أبرز الأخباربأقلامهم

جمهورية الموز تعمل بمادة وحيدة… : ” مادة إجرا من الشباك” …!

 

المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي

كتب على اللبنانيين يوماً أن يضعوا غشاوة على أعينهم من كثر تمتعهم بالنعيم والازدهار والبحبوحة، فانتقوا من عديد المرشحين للندوة النيابية طقماً ممن عرضوا عليهم المن والسلوى وتأمين برامج الرخاء والثراء، فكان أن أنتجوا ” نخبة ” من ” صناعة لبنانية ” كانت رائدة في كل المجالات، فأحسن هذا المجلس تعطيل انتخاب الرئيس وتسمية رئيس للحكومة لا غبار عليه ولا ملفات أم دعاوى في الادراج، وانتقت كتله وزراء بمعظمهم عرفوا كيف يديرون الازمات ولا يحسنون الخروج منها، كما انتخبوا رئيساً للجمهورية قاد لبنان إلى جهنم الحمراء و”سكر” بانجازاته ” السخية “، حتى كانوا ابطالاً في التعطيل ومتخصصين في اختيار فخامة الورقة البيضاء ،
لقد كانوا بارعين في التمثيل مؤخراً، في ابتداع اشكال من اوراق الانتخاب ،فاستحضروا شخصيات رفضت الترشح لرئاسة الجمهورية ، كما استحضروا شعارات وعناوين براقة وشعبوية ، الى حد انتقاء تسميات وعبارات كتبت وهم يدرون انهم اقترعوا باوراق باطلة،
لقد اجادوا التنمر والسخرية والنكايات البغيضة والنكات كما احسنوا تعطيل النصاب ،فحولوا مسلسلات ” التعطيل” المتعمد إلى حلقات درامية متتالية، وكانوا خير ممثلين على الشعب عوض أن يكونوا ممثلين عنه،
امر واحد فشلوا فيه هو الدفاع عن انفسهم عندما ينهر بهم أستاذ ” المواد والمادة”،
لقد استحقوا صفراَ مدوّراَ في الدفاع عن أنفسهم وعن كرامة ممثليهم وموقعهم ،
منهم من صمت صمت القبور، ومنهم من احمرّ وجهه، ومنهم من طأطأ رأسه امام صرخة ” الاستاذ” ، ومنهم من اختزل الرد بضحكة ” سفراوية ” في مدرسة استحقت لقب مدرسة ” المشاغبين” ….
هكذا صف الابتدائي عندما يصرخ الأستاذ فيصمت التلاميذ، والا فقصاص وركعة أو كتابة عشرين صفحة ” كل حرف بلون”،
هكذا وافق الأستاذ المعلم على جلسات علنية تبث مباشرة على الهواء….. ويا ليت التلاميذ يرفضون تغطيتها حرصاً على سمعتهم وكراماتهم امام ملايين الناخبين والمقترعين والمؤيدين….
فكانت المذلة الكبرى وكشف المستور من الاوصاف،
إنها مدرسة المشاغبين بامتياز يحكمها ديكتاتور في إحدى أبرز المواد” مادة إجرا من الشباك “….!
لا عجب في أن نكون في حاضرة جمهورية الموز…. جمهورية ارادها شعبها ان يكون مجلسها على صورته ومثاله،
جمهورية ” مادة إجرا من الشباك “…. فلا مكان لاية مادة أخرى في الدستور والقانون لتطبق سواها، ما ينطبق عليه المثل القائل : ” تلك الكنيسة الخربانة بدها هالقسيس الأعمى” …..
لا عجب في ما وصل إليه الشعب اللبناني من استخفاف بأهم استحقاق مصيري يعيد عجلة اللعبة الديمقراطية الى الدوران من جديد ومن خلالها عجلات الاقتصاد والنهوض والانماء والازدهار….
قد يكون ما تفوه به رئيس المجلس واقعياً يعكس واقع الحال الذي وصلنا إليه،
وقد يكون من شدة القرف لكونه باتت تنتابه الدهشة بعد إدراكه أنه يدير صف حضانة تعذر عليه القراءة والكتابة، والتفريق بين الالف والعصا فظن الطلاب أنهم بصدد لعبة ال x كما كنا نسميها في الصغر او ممارسة لعبة ” الغمّيضة” حين يبحث نواب عن زملائهم في اروقة المجلس او يختبئون قسم يهرب بعيد اقتراعه وقسم آخر يختبىء خارج المجلس لتعطبل النصاب ويبقى stand by للطوارىء! ….
وبين الاوراق البيضاء التي تذكرنا بمسابقات الطلاب الذين عجزوا في الامتحانات الرسمية عن الرد عن اي من اسئلة الامتحان أو نسيوا كتابة اسمهم على متن المسابقة او من اختار كتابة ” جعدنة” بهدف اضحاك زملائه ام المشاهدين أو من كتب عن قصد او غير قصد علامة فارقة فأبطلت ورقته،
أم الطلاب الذين لم يفهموا الاسئلة لا لشيء انما لعدم التحضير للامتحانات…
أذكر ذات يوم ما اخبرنا إياه استاذ مصحح عندما كان ينكب على تصحيح إحدى مسابقات الامتحانات الرسمية، فأعجب بطالب أجاد الرد على عدد من أسئلة الامتحانات وكاد يستأهل علامة عالية لولا وصل الاستاذ الى السطر الاخير عندما قرأ الجملة التالية :
n’ecris pas mot a` mot….
ما أكد بما لا يقبل اي التباس أن التلميذ نسخ مسابقته عن تلميذ آخر حرفياً… و ” بامانة مفرطة ” فاستحق الصفر المكعب اولاً لبلاهته وغبائه ومن ثم لثبوت غشه ونقله المسابقة حرفياً! .
هي حالنا مع مؤسساتنا الدستورية المهترئة ،فالحجر ليس كافياً لبناء المؤسسات بل شخصيات ورؤساء ووزراء ونواب وقضاة ومدراء كفوئين يستحقون إدارة المرافق العامة وتفعيل عملها، أما ” الجعدنة ” والمزاح والاستخفاف بمتطلبات الوطن وحاجاته ،فيوصل إلى جهنم…. وقد وصل فعلاً.
يبقى أن نشير إلى أن المهمة التي يجدر الاطلاع بها من قبل النائب خلال دورة انتخاب رئيس للجمهورية أشبه بمهمة قبطان الطائرة إبان إقلاعها وهي تتطلب حبس الأنفاس واليقظة والحكمة والدقة وتشغيل كافة الحواس بغية إنجاح عملية الإقلاع لان أي خطأ سوف يكلف الوطن آلآف الشهداء وعشرات المليارات من الخسائر لست سنوات شهدها الشعب اللبناني بأسره ولم يفلت من آتونها معارض أم موالٍ ،
لعله درس وعبرة للسنوات الست المقبلة، لان الندم لن يفيد بعد فوات الأوان بعدما بات شعبنا يعيش تحت راية ” سيري وعين الله ترعاك ” بعيداً عن الدستور والقوانين والمؤسسات…..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى