أبرز الأخبار

شروط عونية للخروج من القصر والبلد إلى الفراغ… هل يفرض “حزب الله” رئيساً على طريقة 2016؟

ابراهيم حيدر – النهار

لا شيء يدل على أن الوضع في لبنان يسلك مسار انتاج تسوية سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية، ولا حتى البحث في تركيبة النظام اللبناني بفعل الانسداد الذي دمّر معالم الدولة، إضافة إلى العجز عن تشكيل #الحكومة. فكل التوقعات تصب في ذهاب البلد إلى الفراغ بعد 31 تشرين الأول المقبل تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية #ميشال عون، إلا إذا حدثت تطورات خارجية خلال المهلة الدستورية. وعلى الرغم من إشارات المجتمع الدولي بضرورة انجاز الاستحقاق الرئاسي، إلا أن الانسداد السياسي في البلد واستمرار الانهيار، وابتعاد القوى السياسية والطائفية نحو مشاريع خاصة لتحسين مواقعها تستحيل تصعيداً يؤجج الأزمات، فيما تعجز السلطة عن الانقاذ بسبب سياسات المحاصصة.

تبدو الدعوات الداخلية لانجاز الاستحقاق الرئاسي وكأنها تغرّد خارج الواقع، لكنها تشير إلى حجم الاختلافات وطبيعة المشاريع المطروحة في البلد وامتداداتها الإقليمية، فلا يدخل كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن مواصفات الرئيس المقبل إلا في سياق تكريس الفراغ، فيما الخرق الوحيد الذي يؤخذ بالاعتبار ما سجله لقاء وليد جنبلاط مع قيادة “#حزب الله”، الذي وإن كان عنوانه البحث عن تسوية لاختراق الجمود الحاصل، لكنه يعكس مخاوف من احتمال تطورات كبيرة على الساحة اللبنانية، إن كان عبر تسوية إقليمية ودولية كبرى ترسخها المفاوضات النووية، أو مواجهة تخلط الأوضاع في المنطقة، وفي الحالتين يبدو “حزب الله” المستفيد والطرف المهيمن والاكثر قوة، وإن كان جنبلاط يسعى بالتفاهم مع الحزب للوصول إلى مرشح توافقي للرئاسة للحد من الخسائر.

يظهر أن العامل الأساسي الذي يمنع استعادة نصاب المؤسسات الدستورية، هو ربط مصير لبنان بملفات المنطقة، حيث يشكل “حزب الله” طليعة القوى التي تحمل مشروعاً إقليمياً مرتبطاً بالمرجعية الإيرانية، وبالتالي يجعل من استحقاق الرئاسة ملفاً مرتبطاً بالإقليم، وربطه إلى حد بعيد بالمفاوضات النووية. وينطلق موقف “حزب الله” من احتمالات الدخول في الفراغ أو بقاء رئيس الجمهورية في قصر بعبدا وهو يضغط لتشكيل الحكومة في الفترة الفاصلة عن استحقاق الرئاسة كونها ستصبح مقررة بعد انتهاء الولاية من دون انتخاب رئيس، تماماً كما حدث في عام 2014 حين انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان وتسلمت حكومة الرئيس تمام سلام الصلاحيات لمدة سنتين حتى 2016 تاريخ تنصيب ميشال عون.

التطورات في الداخل اللبناني تشير إلى أن بحثاً خلف الكواليس يتقاطع بين المحلي والدولي يتناول التركيب السياسي والصيغة واتفاق الطائف، وهو يأخذ بالاعتبار موازين القوى وإمكان تفجر الأوضاع السياسية والامنية إذا حدث إنسداد في الملف النووي وايضاً في المباحثات السعودية- الإيرانية. لكن حتى الآن لا بحث جدياً في انتخاب رئيس للجمهورية، في انتظار متغيرات دولية استراتيجية، إذ أن الداخل عاجز عن انجاز الاستحقاق الدستوري بلا رعاية دولية.

كلمة السر الرئاسية ومعها ملفات الترسيم والحكومة باتت مرتبطة وفق مصدر دبلوماسي إلى حد بعيد بالملف النووي والمفاوضات الجارية بشأنه في فيينا، وهذا أمر يُذكر بالمرحلة التي سبقت انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في 2016، اي بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاق 2015. مرّ البلد في ذلك الوقت في حالة فراغ وبقي لسنتين معلقاً على ترشيح ميشال عون كاسم وحيد للرئاسة وهو ما حدث في ظل الامر الواقع الذي فرضته التطورات وهيمنة “حزب الله” على القرار بعد تدخله في سوريا لنصرة النظام.

هناك أطراف دولية في مقدمها فرنسا والفاتيكان تصر على التمسك باجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها لقطع الطريق على اي فراغ، وفي المقابل هناك مخاوف من أن اي بحث في التركيبة اللبنانية والنظام والذي تسعى إليه قوى مهيمنة ووفق موازين القوى الراهنة، قد يؤدي نسف الصيغة، وتكريس هيمنة طائفية جديدة. والتذكير بمرحلة 2016 لا يعني أن السيناريو نفسه سيتكرر في 2022، على رغم أن كل التوقعات تشير الى قرب اعلان بنود الاتفاق الجديد في فيينا، الامر الذي سينعكس على لبنان في ملفات عدة من دون أن تتطابق مع السيناريو السابق. لكن الانعكاسات قد تكون لمصلحة قوى الممانعة و”حزب الله” تحديداً وهو أكثر قوة وقدرة اليوم من السابق على مستوى السلاح والهيمنة وبوجود حليفه ميشال عون في الرئاسة، وهو الذي يتحكم أيضاً بملف ترسيم الحدود كمقرر في مساره. ويبدو أن انتظار نتائج مفاوضات فيينا اساس لتحديد ملامح المرحلة اللبنانية الجديدة، لكن أيضاً ملاحظة حجم الانهيار في البلد الذي ينزلق إلى الهاوية يحدد موازين القوى وطبيعة التركيب المقبل وانعكاساتها على آلية الاتفاق على تسوية رئاسية.

يتضح في المعادلة القائمة أن “حزب الله” الاكثر قدرة على التأثير في الاستحقاق الرئاسي، في ظل اختلال موازين القوى الداخلية. لكن الحدث الأكثر خطورة إلى موعد الاستحقاق، يبقى باحتمال عدم خروج ميشال عون من القصر ما لم تتشكل حكومة تحمل سياسته وقادرة على الحكم في حال عدم انتخاب رئيس جديد. الاجواء السياسية حتى الآن تشير إلى ذلك، فعون لن يخرج من الرئاسة ما لم يضمن القدرة على الاستمرار في الحكم بأشكال مختلفة خصوصاً مع بقاء الذين يتهمهم بالفساد في مواقعهم وهم وفق رأيه يمثلون المنظومة التي عطلت مشاريع العهد ومنعته من تحقيق انجازات. وفي حال لم يتمكن من ذلك سيضغط لمنع عزله سياسياً أو وضع الفرامل أمام جبران باسيل ومنعه من التأثير في القرار. وإلا سيستمر عون في القصر بحكم الامر الواقع، وهو ما دفع “حزب الله” إلى التحرك لتسوية مجموعة من الامور مع قوى سياسية مختلفة.

المعطيات تشير إلى أن البلد متجه إلى حالة من الفراغ حتى إذا قرر ميشال عون الخروج من القصر. مجلس النواب اللبناني لن يتمكن من عقد جلسة انتخاب رئيس جديد خلال المهلة الدستورية، أولاً بسبب قدرة تحالفات نيابية سياسية على تعطيل النصاب، وثانياً لعدم تمكن أي محور إن كان من المعارضة أو الممانعة أو ما يسمى بالمحور السيادي على تأمين اصوات 65 نائباً لانتخاب الرئيس، وهذا مرهون بالنصاب أيضاً. أما إذا حصل تطور في الاتفاق النووي وانعكس على المنطقة، فيمكن عندئذ انتخاب اسم لكنه سيكون اقرب كمرشح لـ”حزب الله” يشبه ميشال عون وأكثر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى