أبرز الأخبار

سوق سوداء موازية للسوق السوداء!

فؤاد زمكحل – الجمهورية

نحن في لبنان، لسوء الحظ، نختبر استراتيجيات عدة قديمة جديدة مبرمجة وممنهجة، وخصوصاً تخريبية وإجرامية على أصعدة عدة. من هنا ينبغي شرح استراتيجية مشبوهة تهدف إلى قطع المواد الأساسية عن المواطنين. ومن ثم خلق سوق سوداء مُواز، لذلّ المواطنين ورفع الأسعار، وأخيراً استرداد هذه المواد في السوق، بأسعار مرتفعة من دون أي ردة فعل أو انفعال شعبي.
هذه الإستراتيجية المدمّرة شهدناها في العام 2020، عندما انقطع الوقود وسائر المشتقات النفطية، فيما كان الجميع يُدرك تماماً أن البنزين كان متوافراً في السوق المحلية. فالهدف الأول كان خلق سوق سوداء مُواز ومدولر بامتياز، مع مستفيدين كثر من جميع الجهات، فيما الهدف الثاني كان يتعلق بالتهريب إلى خارج الحدود وتحقيق أرباح باهظة للمروّجين ومَن يحميهم ويُديرهم.

أما الهدف الثالث والكارثي، فكان إذلال الشعب اللبناني وإجباره على الإصطفاف في طوابير الذل، للاستحصال على أقل حاجاته الإنسانية وتأمين لقمة العيش. ومن ثم اعتياده على التسوّل للحصول على أقل حاجاته وحقوقه وخصوصاً إجباره على القبول بأسعار تزداد 20 ضعفاً من دون أي تمرّد أو احتجاج.

المعادلة كانت واضحة، أرباح خيالية وتمويل كبير لهذه الأيادي السود وبعض المسؤولين النافذين وأتباعهم، وإذلال وخسائر فادحة للمواطنين.

بعد نجاح التجربة الأولى، الإستراتيجية الخبيثة نفسها تواصلت على صعيد الدواء، حيث قُطع من السوق المحلية، وخُلقت سوق سوداء موازية، فهُرّب قسم كبير من الأدوية المزمنة المدعومة إلى خارج الحدود، وقد تحققت أرباح باهظة على حساب صحة الشعب وحياة المرضى وزيادة ذلهم وأوجاعهم من جديد. فأُجبِر اللبنانيون على شراء مستلزماتهم الصحية ولا سيما الأدوية الضرورية لمعالجة أمراضهم المزمنة من خارج البلاد، ولا سيما تركيا، اليونان والهند، بأسعار مرتفعة. وعندما رجعت هذه الأدوية وتواجدت من جديد بضربة عصا سحرية، إلى الصيدليات، عادت بأسعار مرتفعة جداً، حينما تراجعت نسبة العيش، ومداخيل اللبنانيين. لكن هنا أيضاً كان الشعب مقموعاً لأن همّه كان الحصول على الدواء، مهما كان الثمن، ومخاوفه باتت محصورة بالانقطاع والقلّة وليس ارتفاع الأسعار. وهنا أيضاً جُمعت الأرباح للمهرّبين والمسرّبين والمحميين.

ومنذ أسابيع عدة، عادت الإستراتيجية المذلّة ذاتها حيال انقطاع الخبز والقمح مرة أخرى كالعادة، إذ خُلقت سوق سوداء للإستحصال على رغيف خبز، فأُجبر اللبنانيون على الإصطفاف والتشابك في طوابير الذل للحصول على لقمة الخبز، ومن ثم رجعت ضربة العصا السحرية من الساحر الظالم ذاته، فعادت المواد وارتفعت الأسعار أمام شعب يائس ومسحوق.

في الخلاصة، إن هذه الإستراتيجية المبطّنة الهادفة إلى قطع المواد الأساسية، وخلق سوق سوداء موازية، وتحقيق الأرباح الخيالية، ومن ثم ارتفاع الأسعار من دون ردة فعل، أعطت لسوء الحظ مردوداً باهظاً على الإستثمار لمن يتلاعبون ويُتاجرون بحياة وحقوق اللبنانيين الأساسية والإنسانية. ويُمكن استعمال هذه الضغوط في أي وقت لأغراض سياسية، ومتاهات معينة وحتى استحقاقات مقبلة، لخلق الفوضى واستبعاد المواطنين من الأمور الجوهرية الراهنة والتركيز على حقوقهم البديهية والإنسانية المخطوفة عمداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى