القسيس أنّ “الأكاديميّة الكنسيّة الحبريّة”، التي تخرّج فيها دبلوماسيّو الفاتيكان، تبحث عن مرشّحين يتقنون اللغة العربيّة. استأذن أسقفه الجديد في بيروت، المطران بولس مطر، فمنحه الإذن وشجّعه. بعد سنوات تخرّج الكاهن زخيا القسيس عضواً في السلك الدبلوماسيّ الفاتيكانيّ. عمل سنوات في “أمانة سرّ الدولة” عايش خلالها كبيرين من المسؤولين عن العلاقات مع الدول، هما الكاردينال جان لويس توران والكاردينال دومينيك مابرتي. وخدم دبلوماسياً في سفارات الفاتيكان في كلّ من إندونيسيا والسودان وتركيا.

في عام 2019 رقّاه البابا فرنسيس إلى رتبة الأسقفية، ونالها على يد أمين سرّ دولة الفاتيكان الحالي بيترو بارولين. وأوّل مهامّه سفيراً كانت في باكستان (منذ 2019) حيث يجمع الآن حقائبه للانتقال إلى الإمارات في آذار المقبل.
علاقات دبلوماسيّة منذ 2007

بدأت العلاقات الدبلوماسيّة بين الإمارات والفاتيكان عام 2007. كان سفير الفاتيكان لدى الكويت هو المسؤول عنها. فدولة الكويت هي أوّل عضو في مجلس التعاون الخليجي طوّر علاقاته مع الفاتيكان وأقام معه علاقات دبلوماسيّة (1968). على مدى ثلاثة عقود كان سفير الفاتيكان في العراق أو لبنان معتمداً أيضاً لدى الكويت.

في عام 2000 تمّ إنشاء سفارة للفاتيكان في الكويت لتغطّي شبه الجزيرة العربيّة. وعيّن مسؤولاً عنها جوزيبي دي أندريا، بدايةً قائماً بالأعمال ثمّ سفيراً. كانت مهامّه تشمل كلّ دول الخليج التي أقامت علاقات دبلوماسيّة مع الفاتيكان، وهي: اليمن (1998)، البحرين (2000)، قطر (2002) والإمارات (2007). أمّا سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعوديّة فـ “يشكّلان أراضي الوفد الرسولي”.

تجدر الإشارة إلى أنّ الوجود المسيحي في الخليج يقتصر على المغتربين. ويبلغ عدد الكاثوليك منهم حوالي مليونين (بحسب موقع سفارة الفاتيكان في الكويت). العدد الأكبر هو من الفيليبين والهند. وهناك أيضاً كاثوليك من لبنان ومصر وسوريا. أوجد هذا التنوّع في الأصول تنوّعاً في الطقوس الليتورجيّة. أنشأ الفاتيكان نيابتين رسوليّتين لرعاية شؤون الكاثوليك في الخليج، هما أشبه بأبرشيّات: الأولى لشمال شبه الجزيرة العربيّة مقرّها المنامة والكويت، وتضمّ الكويت وقطر والبحرين. والثانية لجنوب شبه الجزيرة مقرّها أبو ظبي، وتضمّ الإمارات واليمن.

بعد السفير الإيطالي الأصل، عيّن البابا بندكتوس سفيراً للفاتيكان في الكويت المطران الراحل منجد الهاشم، ابن بلدة العاقوره اللبنانيّة، الذي كان محاضراً في الإسلام في جامعات روما. وهو ما يؤكّد أنّ الفاتيكان لا يسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسيّة مع دول الخليج فقط، إنّما هدفه تطوير الحوار بين الديانتين الإسلاميّة والمسيحيّة من أجل السلام والعدالة في العالم، كما جاء في “وثيقة الأخوّة الإنسانيّة”.
علاقات عميقة مع الخليج

وقّع البابا فرنسيس تلك الوثيقة في 4 شباط 2019 مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، خلال زيارته التاريخيّة لدولة الإمارات. حينذاك تشكّك البعض في عمق الزيارة. ولكنّ الشكّ أسقطه يقين عمق العلاقات بين البلدين التي هي جزء من تطوّر العلاقات بين الفاتيكان ودول الخليج العربيّ. وهذا ما يظهر بوضوح من خلال تطوّر العلاقات بين الفاتيكان والمملكة العربية السعوديّة التي تشهد انفتاحاً شاملاً ينسحب على المجال الدينيّ. ففي عام 2015 قام الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز بزيارة هي الأولى من نوعها للفاتيكان التقى خلالها البابا بندكتوس الـ16. ودعا الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز البطريرك الماروني بشارة الراعي (تشرين الثاني 2017) إلى زيارة المملكة. وكانت أوّل زيارة لبطريرك مارونيّ للسعوديّة. تبعتها زيارة تاريخيّة للكاردينال جان لويس توران (نيسان 2018). وكانت أوّل زيارة لمسؤول فاتيكانيّ بهذا المستوى للمملكة.

من المؤسف أن يكون لبنان “الرسالة”، الذي من المفترض أن يقدّم تجربة حيّة عن التعايش الإسلاميّ المسيحي والتقارب بين الشرق والغرب، غائباً كلّيّاً عن هذا التقارب والحوار التاريخيَّين بين الديانتين. “وكيف له أن يكون حاضراً في الحوار بين الإسلام والمسيحيّة وأبناؤه لا يتحاورون، سواء كانوا تيارات سياسيّة داخل الجماعة الواحدة أو جماعات تكوِّن هذا الوطن؟”، يقول مسؤول كنسيّ كبير. على الرغم من ذلك يبقى لبنان حاضراً من خلال بعض مواطنيه اللامعين، والمطران كريستوف زخيا القسيس أحدهم. وهو قال في ختام عظته لمناسبة سيامته أسقفاً في الفاتيكان: “بكلّ فخر أنا لبناني وماروني ومن الشرق..”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى