بأقلامهم

قراءة متأنية في التوجهات النيابية حيال انتخابات الرئاسة

 

المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

لا شك بان من تابع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بتاريخ ٢٩ ايلول تمكن بوضوح من رصد نوايا الكتل التي تألف منها المجلس النيابي علاوة عن نقاط الضعف والقوة التي شابت توجهات النواب على مختلف انتماءاتهم اضافة الى نقاط الخلل التي أفرزتها نتائج صندوق الإقتراع.
وفي قراءة سريعة لما حصل يومها من مجريات فبالامكان استخلاص الملاحظات التالية :
– تشتت بين النواب السنة بحيث ثبت ولاء بعضهم لقوى ٨ آذار وربما بلغ عدد هؤلاء ٧ نواب بينما صوت ثلاثة منهم باوراق بيضاء فيما اقترع الباقون بورقة كتبوا عليها عبارة ” لبنان” ولذلك اضعف هؤلاء قوة المعارضة وربما كان انكفاء الرئيس الحريري عن الساحة السياسة سبباً لانهيار قوة السنة رغم محاولات السفير السعودي البخاري لم الشبل تحت عباءة دار الفتوى لكن على ما يبدو باءت كل المحاولات بالفشل.
-على المستوى” الممانع” ظهر جلياً أن تماسكاً بقي واستمر منذ تاريخ انجاز انتخاب رئيس المجلس نبيه بري ونائبه بحيث حافظت هذه القوى على رصيد بلغ ما بين ٦٣ و ٦٥ نائباً كما ووحدة مسار في التنفيذ عند المعارك الكبرى سجّل امس بقاسم مشترك هو الاوراق البيض التي ترجمت في آن تماسكاً بينما كشفت عمق الخلاف والمواجهة والعناد بين مرشحي ٨ آذار سليمان فرنجيه وجبران باسيل، ولو حلّ هذا الخلاف لمصلحة أحدهم لهز هذا الفريق شباك المعارضة بعنف وكان على وشك النفاذ برئيس من جانبهم لست سنوات مقبلة
-اما كتلة التغيير فسجلت اكبر عملية تشتت وتضعضع رغم كل ما اظهره أعضاؤها من وحدة حال وتضامن حيث اخرجوا من جعبتهم ما يشبه ” حصاناً خاسراً ” غير معدّ سلفاِ لخوض السباق الرئاسي رغم تقديرنا لاسم مرشح ” بعضهم الاستاذ سليم اده الذي اجمع الكل على مناقبيته ونجاحه في الحقل العام ونزاهته لكن وفق ما نشر في وسائل الاعلام فقد فوجىء الاخير بطرح إسمه، لكن لم يتمكن المراقبون من تفسير هذه الظاهرة المفاجئة غير المبرر المتجسدة باستحضار اسم دون علمه في صندوق الاقتراع وكأنه شكل نكاية بفريق ام زغزغة لفريق آخر أم حرتقة على فلان على قاعدة ” جعجعة بدون طحن” وهي انعكست نقطة سيئة في سجل واداء هذه الكتلة التي طالما راهن قسم من اللبنانيين على انتاجيتها ومواقفها في هذه الفترة العصيبة من لبنان.
– اما كتل المعارضة فكان نتاج نشاطها وحراكها وحدة صف وموقف مع تسجيل وقوف بيضة القبان ( كتلة الاشتراكي) الى جانبها وتبني ترشيح النائب ميشال معوض وهو يعتبر مرشح مواجهة اكثر من حيادي نظراً لمواقفه الحادة من حزب الله. كما سجل ترجمة لوحدة المسار وايجابية المصالحة بين القوات والكتائب.
يبقى أن للمايسترو رئيس المجلس الذي واجه ضغوطاً شتى لدعوة المجلس قبل انقضاء المهلة الدستورية ،فلبى النداء وكان للمطالبين ما ارادوا مع اشتراكه بالقطبة المخفية وهندسة ( ممانعة) نفذها باتقان عبر كتلته النيابية بالتصويت الى جانب حزب الله والتيار باوراق بيض شكلوا تعطيلاً ( حتى اشعار آخر) لعملية انتخاب رئيس في عملية كسب للوقت تعطي جرعة وفرصة لحزب الله والتيار لالتقاط الانفاس ونسخ خيوط حكومة بالحد الادنى التوافقي الممكن لان الحزب على ما يبدو لا يجد من المناسب اعطاء الفرصة لاميركا لتمرير انتخاب رئيس من معسكرها في هذا الوقت بالذات حيث بات خياره محصوراً باحتمالات محددة : لا لجبران باسيل ولا لفرنجيه رؤساء لو ذاك كان باستطاعة الحزب حسم الامر وفرض غلبة واحد على الآخر، ولا للعماد جوزف عون الذي يتطلب انتخابه تعديلاً دستورياً وهو صعب التحقق الآن، بل الافضل تمرير الشهر الحالي بانتظار مصير نتائج الاحتجاجات في ايران وترسيم الحدود مع اسرائيل واستخراج الغاز من كاريش والقرارات المصيرية التي سيتخذها الرئيس الروسي في معركته مع الغرب.

من تابع الرئيس بري فور انتهاء الدورة الأولى الذي كان يراقب تنفيذ السيناريو بإتقان ومتابعة عملية تطيير النصاب لاحظ تجهم وجهه لحظة لفت نظره الى ان ” النصاب لم ينفرط عقده وثمة ٨٥ نائباً في القاعة”….. لكن ما رسمه من مناورات ” زغزغة” المرشع العماد عون في ٣١ تشربن الاول عام ٢٠١٦ جاء من يرد له الصاع صاعبن في ٢٩ ايلول ٢٠٢٢   واللعب بأعصابه لكن بري بالامس كان قائداً لجيش ممانع قوامه ٦٣ نائباَ لن يخذلوا هندسته السياسية والنيابية وقد نجحت خطتهم بامتياز…..
في المحصلة، مارس الثنائي لعبة فن الممكن وهو الذي باستطاعته ضبط ايقاع التيار فكان له ما اراد خياراً لا بديل عنه، عبر الاقتراع للتأجيل والتعطيل مستخدماً حقاً دستورياً ،اضافة لمونته على حليفه، بينما نجت بعض المعارضات في لملمة صفوفها ،فان تمكنت من ضم السنة ” المتأرجحين” ونواب التغيير للتوصل لاسم موحد، تصبح المعركة ” على المنخار” ، عندذاك يبقى الحسم للضغوط على عدد من النواب من قبل دول القرار عبر وسائل سبق واستخدمت من قبل في الطائف عام ١٩٨٩ و الدوحة عام ٢٠٠٨ لفتح الفانوس السحري واخراج ” سمسم” الرئاسة التي غالباً ما كانت ولادة ” صاحب الفخامة” اشبه بعملية قيصرية احترافية كانت تستخدم فيها كافة وسائل الترهيب والترغيب والنفوذ والاموال ، طالما أن الرئيس اللبناني نادراً ما كان نتاج صناعة محلية بل مستولداً من دول الغرب والسفارات.
إنه قدر لبنان السياسة والاقتصاد أن يكون محكوماً بوصايات بالمداورة ، ذاك القاصر الذي ما ان ترفع وصاية عنه حتى تتحكم به ايدي الفساد والسرقة وانياب الحيتان، يتغنى باستقلال لم يأتِ يوماً ، وحضارة ينهشها ابناؤها.
جلسة الدورة الاولى لانتخابات الرئاسة أمس كانت خير بروفا لتثبت ان لا شيء تغير كما نتائج انتخابات ١٥ ايار….
شعب لبنان هوهو
ونوابه هم إياهم…. هكذا تعودوا وتربّوا…
وهكذا نشأ التعطيل وكبر… وسيشيخ وأضحى أمس ” قصقص ورقاً بيضاً… ولا تساويهم رئيساً…. بل فراغاً في جمهورية الشلل والتعطيل”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى